غروب مملكة آل سعود
بقلم / عبد الرحمن مراد
يقول ابن خلدون في مقدمته :إن الدول تشيخ كالأفراد وتبلغ كمالها، فإذا بلغت كمالها آذنت نفسها بالفناء، ولكل دولة قامت في التاريخ أمد محدود تنتهي بكماله وبلوغه ولن نقرأ في التاريخ دوام دولة في كل التاريخ وفي كل حقبة فذلك هو المستحيل.
ومملكة آل سعود التي جاءت على أنقاض كيانات ودول في التاريخ فقد كانت تنتهج سياسة توسعية، فلم تبق آل الرشيد في نجد بل سعت إلى نفيهم إلى السودان والقرن الأفريقي وآل الرشيد هم الامتداد الطبيعي لقبائل عبس وذبيان، وسلبت الشريف الحسين سلطته على الحجاز ونازعت اليمن على المخلاف السليماني، ومن كل تلك الأنقاض أقام عبدالعزيز مجده ومملكته، وهو مجد غير مؤثل وملك غير دائم، فالحرب التي أعلنتها المملكة على اليمن ستكون هي لحظة الانهيار في الكيانات المختلفة وبدء التصدع، وفي الحقيقة لا يمكننا وصف ما تقوم به المملكة في اليمن بالحرب بل بالعدوان، وعلى مثله جرت العادة والوصف، بيد أني أردت الموازنة هنا وهي موازنة ذهنية جرت عليها سنن التاريخ وقانونه، وهي موازنة تخصني ولا تخص القارئ في شيء، فالحرب/ العدوان الذي تقوم به المملكة على اليمن لا يعني بلداً بعينه دون سائر البلدان ولا يعني قبيلة دون سائر القبائل ولكنه سيكون ذا أثر كبير على اليمن الطبيعي أرضاً وإنساناً، واليمن الطبيعي والتاريخي يمتد شمالاً إلى الركن اليماني للبيت العتيق، ولذلك فحركة التاريخ ستبدأ في تلك المساحة الجغرافية الكبيرة إلى تخوم الحجاز، فالعدوان الذي أفصح عن نفسه لا يمثل إلا حركة اجتماعية وثقافية وسياسية نشأت في ظرف استثنائي وتصدرتها أسرتان هما أسرة آل سعود وأسرة آل الشيخ، وبالقياس على المعايير الثقافية لتلك المجتمعات فالأسرتان لا تمثلان قيمة اجتماعية أو تاريخية في الوجدان الاجتماعي والتاريخي، بل كاد الأفراد أن ينتقصوا من قيمتيهما من خلال عنصري أو معياري “النسب والحسب” ويقظة الهويات المحلية والتاريخية ستكون عاملاً مؤثراً في تحديد مسار المستقبل، فالذين يرون أن مصدر فخرهم هو التاريخ لا يمكنهم إحداث الفصل الحضاري بين حاضرهم المتمثل في العدوان على أصولهم وماضيهم الذي يشكل حالة الامتلاء والوصل التاريخي والحضاري، فالقبائل التي تلتقي عند أصول واحدة وتوزعتها الجغرافيا السياسية ستجد أن خيارها مع ماضيها وأصولها ومع تاريخها، لأنه هو العامل الأكبر في الإحساس بالقيمة والمعنى وبالوجود، كما أن الطارئين لا قيمة ولا معنى ولا وجود لهم، فالخيار هنا بين ثنائيتين هما الامتلاء / والفراغ أو الحضور / والغياب وأمام تلك الثنائيات يمتد الجدل ويستمر التلاشي وتبعث الهويات التاريخية المقهورة لتجد نفسها في مواجهة الهويات الثقافية والسياسية الطارئة ، كما أن الهويات الطارئة سيمتد بها عَمَهُ الطغيان إلى درجة المواجهة المسلحة والاشتغال على الأبعاد المختلفة ومنها البعد الطائفي ومؤشرات مثل ذلك ورموزه قد بعثتها تفجيرات المساجد في القطيف ونجران ويمكن أيضاً ملامسة حقيقتها وجوهرها في شبكة التواصل الاجتماعي التي تكشف الغوائل والسرائر وتبعث رموزها وإشارتها الدالة على ملامح المستقبل.
لقد كشف العدوان على اليمن الكثير من الملابسات، وأفصح عن نفسه وأبان الكثير من الحقائق التي عليها نظام آل سعود وهو نظام قائم على الترف وعلى تبديد ثروات الأمة المسلمة في الملاهي وشراء الذمم ودعم أعداء الأمة وفي الحفلات الأسطورية والملذات وكل السلوكيات المنحرفة على تضاد كامل مع الأسس والمنطلقات العقائدية والروحية والأخلاقية التي عليها الإسلام، وهي تضع آل الشيخ كسلطة دينية وآل سعود كسلطة سياسية في المحك الأخلاقي والعقائدي، وباعث مثل ذلك هو التصرفات الصبيانية، التي عليها ولي ولي العهد محمد بن سلمان وحفلاته في باريس وسهراته ومجونه في جزر المالديف وكأنه يشرب نخب الدم المسال في اليمن ويرقص على أشلاء أطفال اليمن في سفور أخلاقي قاتل ومدمر وسفور عقائدي ممتد في عمه الطغيان.
لقد اتضحت لكل ذي لُبّ الحالة التي عليها النظام السعودي وأصبح الواقع يتحدث عن تحالف معلن مع إسرائيل كعدوٍ لدود للعرب والمسلمين ويتحدث عن ميل النظام السعودي إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ويتحدث عن وجود جنود يهود في قاعدة الملك خالد كقوة مشاركة في عدوان المملكة على اليمن، ويتحدث عن دعم النظام للحركات الإرهابية في العالم والتي ترمي إلى ضرب الإسلام من داخله في محاولة لتشويه قيمته ومعناه وتصويره كقوة روحية مدمرة وقاتلة يقف ضد الإنسان والتاريخ وضد النظم الحضارية والإنسانية.
لقد كانت من محاسن العدوان الكشف عن الكثير من الحقائق الواقعة كضمير مستتر، وكل تلك الحقائق تفصح عن النهاية المفجعة التي سيصل إليها مجد آل سعود وآل الشيخ، ولن يطول بنا الأمد فقد حانت ساعتهم وبدأت سنن الله في التدافع وصناعة المستقبل.