ميناء “بورتسودان” يهدم حلم الإمارات في النفوذ بالبحر الأحمر
حنين ياسين
قد تخيب آمال الإمارات العربية المتحدة الساعية للسيطرة على أكبر موانئ ساحل البحر الأحمر وأهمها، وذلك بعد إعلان السودان اتفاقاً استراتيجياً مع دولة قطر لإنشاء أكبر ميناء للحاويات في البحر الأحمر.
فقد أعلن وزير النقل السوداني مكاوي عوض، الخميس الماضي، أمام جلسة لبرلمان البلاد، أن الخرطوم اتفقت مع قطر على إنشاء ميناء بمدينة “بورتسودان” (شمال شرق) ليكون أكبر ميناء للحاويات على ساحل البحر الأحمر.
هذا الإعلان يأتي في ظل ظروف معقدة للغاية تسود منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط عموماً، وحرب سياسية واقتصادية محتدمة بين الدوحة من جهة والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى، وتبذل الأخيرة قصارى جهدها لتحافظ على تفوق ميناء “جبل علي” في دبي، عبر إضعاف الموانئ المنافسة بالقرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر، والسيطرة عليها.
ولعل من أهم الموانئ التي عملت الإمارات على إضعافها ميناء عدن، جنوب اليمن، لما له من أهمية استراتيجية تقضي على أهمية ميناء دبي، فهو أكبر ميناء، وتم تصنيفه في الخمسينيات من القرن الماضي على أنه ثاني ميناء عالمياً بعد ميناء نيويورك الأمريكي لتزويد السفن بالوقود.
كما أن ميناء عدن يربط ملاحياً بين الشرق والغرب، ويتميز بحماية طبيعية من الأمواج والرياح الموسمية من الاتجاهات الأربعة، فهو يقع بين جبلي “شمسان” و”المزلقم”، ما يمكّنه من العمل بدون توقف طوال العام.
ونجحت الإمارات في السيطرة على ميناء عدن وإبعاده عن ميدان المنافسة في 2008، عندما صادق الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح على منح شركة “موانئ دبي” العالمية حق إدارة ميناء عدن مدة 100 عام.
لكن الحلم الإماراتي كاد ينتهي بعد رحيل صالح عن السلطة في العام 2011، فقد قررت الحكومة اليمنية الجديدة، آنذاك، إلغاء الاتفاقية مع شركة “موانئ دبي”.
وقالت الحكومة الجديدة (يرأسها الآن أحمد بن دغر) إنها “مجحفة بحق اليمن ولا تراعي المصالح الاقتصادية للبلاد، علاوة على أنها تضمن تفوق الموانئ الإماراتية على حساب الميناء اليمني”.
ولم يمض الكثير من الوقت حتى عادت الإمارات تحت غطاء “التحالف العربي” ومحاربة مسلحي “الحوثي” لتسيطر على معظم موانئ جنوبي اليمن.
وفي خضم الحرب المستمرة في اليمن منذ 3 أعوام تقريباً، تسعى الإمارات حالياً للسيطرة على ميناء الحديدة.
ليست موانئ اليمن وحدها من طالتها السيطرة الإماراتية، فبموجب اتفاق مع إريتريا حصلت شركة “موانئ دبي” على حق استخدام ميناء ومطار “عصب” المطل على ساحل البحر الأحمر لمدة 30 عاماً.
وفي مصر أيضاً تملك دولة الإمارات نفوذاً على البحر الأحمر، ففي سبتمبر الماضي، وقع الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، وسلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لموانئ دبي العالمية، عقد شراكة لإنشاء شركة تنمية رئيسية لتطوير وتنمية منطقة ميناء “العين السخنة”.
كما تسلمت شركة موانئ دبي العالمية في مايو الماضي، إدارة ميناء “بربرة” على البحر الأحمر بموجب اتفاق مع جمهورية أرض الصومال.
وبناء على المعطيات السابقة يمكن وصف الخطوة القطرية لإنشاء أكبر ميناء للحاويات “بورتسودان”، بأنها تشكل تحدياً كبيراً للإمارات، فالميناء السوداني الجديد حال إنشائه سيكون مركزاً اقتصادياً حيوياً مهماً يؤثر على ميناء “جبل علي” في دبي، وبقية الموانئ التي تسيطر عليها أبو ظبي في القرن الأفريقي.
وإضافة للتنافس الاقتصادي، فإن الميناء الجديد سيعزز من نفوذ قطر على ساحل البحر الأحمر، ما يعني تحقيق تفوق سياسي جديد للدوحة على حساب الدول المحاصرة لها (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) التي لطالما سعت لعزلها عن العالم.
وفي تعليقه على الخطوة القطرية، قال الباحث السوداني عباس محمد صالح عباس، في حديث لـ”الخليج أونلاين”: إن “هذه الخطوة تعد نجاحاً كبيراً للدبلوماسية القطرية حيث يعتبر البعد الاستراتيجي لميناء بورتسودان ذا أهمية كبرى في ظل وجود استراتيجيات متعددة للهيمنة والنفوذ على سواحل البحر الأحمر”.
وأضاف عباس أنه “على المدى القصير سيشكل ميناء بورتسودان خطوة مهمة لإجهاض محاولات دول لفرض عزلة على قطر، أما على المدى البعيد فسوف يدشن إنشاء الميناء مرحلة جديدة من السباق بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة للتواجد على البحر الأحمر ومنها الصين وتركيا ودول غربية أخرى”.
ورأى أن ميناء “بورتسودان” هو أيضاً ثمرة للتحركات القطرية في أفريقيا، لا سيما القرن الأفريقي، وقد تثمر هذه الخطوة أكثر لو نجحت الدوحة في توظيف المواقف المناهضة للنفوذ الإماراتي بالقواعد العسكرية والموانئ في الصومال وإرتيريا لمصلحتها.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي السوداني، بابكر التوم، في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “على الصعيد الاقتصادي يعد ميناء بورتسودان رئيسياً في منطقة البحر الأحمر من الحدود المصرية إلى باب المندب في اليمن؛ فهو يخدم المنطقة العربية، ويشكل بوابة للانفتاح على الصين ودول آسيا ومدخلاً للمناطق الأوروبية”.
وأضاف التوم، وهو عضو اللجنة الاقتصادية في البرلمان السوداني، أن “معظم صادرات السودان والعمق الأفريقي تسير عبر ميناء بورتسودان”.
وأشار إلى أن ميناء “بورتسودان” سيكون مركز ثقل كبير على ساحل البحر الأحمر، وسيشكل منطقة جذب كبيرة، خاصة أن خلف الميناء منطقة تجارية حرة.
ورأى الخبير الاقتصادي أن الميناء الجديد سيجعل من المنطقة مركز تركيز استثماري، وسيكون له تأثير إيجابي على الموانئ الأخرى في المنطقة.
وقال: “هناك معنى سياسي أيضاً للخطوة القطرية؛ فهي تثبت أن الدوحة باتت محل ثقة للحكومة السودانية، وهذا ناتج عن أنها ساهمت من قبل في تحقيق السلام بإقليم دارفور (غرب) وقدمت خدمات كبيرة للخرطوم”.
وأشار إلى أن إنشاء ميناء “بورتسودان” سيعزز من حضور قطر في السودان؛ فهي لديها بنوك ومدينة عقارية كبيرة، ومشاريع كثيرة في البلاد، ويمكن تصنيفها على أنها الدولة الأولى فيما قدمته من دعم ومساعدة سياسية لتحقيق الاستقرار في السودان، والدولة الثانية من ناحية حجم الاستثمارات التي تملكها في البلاد.
يشار إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في السودان بلغ أكثر من 3.8 مليار دولار، بحسب وزارة الاستثمار السودانية.
وإن كان ميناء “بورتسودان” سيقلص من النفوذ الإماراتي في القرن الأفريقي، فإنه يعزز من قوة الدوحة في أفريقيا بشكل عام من باب التطوير وتعزيز العلاقات، ويعتبر ورقة سياسية واقتصادية رابحة جديدة في المعركة بين قطر ودول الحصار الأربع.
الخليج أونلاين