تقرير مصري: ثورة 21 سبتمبر اليمنية.. قراءة تاريخية في الحراك الشعبي
يمانيون – تقارير – صحيفة البديل المصرية
في كل الحقب التاريخية تظهر حركات تحرر وثورة، سواءً على نطاق ضيق في إطار الجغرافيا الضيقة والتجمع الشعبي الواحد، أو على مستوى الجغرافيا الإقليمية والشعوب التي تجمعها روابط واحدة، هذه الثورات وتلك الحركات تأتي نتاج تراكم إشكالات ثقافية وسياسية واجتماعية وأيديولوجية واقتصادية وغيرها، يقابلها وعي تراكمي بخطورة استمرار هذه الأوضاع وبأهمية الخروج لإيقافها، وغالبا ما تدفع الشعوب التي تثور وتتحرك للتحرر ثمنا باهظا جدا، وهو الطبيعي، إذ من غير المنطقي أن يسلم الواقع والمحيط به من المستفيدين بالثورة والتغيير الذين يرون أنه ليس في صالحهم بأي حال.
حينما قامت ثورة 21 سبتمبر 2014 في اليمن، كان العالم كله يراقب سلوكها ومداها وإلى أين ممكن أن تصل، وقد جرى اعتراضها بالأدوات الممكنة في حينه، ولكن ذلك لم يكن كل ما لدى العالم المترقب والمتابع، وحين وصلت إلى صنعاء جرت محاولة احتوائها وليس إيقافها لكنها لم تتوقف فجرى مواجهتها وإعاقتها باستخدام أوراق شتى كان آخرها استقالة الحكومة والرئيس ومن ثم صياغة خطوات العدوان على اليمن بشكل منظم ومدروس.
لم تكن عملية صياغة خطوات العدوان تجري على غفلة من قيادة الثورة ولا بعيدة عن وعيها وحساباتها، فالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حذر مرارا خلال تلك المرحلة التي أعقبت 21 سبتمبر من مغبة اتخاذ أي قرار بالاعتداء على اليمن أو تقويض أمنه واستقرارها أو محاولات إدخاله في قائمة العقوبات أو تبرير أي تدخل عسكري في شؤونه الداخلية، وكان تحذير السيد القائد نابعا من وعي كامل بما يجري التخطيط له، ولعل المناورة التي أجرتها قوات الجيش واللجان الشعبية في الحدود مع السعودية تعد رسالة تحذير واضحة وإشارة تعبر عن توقعات القيادة لخطر العدوان قبل أسابيع من حدوثه.
جذور الثورة
بدأت ثورة 21 سبتمبر فعليا منذ بدأ السيد حسين بدرالدين الحوثي يصدح بالشعار في جبال مران، ويلقي محاضراته على عدد من البسطاء الذين أصبحوا فيما بعد حملة مشروع كبير ينطلق من القرآن كمرجعية فكرية قبل أن يكون مرجعية عقائدية، وكانت قوى الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا أو ما يسمى بالنظام العالمي قد أدرك باكرا خطورة المشروع عليه وعلى مصالحه في اليمن، خصوصا وفي المنطقة عموما، ولذلك بدأ بشن الحرب على هذا المشروع بناءً على مبدأ قتله في مهده، لكنه لم يكن يعرف أنه إنما أشعل فتيل انفجار كبير سرعان ما أسقط وصايته الصامتة على اليمن وكشف حقائق كثيرة كانت تتوارى خلف أقنعة وشعارات لا حصر لها.
وهنا يجب الإشارة إلى أن ممارسات النظام الحاكم في اليمن لم تكن إلا انعكاسا لممارسات النظام العالمي بقيادة أمريكا ليس فقط في اليمن بل في المنطقة ككل، وجاءت الحرب الأولى في اليمن بالتزامن مع إرهاصات كثيرة شهدتها المنطقة بعد احتلال العراق وأفغانستان وإعلان ما يسمى الحرب على الإرهاب التي أعطت أمريكا لنفسها عبره الحق في التدخل المباشر في شؤون الدول عسكريا، هذا التدخل هو الذي أنتج هذا الواقع الذي تعيشه اليمن والذي تعيشه المنطقة عموما، ونستطيع أن نقول إنه استفز بشكل تراكمي الشعوب لمواجهته، فظهرت حركات التحرر والثورة باختلاف أساليبها وأدواتها، وكان حزب الله والحكومة السورية تلاهما حركة أنصار الله في اليمن سباقين في التمرد على الوصاية الأمريكية المعلنة على قرار الشعوب العربية.
بعد حرب تموز 2006 التي كشفت هشاشة الجيش الإسرائيلي، وكشفت التحالفات الخفية بين بعض الحكومات العربية وبين الكيان الإسرائيلي، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كونداليزا رايس عن مخطط الشرق الأوسط الجديد، وتكشف حجم العداء الأمريكي لسوريا الذي ترجمته إجراءات عدائية من قبل بعض الحكومات العربية على رأسها السعودية لسوريا، وانقسمت المنطقة إلى محور مقاومة وممانعة ومحور موالاة أمريكا وإسرائيل، وفي تلك الأثناء كانت الحروب في اليمن تشعل إحداها الأخرى حتى وصلت إلى الحرب السادسة في عام 2009 – 2010، التي انتهت بتوسع ملحوظ لحركة أنصار الله، وحضور لافت لمشروع المسيرة القرآنية في أوساط المجتمع اليمني امتد صداه في الخارج والداخل، ليجد النظام الحاكم في اليمن نفسه في مأزق أمام التزاماته للوصاية الأمريكية وللمشروع الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي أنتج صراعات بدت خفية في بداية الأمر بين طرفي النظام.
تفجرت فيما سمي بثورات الربيع العربي في مطلع العام 2011، وبعد أن كانت تُقرأ بأنها انفجار شعبي بوجه الأنظمة العميلة، اتضح لاحقا أنها لم تكن سوى مقدمة لمشروع الفوضى الخلاقة التي هي أولى خطوات ما أسمته “رايس” بالشرق الأوسط الجديد، جرى خلال تلك الفترة إعادة تشكيل توازن القوى داخل الدول العربية المستهدفة بحيث تحدث تلك العملية حالة عدم الاستقرار واللاقوة واللادولة، ونجحت تلك الخطوة في ليبيا وفي سوريا وفي اليمن بينما فشلت في تونس ومصر، وفشلها في تونس ومصر جاء مقابل تسليم مطلق للوصاية الأمريكية وبضمانات على الولاء والطاعة الكاملتين لأمريكا.
هذه الإرهاصات ساعدت الثورة في اليمن على تأسيس قواعدها والانطلاق بخطى ثابتة نحو اليوم الكبير في 21 سبتمبر، حيث استطاعت قوى الثورة الشعبية بقيادة أنصار الله أن تختصر مسافات عدة، حيث استفادت من حالة اللادولة في أن تعلن مشروع الدولة ومن حالة اللاقوة أن تصنع قوة، ومن حالة اللاإستقرار أن تنادي بالاستقرار إلى أن تمكنت من تعرية الواقع وكشف الحجب عن الكثير من الخفايا في واقع اليمن السياسي والعسكري في فترة قياسية.
إرهاصات الثورة
لا شك أن الأحداث التي شهدتها اليمن خلال العام 2011 أنتجت واقعا جديدا على كافة المستويات وأفرزت متغيرات عدة على كل الأصعدة، وبالقدر الذي أثرت على أداء أجهزة الدولة وأنهكتها، فقد أضعفت القوى الحاكمة وفككتها وصنعت فجوة كبيرة بينها أوصلتها إلى حالة حرب انتهت بقطيعة شبه كلية بينها، وهوما ترك مساحة واسعة للقوى الفاعلة الأخرى أن تكون حاضرة وبقوة في المشهد سياسيا وعسكريا وتعبويا.
وكانت إشكالية ضعف الدولة وتفككها ملازمة لكل المتغيرات التي أنتجتها 2011 ورغم تشكيل الحكومة وانتخاب صوري للرئيس وانعقاد مؤتمر الحوار وكل تلك التحركات الدولية والإقليمية التي حاولت إعادة ترميم النظام المتداعي، كانت الثورة الشعبية تتقد شيئا فشيئا في متوالية ثورية مدروسة بعناية، وأعتقد أن الثورة كانت استحقاقا تاريخيا أوجبته كهولة النظام من جهة، ومن جهة أخرى استفحال تأثير الوصاية على وجود الدولة والجيش وعلى مستقبل اليمن ومصالح شعبه، وخاصة وأن أمريكا وعبر أدواتها في المنطقة عمدوا إلى العبث بأمن اليمن وتفكيكه وتقسيمه سياسيا، عن طريق مشروع الأقلمة وطائفيا عن طريق التعبئة المكثفة الممولة في إعلام الإصلاح وحلفائه ضد أنصار الله والزيدية والشافعية والصوفية، وأيضا أمنيا من خلال تمكين القاعدة والتكفيريين وتسليم المعسكرات والمناطق لهم.
كل تلك المشاريع المشبوهة استوجبت الثورة، ومن المهم الإشارة إلى أن قيادة أنصار الله للمشروع الثوري أعطته بعدا شعبيا غير مشوب بالنكهة السياسية التي أجهضت ثورة 2011 ورهنتها للتسويات المشبوهة، كما أن تفاقم الوضع السياسي والاجتماعي والعسكري في تلك الفترة كان يبدو عملا منظما وليس كما كان يروج له بأنه أزمة تعانيها اليمن، ويدلل على ذلك الصمود الذي جسدته اليمن بمكوناتها ومؤسساتها على كل المستويات اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا في ظل انعدام الموارد واستمرار العدوان والحصار.
عتبات الثورة
الأحداث التي رافقت التحرك نحو ثورة 21 سبتمبر أثبتت أنه كان مشروعا شعبيا قبل أن يكون سياسيا، وكان يدار بقرار يمني بحت دون تدخل الخارج، الأمر الذي أزعج الخارج بل وأرعبه، ولو راجعنا خطوات الثورة لوجدنا التحرك كان يأتي وفق رؤية وطنية، وينطلق من مطالب وطنية، ويراعي أبجديات الالتزامات السياسية والدبلوماسية، ولذلك توج انتصار الثورة في 21 سبتمبر باتفاق السلم والشراكة وليس بفرض إملاءات الثورة وقراراتها وخياراتها.
وثمة من يقرأ ثورة 21 سبتمبر بأنها حرب بدأت من دماج وكتاف وانتهت بسقوط صنعاء، وهذا غير صحيح، فتلك الحروب التي تلت ثورة 11 فبراير 2011 لم تكن سوى محاولات سعودية أمريكية لاحتواء الثورة التي تمتد جذورها إلى الحروب الست على صعدة وأنصار الله، لكن نستطيع أن نقول إن الحرب التي بدأت من دماج فتحت للثورة ميدانا واسعا لتواجه النظام على حقيقته وتجفف منابع أدواته التكفيرية وتقتلعه من جذوره هو وما زرعه من أوبئة من صعدة وحتى البيضاء.
من دماج إلى كتاف
بدأت حرب دماج الأولى في العام 2012 بالتزامن مع التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، وكانت دماج محمية تكفيرية وهابية وسط صعدة، تم زراعتها في تلك البقعة لأغراض خطيرة جدا أقلها إشعال حرب طائفية عبر تعبئة عقائدية دخيلة على المجتمع ممولة سعوديا، وتديرها استخبارات أمريكية منذ بدء تأسيس معهد دماج بقيادة مقبل الوادعي.
في المقابل مكن الوعي الذي يمتلكه مجتمع صعدة عزل جماعة معهد دماج لعقود ولذا لم تستطع أن تؤثر ولا تتأثر بمحيطها، فكان معظم إن لم نقل كل عناصرها من خارج صعدة ومن خارج اليمن أيضا، لم يكن للنظام ولا للسعودية ولا لأمريكا أن تستخدم تلك الورقة في غير وقتها أو بالأصح قبل نضجها، ولأنها لم تستطع أن تبلغ نضجا، جرى استخدامها في توقيت كان المخطط يقضي ببدء خلق البلابل في شمال اليمن حيث معقل أنصار الله وإشغالهم عن تحركاتهم السياسية التي كفلتها لهم أجواء الحوار الوطني، وبعد أن كان معهد دماج مسالما ومنكفئا على ذاته فجأة بدأ يتحرك وينصب المتاريس في الجبال وبدأ يظهر عناصره بالسلاح في استفزاز واضح لأنصار الله وللمجتمع هناك، حرب دماج الأولى سرعان ما خمدت بوساطات وتعهدات والتزامات لكنها في منتصف 2013 عادت من جديد، وحينها صار معظم الوسطاء مساندين وداعمين للتكفيريين في دماج واشتغلت الآلة الإعلامية السعودية بشكل واضح في صفهم وبالتزامن تحرك حزب الإصلاح وأياديه في شن حرب وحصار على صعدة من جهة حرض وحوث والجوف، إلى أن خرج رأس آخر كان مدفونا في صحراء كتاف شمال شرق صعدة حيث كان هناك مركز للتكفيريين جرى تأسيسه منذ عقود ويعمل بصمت أيضا ليعلن الحرب من جهته وكان ظهيره السعودية والحدود واحتشد الدعاة السعوديون في نجران لمؤازرته.
كانت قنوات سعودية تستضيف شخصيات لتقول وتتوعد “نحن نحاصر الحوثيين من كل الاتجاهات وسنتركهم يموتون جوعا وسنتلذذ بموت أطفالهم ونسائهم بلا دواء ولا غذاء”، وهذه الأشياء موثقة، ففي حين كانت الحرب مشتعلة في دماج وفي كتاف وفي الحد بين حرف سفيان وحوث وفي حرض وقفلة عذر برعاية سعودية واضحة وبمباركة دولية ودعم أمريكي غير معلن، كانت صعدة محاصرة من كل الاتجاهات وأهلها يعانون من الحصول على أبسط مقومات الحياة.
وبعيدا عن تفاصيل المعركة وتوصيفات الإرهاصات التي صاحبتها، فإنها في نهاية الأمر حسمت بإرادة شعبية، الاستفزاز الذي تعمده حزب الإصلاح بتحريك عناصره النائمة التي أسسها بدعم سعودي ورعاية أمريكية في كتاف ودماج والحصار الذي تعمد حسين الأحمر فرضه بقطع الطريق وقتل المسافرين في حوث وقفلة عذر وحرض، ألهبت داخل الناس ثورة كامنة في دواخلهم المتشبعة بفكر المسيرة القرآنية الثوري الذي أسسه القائد حسين الحوثي، وهوما دفع مجاميع من الناس للالتحاق بجبهات كتاف خاصة ودماج أيضا وجبهات حرض وعذر وحرف سفيان.
أدى سقوط كتاف وفرار التكفيريين وكشف أول معاقل التكفيريين إلى فضح زاوية من زوايا المخطط الكبير الذي كان الإصلاح رأس حربة في تأسيسه والدفاع عنه عبر إعلامه وكوادره، وانكشف أول مصنع للقاعدة في صعدة وكان دخول مركز كتاف ضربة قوية للسعودية التي تجاهلت الحدث وإن لم تتجاهله وسائل إعلام محسوبة عليها وجرى تصوير ما بداخل المركز كأدلة على أن هذا المركز مصنع للقاعدة وأيضا مدعوم سعوديا وبغطاء أمريكي، ولكنه لم يكن أول مبرر يدعو إلى الثورة على النظام الذي كان مجرد أداة بيد الخارج الممعن في تفخيخ اليمن وإن كان من أقوى المبررات، وبسقوط كتاف سقطت دماج وبتوجيهات من الرئيس هادي يومها، بعد إدراك محركي اللعبة أن بقائهم هناك غير مجدٍ وأن استثمار قضية تهجيرهم أجدى باعتقادهم، لم يوافق قائد الثورة يومها على التهجير لإدراكه المسبق أن تلك لعبة وسيجري العزف عليها طويلا غير أنه لم يكن يمتلك الضغط لبقائهم أكثر من تقديمه الضمانات لحمايتهم.
فتح بوابة اليمن
لعل سقوط مركز التكفيريين في كتاف وهروبهم باتجاه الجوف، خفف كثيرا من أعباء المعركة الثورية الحاسمة للقضاء على الإرهاب والتكفير وإخراجه من أرض اليمن، فتمكن مقاتلوا الثورة من الزحف باتجاه حرض وقفلة عذر وحوث، وبرغم الوساطات والضمانات والمناشدات التي أطلقها قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي لآل الأحمر بفتح الطريق وإيقاف الاعتداءات على المسافرين ونهب الشاحنات وإخافة السبيل، إلا أن حسين الأحمر أعجبه تسميته “أسد السنة” من قبل قنوات السعودية التي كانت تطبل لتكفيريي دماج وكتاف من قبل، ونصب نفسه زعيما للإرهاب، ولأن قبائل العصيمات وحاشد رفضت أن تقاتل في صفه وتحت راية الطيش الأهوج والقتل المجاني في الطرقات، استقدم إلى حوث والعصيمات عناصر من القاعدة في وقت كانت لاتزال دماج وكتاف تقاتلان، الأمر الذي جعله بعد سقوطهما مكشوفا لا ظهير له من حاشد ولا حتى من العصيمات، كانت راية القاعدة ترفرف في نقاط حوث والعصيمات وكان التكفيريون يوقفون أبناء العصيمات أنفسهم ويمنعونهم من المرور ويستفزونهم، الأمر الذي فاقم مستوى الغضب عليه في أوساط مجتمعه، وهوما جعل سقوطه سريعا.
فتحت جموع الثورة الشعبية حوث، وكان هناك اعتقاد لدى البعض بأن فتح حوث سيفتح اليمن كلها أمام جموع الثورة، وبالفعل، سقط حسين الأحمر وأسقط امبراطورية آل الأحمر التي ظلت تحكم بهيبة حاشد وهيبة العصيمات اليمن طولا وعرضا، حاول حسين الأحمر الذي هرب من منزله بالخمري (ضاحية من ضواحي حوث) إلى بني صريم أن يحشد بني صريم للقتال وفتح جبهة من حدودها مع العصيمات، إلا أنها رفضت تماما وطالبته هو وأخوته بأن يغادروا بلادهم.
وفي ذات الوقت كانت حرض وعذر وعبس وعاهم وطريق حوث حرض الدولي يتطهر لأول مرة من ظلام الموت الذي كان يسيطر على الطريق الدولي المهجور لعقود، ليصبح ممرا آمنا، في تلك الأثناء كانت قبائل بني صريم تتخلص من بقايا المناصرين لمشروع الإصلاح وآل الأحمر في بلادهم حين طردوا حميد القشيبي قائد اللواء 310 في عمران وسيطروا على منزله ضمانا لعدم إشعال حرب في بلادهم، وفتحوا الطريق أمام جحافل الثورة التي حملت معها مناصرين بالآلاف من أبناء العصيمات متجهين إلى عمران المحطة التالية في الثورة.
معركة عمران.. عتبة صنعاء
كشفت معركة عمران الكثير من الخبايا في واقع اليمن، وعلى مستوى المنطقة بل والعالم، ليس لأن الطرف الذي أشعل الحرب في عمران هم الإصلاح وعلي محسن الأحمر وحسب، بل لأن الحشد الشعبي الذي التف حول الثورة ومطالبها الجزئية في عمران كبير جدا وملفت، فبمجرد أن أشتعل فتيل المعركة بين حشود الثورة وبين قوات العميد القشيبي قائد اللواء 310 الذي كان قوامه من الإصلاح وأتباع علي محسن وآل الأحمر، ظهرت على السطح مواقف علنية داخلية وخارجية، وتحركات دولية، المواقف الداخلية كان أبرزها موقف حزب الإصلاح الذي حرك عناصره التكفيرية للسيطرة على أبين مستغلا ضعف الدولة، وحين تحرك الجيش لقتال القاعدة في أبين طالب بتركها والتفرغ لقتال الثورة الشعبية في عمران، كما أشعل جبهة في الجوف، وفي الوقت ذاته تحرك مجلس الأمن والأمم المتحدة وبعثت مندوبها جمال بن عمر وجاء سفراء العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وصدر قرار من مجلس الأمن ضد الثورة، لكنها كلها لم توهن قوة الثورة ولا من عزمها في مواصلة مشوراها الكبير لتحرير عمران من سيطرة فئة مستبدة هم ثلاثي الطغيان آل الأحمر الفارين من حوث وحزب الإصلاح المتهاوي وعلي محسن الذي يعتبر عمران آخر معاقل قواته.
ثورة عمران اندلعت إثر رفض علي محسن الأحمر تغيير المحافظ وتغيير القشيبي، حسب مطالب شعبية واسعة امتدت على مساحة المحافظة، وانتهت بسقوط ذلك الثلاثي وتحرير المحافظة وانهيار اللواء 310 ومقتل القشيبي.
اللافت في ذلك الحدث المحوري في تاريخ ثورة 21 سبتمبر أن هادي نزل صبيحة سقوط عمران إلى مبنى المحافظة في خواتيم رمضان وافتتح مبنى محافظة عمران وأعلن عودة المحافظة إلى حضن الدولة بعد أن كانت لسنوات خارج سيطرة الدولة.
هادي الذي اعترف بتحرير عمران كان يتذبذب وخلال المعركة كان يقصف بالطيران ويرسل الوسطاء ويندد بأن صنعاء خطٌ أحمر، لكن ذلك الخط الأحمر سرعان ما تبخر حين وصلت الجماهير إلى محيط صنعاء لتساند شباب الثورة المرابطين في أعظم تحرك سلمي شهدته العاصمة.
دخول العاصمة.. الخطوة الأولى للثورة
أشهر قليلة تزامن فيها الحراك السلمي مع التحرك الشعبي في مداخل العاصمة، مع تحرك دولي تمثل في وساطة جمال بن عمر الذي تنقل مرارا بين صنعاء وصعدة محاولا أن يتفادى سقوط صنعاء بيد الثوار، عبر تلبية المطالب التي كانت في حينه تتمثل في تغيير الحكومة لتشكيل أخرى تستطيع تنفيذ مخرجات الحوار بعد فشل حكومة باسندوة، وتنفيذ مخرجات الحوار، والتراجع عن رفع الدعم عن النفط، لكن هادي لم يكن صاحب القرار، فإرهاصات كثيرة تزامنت مع تلك التحركات الثورية مثل التدخل الأمريكي السافر في هيكلة الجيش وتفكيك المنظومة الصاروخية والدفاع الجوي وغيرها، وكانت الطائرات الأمريكية تحوم لتصور جميع المواقع في صنعاء ومحيطها وفق إحداثيات استخباراتية كشف العدوان الهدف منها.
سقطت صنعاء بعد أشهر قليلة من الاحتشاد حولها، وفي غضون معركة ثلاثة أيام فقط، انتهت بهروب علي محسن الأحمر من اليمن وتركه المشهد حرا طليقا استطاع أن يصل يومها جمال بن عمر إلى لم شمل القوى اليمنية حول اتفاق السلم والشراكة الذي جرى توقيعه في حينه ورحبت به دول الإقليم ومجلس الأمن، وتشكلت في إثره حكومة خالد بحاح التي سرعان ما انفرطت مع هادي بقرار خارجي لشن عدوان على اليمن لايزال يضرب كل ماله علاقة بالحياة.
وبرغم ما أحدثه دخول الثوار إلى العاصمة وفرار مراكز القوى وترك الدولة ومؤسساتها على الرصيف، فإن ذلك لم يكن إلا اكتمال الخطوة الأولى من ثورة لاتزال مستمرة، ثورة تسعى للتخلص من وصاية الخارج بالمقام الأول وترتيب البيت اليمني وبنائه وإعادة الاعتبار للتاريخ اليمني.