.حروب الهوية .. خيار لا مفر منه
يمانيون – كتب / حمير العزكي
عندما يتحدث البعض عن دول الغرب المتقدمة ودول الشرق المتطورة ، والحسرة تكاد تقطع قلبه وروحه تكاد تميز من الاعجاب ، عندما يحدثنا عن عواصم زارها ، ومدن مر بها ، وحدائق تفيئ ظلالها ، وأبنية أذهله معمارها ، وشوارع سلب جنانه تنظيمها ، وهدوء مجتمعاتها المتمدنة ، حالما باستقرارها ، ومتطلعا لنهضتها ، وشغوفا بهدوئها ، مفتونا بأنظمتها ، مطالبا أن يرى بلده على تلك الصورة ، وبتلك النموذجية التي يعتقدها ، ولكنه عندما يقارن بين بلده وتلك البلدان يتغافل او يتجاهل أمرين هامين هما :
1/ كيف وصلت تلك البلدان الى هذا المستوى ؟
يتجاهل المهووسون بالبلدان الغربية والمبهورون بالبلدان الشرقية تاريخ تلك الشعوب ، وكأنها حين نقرأ لهم عنها هي الجنة ، لا لغو فيها ولا تأثيم ، منزوع مافي صدورهم من غل ، نعيم لا عذاب معه ولا قبله ، وراحة لا تعب فيها ولا قبلها ، يتجاهلون لكي نجهل ، ويتغافلون لكي نغفل ، ما الذي حدث ؟؟ لا يذكرون وهم بلاشك يتذكرون ، تلك الحروب الطاحنة الممتدة على مدى التاريخ وفي كل حقبة منه، يتناسون حتى الحروب الحديثة التي مازال بعض من شاركوا فيها على قيد الحياة ، حربان عالميتان أخيرتان ، قتلت عشرات الملايين من البشر ، وحروب إقليمية عديدة ،حرب بين الكوريتين وحرب اهلية في الصين وفيتنام وغيرها ، كانت في أغلبها حروب هوية ، حروب وجود ، فيها الوطنيون الاحرار والعملاء الخونة والمرتزقة والتحالفات ، انتصرت فيها الشعوب التي دافعت عن وجودها وتمسكت بهويتها ، ذاقت تلك الشعوب التي تتحدثون عنها وتغبطونها ، الموت بالجملة بالرصاص والقذائف والقنابل والطاعون والسل والكوليرا، وشعرت بالخوف والرعب والألم والحزن ، عانت من الجوع والمرض والفقر ، قصفت وحوصرت وطعنت في الظهر من بعض أبنائها ، ماذا لو انها تخاذلت واستسلمت وانهزمت ؟؟ هل كانت ستصل الى المستوى الذي اذهلكم ؟؟ولوانها انهارت وخارت قواها وقال مثقفوها اتعبنا المقاومون بقتالهم وارهقنا المقاتلون بمقاومتهم ؟؟ هل قارنت نخبها بينها وبين دول غيرها وتعامت عن معارك ضارية وحرب ضروس تجتاحها وطالبت قياداتها وقتها ان يجعلوها مثل غيرها ؟
لم يحدث شيئ من ذلك ولكن واجهت وقاومت وصمدت وتكاتف رجالها وقادتها وعلماؤها ومثقفوها ، فانتصروا ووصلوا ماأذهلكم وأعجبكم ، ووصلنا حين تخاذلنا وتراجعنا ما أزعجكم وكدر صفو خيالاتكم !
2/ ماذا قدمتم لتجعلوا بلادكم مثلها ؟
كما اسلفنا فإن انتصار تلك البلدان لهويتها ، كان مقدمة الاستقلال ، ومعطيات الاستقرار ، والايمان بالقضية ، والتفاني والتضحية بوابة النهضة ، وأركان البناء، والعطاء مدامك التطور ، فماذا قدمتم لتنتصر بلادكم في حربها مع أعدائها ؟
ماذا فعلتم للحفاظ على هويتها ؟ والدفاع عن استقلالها وسيادتها ؟
بماذا ضحيتم في سبيلها وانتم اكثر ابنائها حظا من خيراتها ؟
هل انتجتم ، هل أبدعتم ، هل طورتم وحدثتم ، بل هل حاولتم فقط محاولة لتقدموا شيئا يستحق الذكر من اجلها ؟
حري بكم وانتم تزورون تلك البلدان أن تدفنوا أنفسكم في وحل ثقافتكم ، وتصفعوا خدودكم بنعال آبائكم واخوانكم الذين انتظروا منكم شيئا للأسف لم تملكوه حتى تعطوه لهم ، لا تعتذروا بأنظمة كنت خدامها وحجابها ووزراءها وحظوة حكامها ، ولا تعتذروا بحرب فرضت على بلادكم كما فرضت على بلدان تعشقونها ، فتخاذلتم وجبنتم وخنتم وارتزقتم لعدوكم ، لاتعتذروا لأنكم اخترتم ان تكونوا نخبتها وضحيتم من اجل خياراتكم لا من اجل خياراتها ، لا تتنصلوا عن مسؤوليتكم في خلق الوعي المناضل والمكافح والمقاوم والمعطاء والبناء والمثالي تفكيرا وانتاجا ، فإذا بكم تزرعون اليأس والاحباط والفراغ والانهزام والاستغلال .
تعلمون علم اليقين ان بلادكم تخوض حرب هوية ووجود وان الانتصار في هذه الحرب سبيل النهوض وان واجبكم الوقوف في صفها ولكنكم تدركون جيدا انكم ستتعبون وتألمون وتضحون في هذا الطريق ، فاخترتم ما يناسب اهواءكم وتركتم ما تحتاجه اوطانكم ، لتعيشوا بلا هوية بين حسرة الحلم والمستقبل العدم .