قصص حية تفوق الخيال… مأساة سكان نقم …
قصص حية تفوق الخيال… مأساة سكان نقم
أم احتضنت الحذاء وفرت أثناء القصف وتركت وليدها
سميرة الخياري – سامية صالح
2015-05-30
■ أب يرى ابنه جسداً بلا رأس
■ نازحون بلا مأوى وأطفال مفقودون
قصف.. دمار .. قتلى .. أشلاء.. جثث … دموع … فدعوات تسابق الريح لتفتح لها أبواب السماء تشكو ظلم وغدر الشقيق والجار.. فلا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم مصدره يفضي إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
وحين يكون الله ناصرنا فلا خوف، فالعون قادم والنصر آت. فقط نتضرع إلى الله بأصدق الدعاء وسنرى عجائب قدرته وتجليات رحمته والشمس لا يسطع نورها بالآفاق إلا بعد ليل حالك..!
الحديث عن مأساة سكان نقم تحتاج إلى مجلدات ففي كل بيت حكاية ومأساة ومع أنهم اعتادوا أصوات الصواريخ والتفجيرات إلا أن الجميع يصف الانفجار الأخير وهروب والمواطنين من منازلهم كيوم الحشر.
إحدى الأمهات حينما سمعت صوت الانفجار قريب من منزلها سارعت لتلقط ابنها المولود حديثاً وهربت مع جموع غفيرة من الناس والانفجارات من خلفهم تطال منازلهم وفي الطريق احتضنت وليدها بنظرة اطمئنان فتفاجأت حين رأت أنها أثناء القصف لم تدر بنفسها فاحتضنت الحذاء بدلاً من أبنها فارادت الرجوع لأخذه فعاجلها صاروخ سقط في المنزل فدمره كليا وقضى على حياة ابنها.. فقدت المرأة بعد هذا الموقف المفجع وعيها وعقلها وتعالج الآن في إحدى المستشفيات.
جسد بلا رأس
مأساة أحد الآباء لا تختلف كثيراً عن تلك الأم فعند القصف تعالت الصيحات والبكاء والاستغاثة وفر جميع سكان نقم ولم تسهم الشوارع التي أزدحمت بهم فاحتضن طفليه الاثنين والقصف يشتد والنيران تتصاعد وأصوات الانفجارات والصواريخ المتطايرة هنا وهناك تصم الآذان والشظايا تتساقط في كل مكان وبينما هو يجري أراد تهدئه ابنه وحين التفت إليه وجده جسداً بلا رأس اصابته شظية ففصلت الرأس عن جسمة فوقف مبهوتا والناس يجرون من أمامه ومن خلفه إصابته شظية بترت ساقيه ليهوي أرضا.
ضياع الأطفال
إحدى النساء ذهبت لتبارك لجارتها بالمولود الجديد وأثناء الجلسة دخلت إحدى الصواريخ من النافذة ليتحول الولاد إلى عزاء ويقتل أربع نساء.
نزح سكان نقم أثناء قصف قوات التحالف فترك المئات من السكان وراءهم بيوتهم ومتاعهم وممتلكاتهم الثمينة وفي تلك الضوضاء والمعمعة فقدت كثير من الأمهات أطفالها وضاعوا بين الزحام وإلى الآن لا يزال البحث جارياً عنهم وكل يوم تنشر صور في وسائل التواصل الاجتماعي لأطفال مفقودين لا يعرفون أسماءهم ولا عناوين منازلهم لصغر سنهم وتعيش أسرهم وأمهاتهم بين نار العدوان والخوف على مصير أبنائها الضائعين لذا تطوع أحد الشباب بإنشاء صفحة على الفيس بوك بعنوان “أطفال مفقودين” وضع فيها كل ما يصله من الصور والبيانات التي يحصل عليها سواء كانت إبلاغا عن فقدان أو العثور على أطفال ويتمنى من المشتركين بالفيس تفعيل الصفحة بعمل مشاركات لتصل إلى أكبر قدر من المواطنين وإرسال ما لديهم من معلومات تفيد في العثور على الأطفال الضائعين.
مشكلة الأطفال المفقودين باتت تؤرق الآباء والأمهات وازداد الخوف على الصغار مما دفع بالكثير منهم إلى كتابة أرقامهم وأرقام أقربائهم وعناوينهم على سواعد أطفالهم وصدورهم بالحنا والخضاب كي لا يمحى بسرعة وليسهل في العثور عليهم لو فقدوا لا قدر الله خاصة أن هناك الكثير من الأطفال لم يعثر عليهم إلى يومنا هذا ولا يعلم ما هو مصيرهم هل لازالوا أحياء أم أموات فيتقبل فيهم العزاء.
نزوح للمدارس
الكثير من الذين نزحوا أثناء القصف هم من محافظات أخرى ولا يوجد لهم أماكن يذهبون إليها أو أقارب يلجأون إليهم فترة العدوان بعد أن تدمرت بيوتهم ووفقدوا وظائفهم ففتحت أبواب المدارس لهم كسكن مؤقت وفي زيارة استطلاعية لأوضاعهم “الأسرة” نزلت لبعض المدارس في مديرية شعوب والتقت بالمنظمين فيها والنازحين.
مركز رئيسي
تقول عبير أحمد مشرفة على استقبال التبرعات للنازحين بمدرسة المستقبل للصم والبكم أنها بدأت العمل منذ شهرين بالمدرسة التي تعتبر المركز الرئيسي لاستقبال ما يجود به أهل الخير. وتضيف: مهمتي تسجيل ما يصل من بطانيات ومواد غذائية وملابس وغيرها ثم توزيعها للمدارس الأخرى التي يسكن فيها النازحون بالتنسيق مع المشرفين في هذه المدارس وتقول: نستقبل يوميا كميات من الخبز الجاهر تعهدت به الأفران القريبة وكذلك بعض النساء في بيوتهن.
حوامل ومعوقون
يقول المشرف على استقبال النازحين معاذ عقبات بمدرسة ثلاثين نوفمبر: استقبلت المدرسة أكثر من 32 أسرة يزيد عددها عن 202 شخص منهم 94 طفلاً وأربع نساء حوامل وسبعة معوقين ولازالت المدرسة كل يوم تستقبل أسرة جديدة فنقوم بأخذ بياناتها وحالة أفرادها الصحية ومن هو مصاب بمرض معد يوضع في فصل بعيد عن البقية حتى لا يصاب النازحون ونقع في مشكلة أكبر وبالذات الأطفال الذين يصابون بالعدوى أسرع من غيرهم.
وعن طريقة توزيع النازحين في الفصول يقول عقبات: نضع الأسر والأقرباء في طارود يخصص لهم وحدهم فالرجل وزوجته وأبنائه في فصل ويليهم في الفصل المجاور أخ الزوج أو قريبه وعائلته وهكذا كي يكونوا أكثر انسجاما وتوافقاً ومنعاً لحدوث المشاكل بالذات عند الدخول والخروج من الحمامات لأن هناك نساء والموضوع حساس.
طبيب أطفال
ويضيف: اخترنا من كل دور بالمدرسة رجل يطبخ في بوفيه المدرسة ويوزع للنازحين في الدور الذي يسكن فيه الطعام بتساو.
وعن احتياجاتهم يدعو عقبات أهل الخير والتجار والميسرين بسرعة التوجه للمدرسة والاطلاع على أحوال النازحين وناشد أطباء الأطفال بالنزول الميداني إلى المدرسة والكشف على الأطفال لانتشار بعض الأمراض لديهم وكذلك النساء فهناك أربع حوامل على وشك الولادة يفتقرن لأبسط المقومات والرعاية الصحية والغذائية كما أن لدينا حالة مصابة بالسرطان تحتاج العلاج والغذاء المناسب.
ويضيف بأن النازحين بحاجة إلى أسطوانات غاز لطبخ الطعام فما معهم لا يكفي إلا ليوم أو يومين كذلك يحتاجون إلى المواد الغذائية كالأرز والطحين وغيرها من المواد التي تحتاجها كل أسرة.
وأضاف: نجد صعوبة في توفير الحليب للرضع فما تبرع به أهل الخير نفد منذ أيام كذلك نعاني شحاً في الماء ونناشد المقتدرين أن يكفوا المدرسة هم توفير الماء.
نفترش البلاط
يقول أحد النازحين بمدرسة 30 نوفمبر: فررت مع أسرتي عقب التفجير بجبل نقم وخرجنا من منزلنا لا نحمل إلا الثياب التي علينا وعددنا كبير ولا يكفينا الطعام الذي يوزع لنا بالمدرسة ففي الغداء مثلا يوزع لكل أسرة طبق أرز وآخر طبيخ والكمية واحدة لجميع الأسر فأغلب الأيام لا آكل واترك الطعام لأطفالي وزوجتي وأنام جائعاً.
نازح آخر يقول مع أن المنظمين في المدرسة يحاولون قدر استطاعتهم مساعدتنا وتوفير الطعام لنا إلا أننا نعيش وضعاً مأساويا وحياة صعبة فبعض الأسر لا يوجد لديها ما تنام عليه والبطانيات والفرش لا يكفي لجميع الأسر.
إحدى النازحات صرخت بعصبية قائلة أين الحكومة والمسؤلون ليروا حالنا وما صرنا إليه بعد أن فقدنا كل شيء فبعد أن كنت أسكن في منزلي معززة مكرمة حشرت أنا وزوجي وسبعة أبناء وكذلك أختي وعائلتها المكونة من تسعة أفراد نعيش كلنا في فصل واحد ولا يكفينا الطعام ولا نفترش إلا البلاط أين المنظمات الإنسانية لينتشلونا مما نحن فيه.
*نشر في ملحق الأسرة صحيفة الثورة