فشل السعودية في تسويق حربها العدوانية .. قادة الحرب من آل سعود والمأزق الحقيقي
فشل السعودية في تسويق حربها العدوانية
قادة الحرب من آل سعود والمأزق الحقيقي
د. طراد حمادة
يعتبر قرار الحرب من أصعب القرارات التي تقدم عليها دولة أو جماعة، لأن الحرب مكروهة، واستثناء القاعدة، وعليه فإن الحروب تبحث عن مشروعية صعبة المنال، ولا يقرها العقل الفلسفي إلاّ في الجانب الدفاعي منها؛ وتعتبر الفلسفة الحرب من الأفعال المخالفة للفطرة الإنسانية في ترجيح السلام وتفضيل التعاون والتعارف على التباغض والعداوة.
وفي متابعة سابقة قلنا أن النظام الإقليمي العربي يتصف بمجافاة العقلانية، إلى درجة يبدو معها العقل السياسي العربي عقلاً مستقيلاً، وفي المقاربة وفق نظرة فلسفة الحضارة، ذهبنا أن العدوان السعودي على اليمن حرب بين البداوة والحضارة، وأن هذا العدوان يفتقد كل مشروعية له، عقلية أو نقلية، وعليه فإن قراره في العدوان بني على الباطل والعداوة، وخالف أحكام العقل والشرع والقانون الوضعي…
واجهت القيادة السعودية في قرار الحرب صعوبة واضحة في تسويق مشروعية عدوانها. وظهر هذا الفشل في المسائل التالية:
1) وضوح الجانب العدواني للحرب على اليمن حيث افتقدت لأدنى مسوغات الحرب الدفاعية المشروعة، بل تكشف جانب العدوان فيها أمام كل ذي عقل سليم حتى بات العدوان السافر عنوان هذه الحرب، لا يجد المدافعون عنها زوراً ما يقولونه إلاّ سرد أسباب واهية متهافتة تكشف عن إنتاج العقل المستقيل لظاهرة العدوان متمثلاً بأطماع البداوة المغروسة في أصحابها ضدّ الحضارة، والذهاب إلى الحرب من أجل المطامع والهيمنة والتسلط والجبروت والقتل واستباحة دم الأبرياء وإرادة الشعوب الحرة، ومعاداتها بشكل سافر لا لبس فيه.
2) من الناحية السياسية تمثلت هذه العدوانية في الحلف الذي تجمع من أجل العدوان، وكيف تضاربت أهداف المشاركين فيه، ثم انسحاب الآخرين ليبقى في الساحة، مجلس التعاون الخليجي بقيادة آل سعود، باستثناء سلطنة عمان، مشاركاً وحيداً في الحرب، وعليه لم يستطع هذا الحلف ذو المنهج الوهابي الصريح إقناع قوى أخرى تربطها به علاقات متينة من المشاركة الفعلية في الحرب على المستويين العربي والإسلامي، لا مصر شاركت ولا باكستان وتركيا وظهر تردد في الدول العربيّة الإسلامية مرده انكشاف عدوانية الحرب وفشل القيادة السعودية في التسويق لها على المستوى الإقليمي. وظهر مؤتمر القمة العربية صورة بائسة لنظام إقليمي في حالة أزمة…
العدوان السعودي على اليمن
العدوان السعودي على اليمن
على المستوى الدولي فشلت القيادة السعودية في حشد موقف دولي مساند للحرب، ورغم أن معادلة الغرب تساوي الحرب الصادقة في السياسات الدولية في منطقتنا، فإن مشاركة الغرب الأوروبي والأميركي في الحرب العدوانية على اليمن تراوحت في المكان نفسه للسياسات الغربية الأميركية والأوروبيّة في منطقتنا من ناحية تشجيع نشوب الحروب الأهلية وبين الدول وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري لها.
ما أريد إيضاحه في هذه المسألة هو التالي:
1- إن القيادة السعودية لم تستطع أن تحمل الغرب الأميركي والأوروبي على زيادة تدخله في الحروب عندنا من مستوى متحصل إلى مستوى آخر، يتقدم عليه أن هذه السياسات الدولية بقيت على حالها، في اليمن، كما سوريا والعراق وليبيا وفلسطين. ولم تقدم دعماً مختلفاً يكون نتاج حرب حلف إقليمي يستدعي دعماً إضافياً مختلفاً من حلف دولي.
2- ولذلك أسبابه المستفادة من وضوح جانب العدوان في هذه الحرب وعدم تعبيرها عن تقاطع استثنائي في العلاقات الدولية والإقليمية. خارج ما هو قائم في الأساس.
3- تعبِّر هذه الحرب العدوانية عن خصوصية في العلاقات داخل منظومة شبه الجزيرة العربية، وبين دولها. إن وجود دولة سيدة مستقلة في اليمن السعيد، يعني إفلات الإدارة المحكمة لآل سعود على دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك باعتبار القوة التي تمتلكها اليمن من الناحية الجيو- سياسية والبشرية والثقافية.
وعليه تكون هذه الحرب العدوانية لأجل مصالح فئة مستبدة تهيمن على منطقة شبه الجزيرة العربية، حرب لا هدف لها سوى تمكين مطامع آل سعود وفرض سيطرتهم ومصالحهم، وثقافتهم على المنطقة المحيطة بهم، لا مصلحة فيها لطرف عربي أو إسلامي آخر، ولا هي قادرة على جذب مصالح دولية استثنائية لدائرة مصالحها.
4- لا مصلحة للنظام الإقليمي العربي في هذه الحرب العدوانية ولا للنظام الإقليمي الإسلامي، وهي مضرة في علاقات هذين النظامين في دائرة العلاقات الدولية خلاف ما يذهب إليه بعض التابعين للسياسة السعودية في الساحة العربية. كيف يمكن لحرب تشنها السعودية مع ما تمثل على اليمن مع ما يمثل أن تكون لصالح النظام الإقليمي العربي أو النظام الإقليمي الإسلامي وإذا شاعت ظاهرة الحروب من مرحلة الحرب الأهلية إلى الحرب بين الدول، كيف للنظام الدولي أن يبقى في حيز السلامة، خارج ارتدادات هذه الحرب.
وعليه، فإن مجموعة كبرى من الأسئلة الإشكالية تجعل من تسويق مشروعية الحرب العدوانية أمراً مخالفاً لمصالح العرب والمسلمين وكذلك لاستقرار العلاقات الدولية، في منطقة شديدة الأهمية بالنسبة للسلام والأمن الدوليين، وتتجاوز دائرة الصراعات المسيطر عليها في حصر دائرة الحرب وعدم اتساعها إلى دوائر أخرى شديدة الخطر على تبادل المصالح والقيم في هذه المنطقة ذات الحساسية العالية في العلاقات بين دول العالم.
وحده العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس يجد مصلحة في هذه الحرب، يضاف إليه ترك العرب يتقاتلون في السياسة الاستراتيجية للغرب الأميركي والأوروبي، مع فارق في هذا المحل يقوم على شرط أن لا يطيح هذا التقاتل بمجموعة المصالح الدولية في هذه المنطقة من العالم.
5- إن الموقف الإقليمي العربي والإسلامي، وكذلك الموقف الدولي في الغرب الأميركي والأوروبي، لم يتحوّل إلى موقف يمكن له، أن يجعل من هذه الحرب العدوانية هدفاً لتحقيق مصالحه، ولذلك تراجع الموقف الإسلامي والعربي عن المشاركة الفعّالة فيها، واكتفى الموقف الأميركي والأوروبي في إدراجها ضمن إطار السياسات الدولية الجارية دون الانتقال إلى مرحلة متقدمة عليها، اكتفى بتقديم الغطاء السياسي والمساعدة اللوجستية والاستخبارية لتبقى الحرب في النطاق السائد لهذه السياسات.
وهذان الموقفان يضعان قادة الحرب من آل سعود في مأزق حقيقي، مفاده عدم القدرة على كسب هذه الحرب، بل رجحان كفة الخسارة فيها، لاعتبارات عديدة نفصّلها في حينه.
حرب عدوانية لصالح حكم آل سعود، فشلت القيادة السعودية في تسويق مشروعيتها وجلب الآخرين إلى ساحتها تلك واحدة من نتائج النظرة العقلانية للحرب العدوانية السعودية على اليمن، وللبحث صلة.