لا حوار ولا تفاهم في الخارج بقلم / د .عبدالعزيز المقالح
لا حوار ولا تفاهم في الخارج
بقلم / د .عبدالعزيز المقالح
لو أدرك أهلنا منذ وقت طويل، وقبل أن تقع الحرب الكارثة أنه ما من سبيل إلى بقاء اليمن يمناً وبقاء أهلها في مأمن يبعدهم عن جبروت القريب والبعيد إلاّ بالاعتماد على النفس وتجاوز الخلافات وتحديد أهداف مشتركة تلم الجميع، لو أدرك أهلنا ذلك منذ وقت طويل أو حتى قريب لما انتهى بنا الحال إلى ما نحن عليه ولما تأقلمت الأزمة وتعولمت، وأصبح الخارج بكل انتماءاته يرى في الأزمة أبعاداً طائفية مذهبية مفتوحة على استقطاب المنافسين والمتصارعين ودعاة الحروب وتجارها الكبار والصغار على حدٍ سواء، وما يجره كل ذلك من نزاعات وصراعات على حساب وطن أثخنته الجراح وبدأ يذوي ويتساقط تحت عجلات المتصارعين والمنافسين على الاستفادة من محنته والارتزاق من وراء تدمير مقوماته وتجريب ما تبقى من وشائج المواطنة والشعور بيمنية اليمن وتحطيم كل إمكاناتها في مقاومة الخضوع للهيمنة والارتهان.
ولعل أول ما ينبغي أن ننبه له نحن أبناء هذا الوطن الجريح أن كلمة الحوار التي كانت منذ أربع سنوات على كل فم وفي رأس كل قلم قد باتت مستهلكة ومملة وفاقدة لمعناها القاموسي، ولم تعد صالحة للاستخدام في حل الأزمة التي وصلت إلى حدها الأقصى وصارت كارثة، وأن علينا من الآن أن نستخدم كلمة “تفاهم” بدلاً عن “حوار” ليس لأن الكلمة الأولى قد صارت ممجوجة ومبتذلة فحسب؛ وإنما لأن الذين كانوا يتحدثون تحت لافتتها لم يكونوا يبحثون عن حلول وإنما عن طرق إلتفافية للهروب من مواجهة الواقع في صورته الحقيقية، ولهذا فقد ذهبت تلك المحاولات “الحوار”أدراج الرياح. وإذا ما عدنا إلى تكرار التجربة بالأسلوب والمنطلقات والتسمية نفسها فإننا سنعود إلى إنتاج المواقف والأزمات نفسها والوصول مجدداً إلى النفق نفسه. ومشكلتنا الأساسية ليست في تغيّب الوعي بالواقع وأبعاده الداخلية
والخارجية بقدر ما هي في غياب الإخلاص للوطن وعدم الاقتناع بأنه يتسع لجميع أبنائه ويفيض.
وإذا ما اقتنعنا بتغيير كلمة حوار إلى كلمة “تفاهم” انطلاقاً من أن الفهم هو جوهر المعرفة فإن علينا أن نؤمن بأن الحوار يجب أن يكون يمنياً/ يمنياً ، وعلى الأرض اليمنية ولا أرى كيف غابت عن الجميع حقيقة كان لابد من وضعها في الاعتبار وأعني بها الحوارات الفاشلة التي هدفت إلى إقامة الوحدة وتمت في أكثر من بلد عربي ، في مصر (الجامعة العربية)، وفي ليبيا (معمر القذافي)، وفي الكويت الذي كانت دولته قريبة من حكومتي الشطرين. ولم ينتج عن كل تلك الحوارات سوى مزيد من الاختلاف والحروب إلى أن اهتدى المتحاورون إلى أن حوارهم يجب أن يكون هنا في الداخل، في عدن وتعز وصنعاء. وأدروا اجتماعاتهم بأنفسهم بلا واسطة ولا إشراف عربي أو أممي، ونجح التفاهم وتحققت الوحدة. وكان على المكونات السياسية أن تسترجع هذه الحقيقة وتستعيد أمثولتها الوطنية. وأن لا يسلّم اليمنيون أعناقهم للوساطات، والأممية منها خاصة التي لم تفلح في أي مكان من العالم لأنها تعيش على المآسي والحروب وممثلوها الجهلاء بواقع الشعوب يحبون المظاهر الكاذبة والبدلات المالية الخيالية.
إنني من منطلق ما سبق لا أنهم أهلنا كلهم بفقدان غريزة التفكير لكني لا أتردد عن إلصاق هذه التهمة بأغلبية العاملين في الحقل السياسي، والدليل على أنهم فقدوا هذه الغريزة في مواقفهم وتكرار أخطائهم وخروجهم من نفق سياسي مظلم إلى نفق سياسي أشد ظلاماً، وإلا فما معنى إصرارهم على أن يكون الآخرون طرفاً في حل مشكلاتهم التي باتت بسبب ذلك التدخل شديدة التعقيد وكانت في غاية البساطة. ولو قد توقفوا وتساءلوا من هي الأمم المتحدة وما هو مجلس الأمن لأدركوا أن هذه الديكورات العالمية لم تسهم في حل مشكلة أي بلد وتجلى دورها البارز في مضاعفة المشكلات وفي اختلاف أجندات ومحاور من شأنها إطالة زمن الحوار وإقصاء التفاهم، ولابد أن يتذكر ساستنا الأفاضل القضايا المؤبدة كقضية فلسطين والقضايا المستحدثة في السودان والعراق وسوريا وليبيا وفي بلادنا أيضاً حيث استمر الحوار عامين كاملين برعاية أممية عاجزة أو متواطئة.
أين الكاتب الصحفي الكبير عبدالرحمن بجاش؟
سؤال يطرحه كثيرون بعدما اختفى العمود اليومي للصديق الصحفي الكبير عبدالرحمن بجاش وأعترف أنني كنت أبدأ قراءتي لصحيفة الثورة يومياً بعمود الأستاذ محمد المساح ثم بعمود عبدالرحمن وقبل أن يغيب الكاتب والصحفي الساخر واللامع الأستاذ أحمد غراب كنت كذلك أتابع عموده باهتمام هل ستتخلى الصحيفة الأم عن أبنائها وكتابتها الذين يشدون إليها الأنظار؟ سؤال لا أدري من يجيب عليه.
تأملات شعرية:
لم يعد عندنا
ما نخاف عليهِ
ولا نتقى فوْتَهُ
كل شيءٍ تدمّر
حاقت به العاصفاتْ.
ولكن شعباً عظيماً
حضارته عمّت الخافقين
سيخرج منها قوياً
فتياً
كما تشتهي المعجزاتْ.