خفايا الدور الإماراتي في الجنوب: عن “أبو يوسف” و”العمليات الخارجية”
يمانيون.. تقدم الإمارات العربية المتحدة نفسها للغرب كحليف عربي موثوق به في مكافحة الإرهاب، بل وكأهم الحلفاء الذين يمكن الإعتماد عليهم في المنطقة ودون أي تحفظات، وبصورة تتجاوز بمراحل الدور السعودي. وتستند أبو ظبي إلى تاريخ من “الخدمات” التي قدمتها للأمريكيين، ومنها استقبال عدد من معتقلي “القاعدة” في جوانتانامو في سجونها، والتواصل المباشر مع الأمريكيين، حتى في اليمن، من دون الحاجة إلى المرور بالسعودية.
كذلك، منحت الإمارات لنفسها دوراً خاصاً منذ اندلاع ما عرف حينها بثورات الربيع العربي عام 2011، مواجهة جماعة “الإخوان المسلمين”، والسعي للحيلولة دون سيطرة فروع الجماعة على الحكم في عدد من دول المنطقة، وقد لعبت دوراً فاضحاً في الأزمات المتفجرة حالياً في ليبيا والعراق وسوريا.
مع الإشارة إلى أن أبوظبي ذهبت أبعد من ذلك في تقديم أوراق العمل لدى الأمريكيين، إذ تجاوزت عقدة فلسطين، وقبلت بنشاط إسرائيلي سياسي و اقتصادي شبه رسمي على أراضيها. ويتكل أبناء زايد في جانب من هذا الأمر على دور خاص للقيادي الفلسطيني، محمد دحلان، لتسهيل مهمة التنسيق مع الإسرائيليين.
وصاية مباشرة
في المقابل، يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية معنية في تقديم العون المباشر للإمارات، إذ إنه في أبريل من العام الماضي، أرسلت الولايات المتحدة مجموعة من “قوات العمليات الخاصة” لمساعدة قوات النخبة الإماراتية العاملة على الأرض في جنوب اليمن. في ذلك الوقت، قال البيت الأبيض إنها كانت مهمة مؤقتة. كما أن الناطق باسم البنتاجون، الكابتن جيف ديفيس، قال في شهر مايو الماضي: “نحن نرى ذلك كشيء قصير المدى”، وأن الخبراء يتواجدون في جنوب اليمن للقيام بعمل المراقبة والاستطلاع الجوي والبحري.
ولكن بحلول يوليو أعلن البنتاجون بهدوء أن البعثة سيمدد لها إلى أجل غير مسمى. وبرر الناطقون الأمريكيون أن تدخل بلادهم إلى جانب القوات الإماراتية يأتي لمحاربة “القاعدة في جزيرة العرب”، بعد تنامي نفوذها في جنوب اليمن. وقد أقام كل من أعضاء الفريقيين الأمريكي والإماراتي علاقات قوية بشكل مسبق، إذ إنهما خدما معاً في أفغانستان، كما أن الدفعة الأكبر من قيادة الفريق الأمريكي جاءت من أفغانستان.
وفي جنوب اليمن، تمارس الإمارات “وصاية” مباشرة على هذه المحافظات. وقد أنشأت إدارة خاصة باليمن الجنوبي، على كل المستويات؛ العسكرية والاستخباراتية والمدنية، كما أنها عينت مبعوثاً خاصاً يتابع الأمور العسكرية والاستخباراتية، هو العميد علي الأحبابي.
جهاز العمليات الخارجية
على المستوى الإداري تقسم الإمارات أجهزتها العاملة في اليمن الجنوبي على قسمين، هما: المحافظات الغربية (عدن، لحج، أبين، الضالع)، والمحافظات الشرقية (حضرموت، شبوة، المهرة، سقطرى).
كما شكلت الإمارات جهازها الإستخباري، وأطلقت عليه صفة العمليات الخارجية، لأول مرة في تاريخ الدولة، ومن مهامه العمل الإستخباري في اليمن عموماً والجنوب خصوصاً. وتظهر بعض الأعمال أن مشغلي الجهاز يعملون بشكل بدائي، وإن كان الجهاز يحظى بالرعاية والإشراف الأمريكيين. وقد تعرض الجهاز للعديد من عمليات الإختراق في الجنوب، أدت إلى مقتل العديد من الضباط والمشغلين على يد “القاعدة”. غير أن البيئة الجنوبية المشتتة والضعيفة والإمكانات المالية الهائلة للجهاز توفر له قاعدة بيانات مهمة ومساحة عمل واسعة.
يقتصر التواجد الإماراتي المباشر على محافظتين: الأولى: عدن، حيث يوجد مقر القوات الإماراتية في البريقة ومركزان آخران.
الثانية: حضرموت، حيث تتواجد قيادة القوات الإماراتية في مطار الريان، وتتوخى العناصر الإماراتية الحذر الشديد في تنقلاتها وتعاطيها مع الناس، وتبني علاقتها من خلال الكادر المسؤول في هذه الجهات المحسوبة عليها.
وتشرف على بعض المحافظات الأخرى من خلال تعيين محافظيين تابعين لها، أو من خلال الأجهزة الأمنية التي تشرف على قيادتها.
وقد عملت القوات الإماراتية على استيعاب الوضع الأمني في عدن، من خلال إجراء تسويات مع المجموعات المسلحة، ومنها بعض أجنحة “القاعدة”، واستيعاب بعضهم في الجيش وقوات الأمن و”الحزام الأمني”.
تضخيم الدور الإنساني
أما على المستوى الإنساني، وعلى الرغم من التضخيم الإعلامي لدور “الهلال الأحمر الإماراتي”، إلا أن عمله اقتصر فعلياً على أعمال إغاثية وطبية، وطلاء بعض مدارس عدن، من دون جهد خاص على مستوى البنى التحتية، حيث تعيش عدن وبقية مدن الجنوب في ظل انقطاع شبه كامل للكهرباء، وكل ما فعلته أبو ظبي هو شراء نحو 40 مولد كهرباء، تبين أن معظها معطل.
أما الخطوة الثانية، فهي شراء الإمارات بعض المعدات الكهربائية للجنوب، ليتبين لاحقاً أن ثمن هذه المعدات دين على الدولة اليمنية.
النشاط العسكري
غير أن البارز في النشاط الإماراتي في الجنوب اليمني هو إنشاء قوتين عسكريتين متوازيتين ومنفصلتين على الصعيد القيادي. واحدة تخص المحافظات الشرقية (حضرموت، شبوة، المهرة وسقطرى) تحت مسمى “جيش النخبة الحضرمي”، ويشرف عليها ضابط استخبارات إماراتي من أصول حضرمية (يكنى “أبو يوسف”)، وهو يتخذ من مطار الريان القريب من مدينة المكلا مقراً له.
أما القوة الثانية فهي قوات “الحزام الأمني” في محافظات عدن، أبين، لحج والضالع، وكذلك تأتمر بأوامر ضابط استخبارات إماراتي، ومقره مديرية البريقة في عدن. وتعتبر قوات “الحزام” أقرب إلى القوى السلفية المرتبطة بأبو ظبي والمحسوبة على وزير الدولة، هاني بن بريك، المخالف لـ”الإصلاح”، مع الإشارة إلى أن هاتين القوتين الأمنيتين لا تتبعان القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي.
كما وتعمل الإمارات حالياً على إنشاء قوة ثالثة في محافظة شبوة، تحت اسم “نخبة شبوة”، وقد تم شحن بعض التجهيزات والمعدات لهذه الغاية، بالإضافة إلى تجنيدها خمسة آلاف جنوبي في معسكر عصب بإريتريا، وتفيد معلومات بأن الرقم مرشح لأن يكون عشرين ألفاً.
في حضرموت
وحسب موقع “العربي” تُحكم الإمارات قبضتها على محافظة حضرموت، ومن خلالها تتمدد إلى باقي المحافظات الشرقية (شبوة، المهرة، إضافة الى أرخبيل سقطرى).
وتبلغ مساحة هذه المحافظات أكثر من 55% من إجمالي مساحة اليمن، وتشتهر بمخزونها الهائل من النفط، بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي، ولاسيما جزيرة سقطرى.
ولا يبدو أن الإمارات على عجلة من أمرها، إذ إنها تسعى إلى تحقيق أهدافها على مراحل، فبعد إخراج “القاعدة” من المكلا والمدن الرئيسية إلى الجبال، عمدت إلى تعزيز القوى العسكرية الموالية لها من خلال “النخبة الحضرمية”، التشكيل العسكري المستقل الذي يقوده الضابط الحضرمي فرج سالمين البحسني. وهي الآن في طور تشكيل قوة “نخبة شبوة”، ليشرف على هاتين القوتين ضابط إماراتي من أصول حضرمية يدعى “أبو يوسف”، يتمركز في مطار الريان، ويتخذ المطار مقراً للقوات الإماراتية.
وقد انتهجت أبو ظبي سياسة القبضة الحديدية ضد كل من يعارض تواجدها أو يمثل تهديداً لسيطرتها في المحافظة، حيث اعتقلت عدداً كبيراً من أعضاء وكوادر “حزب الإصلاح” والقريبين من “القاعدة” في مطار الريان، كما أنها منعت الحراك الجنوبي بالقوة من إحياء فعالية “الإستقلال”.
وفي ظل الصراع القائم حالياً على النفط بين السلطات المحلية بقيادة المحافظ، هناك أحمد سعيد بن بريك، وحكومة هادي، تدعم الإمارات السلطة المحلية، في محاولة منها للسيطرة على قطاع النفط.