لماذا غابت حلب وحضرت صنعاء بقوة في خطاب العاهل السعودي في افتتاح مجلس الشورى؟ وما هي أسباب تجميد إدارة أوباما لصفقات صواريخ واسلحة حديثة للمملكة؟
عـبـدالـبـاري عــطــوان
في خطابه الذي القاه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح الدورة السابعة لمجلس الشورى ركز على ثلاث قضايا أساسية، يمكن القول انها تحدد أولويات مملكته في الوقت الراهن:
الأولى: الأوضاع الاقتصادية الداخلية وما تواجهه المملكة من أزمات في الوقت الراهن، انعكست على شكل فرض ضرائب، ورفع الدعم عن خدمات وسلع أساسية، وتعهد بأن تكون هذه “المتغيرات” و”إعادة هيكلة” الاقتصاد “المؤلمة” عابرة، ولمنع حدوث الأسوأ لو تم التأخير في اتخاذها.
الثانية: مسألة التطرف والغلو التي هدد بمواجهتها بقوة، وقال “لن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية، ومن يقف وراها ان يستغل أبناء شعبنا لتحقيق اهداف مشبوهة في بلادنا او في العالمين العربي والإسلامي”، في إشارة واضحة الى تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.
الثالثة: الحرب في اليمن، عندما قال “ان امن اليمن الجار من امن المملكة ولن نقبل باي تدخل في شؤونه الداخلية، او ما يؤثر على الشرعية فيه، او يجعله ممرا او مقرا لاي دول، او جهات، تستهدف امن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها” في إشارة واضحة الى ايران.
كان لافتا ان العاهل السعودي الذي ادلى خطابه هذا الصباح (الأربعاء) في مجلس الشورى، وجرى بثه على الهواء مباشرة، الذي من المفترض ان يحدد سياسات المملكة الداخلية والخارجية، لم يتطرق مباشرة الى الملف السوري، والى ما يجري في مدينة حلب من احداث، وخسارة المعارضة المسلحة المدعومة سعوديا للأحياء الشرقية منها على وجه الخصوص امام تقدم الجيش السوري وحلفائه، كما انه لم يتطرق أيضا الى القضية الفلسطينية، ولا الى العلاقات مع مصر، او حتى أسعار النفط واتفاقات “أوبك” الاخيرة حول تخفيض الإنتاج.
تأكيد العاهل السعودي على انه لن يسمح بتحول الجار اليمني الى ممر او مقر لاي دول او جهات تستهدف امن بلاده، يعني انه متمسك بالحرب، و”عاصفة الحزم” والاستمرار في مواجهة ما تقوله المملكة حول التدخل الإيراني في شؤون اليمن الداخلية، ومنع تحويله الى قاعدة عسكرية لمحاصرتها وتهديدها امنيا، وان كان أشار بشكل عابر الى ترحيبه بحل سلمي وفقا للقرارات الدولية.
من الواضح ان المملكة ستعطي أولوية في المرحلة المقبلة للملف اليمني الذي تخوض فيه حربا توشك على دخول شهرها الواحد والعشرين دون تحقيق أي من الأهداف التي انطلقت لتحقيقها، وسيتقدم هذا الملف عن ملفات اخرى كانت مهمة بالنسبة لها، مثل الملف السوري، ولكن العام المقبل سيكون حافلا بالمشاكل بالنسبة الى المملكة في اليمن في ظل الضغوط التي تتعرض لها من جراء استمرار قصفها الجوي الذي بدأ يثير حفيظة حلفائها في واشنطن وأوروبا.
يوم امس اصدر البيت الأبيض قرارا بتجميد نقل ذخائر دقيقة وصواريخ حديثة الى الحليف السعودي على خلفية غضبه من ارتفاع اعداد القتلى المدنيين من جراء الغارات الجوية، وقال مسؤول امريكي في تسريب لوكالة الصحافة الفرنسية “اوضحنا لهم ان التعاون الأمني الأمريكي ليس شيكا على بياض”، مضيفا “لدينا مخاوف حيال الحرب ونتيجة لذلك قررنا عدم المضي قدما في بعض صفقات الأسلحة والذخائر”.
المخاوف الامريكية هذه بلغت ذروتها بسبب غارة شنتها طائرات حربية سعودية على مجلس عزاء في صنعاء أدت الى مقتل 140 معزيا واصابة اكثر من 500 آخرين، وما اثار غضب الأمريكيين الغارة الثانية التي جاءت بعد الأولى في المكان نفسه مما أدى الى مقتل مسعفين مما يشكل انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، ويرتقي الى مستوى جرائم الحرب ضد الإنسانية.
خطاب العاهل السعودي جاء على درجة كبيرة من الأهمية في مضمونه وتوقيته أيضا، مختلفا عن كل الخطب السابقة التي اتسمت بالتهديد والوعيد لاعداء المملكة الخارجيين، والثقة بالوضعين الأمني والاقتصادي الداخليين.
غابت حلب.. وحضر اليمن بقوة.. تراجعت الحرب البعيدة وتقدمت القريبة.. مما يعني ان العام المقبل الجديد سيكون عام التركيز على ثلاثة ملفات رئيسية، اليمن والاقتصاد والامن، وهي الأكثر صعوبة وخطورة في الوقت نفسه.
السنة المقبلة ستكون صعبة على المملكة وقيادتها، والميزانية الجديدة التي ستعلن بعد عشرة أيام ستقول الكثير في هذا المضمار، خاصة العجز المتوقع فيها الذي قد يحوم حول الثمانين مليار دولار.