التواجد الأمريكي الدائمي في الشرق الاوسط .. أسباب و أهداف
يمانيون../
بعد الاستقلال الأمريكي عن بريطانيا في عام 1776 شهدت أمريكا تعاظما لدورها يوما بعد يوم في القارة الأمريكية وخارجها، وكانت بداية قيام امريكا بلعب دور اقليمي في عام 1823 حينما اعلن الرئيس الأمريكي جيمس مونرو ان بلاده تعارض اي تدخل تقوم به القوى الأوروبية في الدول الأمريكية المستقلة حديثا.
واستمرت هذه السياسة الأمريكية حتى بداية الحرب العالمية الأولى ولم تلعب امريكا دورا في خارج منطقتها لكن مع اندلاع تلك الحرب خرجت امريكا من سياستها الإنطوائية ودخلت الأزمات الدولية، وحسب نظرية الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في تلك الحقبة أي في السنين الأخيرة من الحرب العالمية الثانية فإن الشعب الأمريكي رسم لنفسه مهام بسط الديمقراطية في كل العالم!
وقد خرج من رحم هذه السياسة ايجاد المجتمع الدولي حسب مبادئ ويلسون الـ 14 وذلك في عام 1920 لكن بعد الفشل النسبي لمشروع المجتمع الدولي اتبعت أمريكا مرة أخرى سياسة الإنطوائية وقد استمرت هذه الحالة حتى السنوات الاولى للحرب العالمية الثانية والهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأمريكي في 7 ديسمبر 1941.
وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين شهدت امريكا نموا كبيرا في المجالين الصناعي والتجاري وان التقدم الاقتصادي والعسكري الامريكي في تلك السنوات وصل الى حد كبير جعل دخول الامريكيين الى الساحة الدولية أمرا ضروريا، ونتيجة لذلك اصبحت أمريكا قوة مهيمنة دولية في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية ورسم الأمريكيون لنفسهم مهمة الدفاع عن الديمقراطية وقيم الليبرالية لأنهم إعتبروا أنفسهم منقذين وفريدين من نوعهم!
ومع بدء الحرب الباردة بين معسكر الشرق بقيادة الإتحاد السوفيتي ومعسكر الغرب بقيادة أمريكا توفرت الفرصة لأمريكا أكثر من قبل للدخول في الساحة الدولية، وحسب نظرية ترومن وخطة مارشال ألزمت أمريكا نفسها بمنع نفوذ وانتشار الشيوعية في ما يسمى بالعالم الحر.
ولذلك أولى الرؤساء الأمريكيون اهتماما خاصا للنفوذ والتغلغل في مختلف مناطق العالم ومنها الشرق الأوسط وغرب آسيا كمبدأ أساسي من مبادئهم الخارجية في ظل التنافس مع الاتحاد السوفيتي والمواجهة مع الروس.
ومع مرور وقت قصير اصبحت هذه المنطقة فناء خلفيا لأمريكا حيث نجحت امريكا خلال العقود الماضية ليس فقط في مراقبة هذه المنطقة والإشراف عليها بل إستخدام القدرات الكامنة فيها لخدمة حفظ الهيمنة الأمريكية في النظام الدولي.
وخلال هذه السنوات كلها سعت امريكا الى خلق الأزمات في غرب آسيا والشرق الأوسط ضمن إطار الحروب والإرهاب ومفاوضات التسوية ومكافحة أسلحة الدمار الشامل وما شابه ذلك بغية الاحتفاظ بهيمنتها على هذه المنطقة.
ونظرا الى اعتقاد الامريكيين بأن وجود أزمات مستمرة سيؤدي الى تولد شعور الحاجة لحضور وتواجد الأمريكيين الذين يلعبون دور المنقذ للبشرية والديمقراطية، لعب الأمريكيون أدوارا مختلفة فتارة كانوا الوسطاء وتارة شنوا هجمات عسكرية كما أقدموا على ايجاد توازن بين اطراف النزاع وبيع السلاح وإنشاء القواعد العسكرية في دول غرب آسيا وكل ذلك من اجل ابقاء النزاعات والأزمات بصورة مستمرة.
وبعبارة أخرى يحتاج النظام الرأسمالي بقيادة أمريكا في البداية الى إشعال الأزمات الشاملة مثل الحروب وغيرها ومن ثم تقوم شركاته الإقتصادية والعسكرية باستغلال الازمات والفوضى الى احداث تغييرات وبسط النفوذ ومن ثم يتم قمع المعارضين لهذه التغييرات التي تديرها أمريكا لمصلحة النظام الرأسمالي عبر الصاق تهم الارهاب والرجعية اليهم.
وهكذا يمكن القول ان التواجد المستمر والدائمي في غرب آسيا كان من الأولويات الرئيسية لجميع الرؤساء الأمريكيين خلال العقود الماضية وقد رأينا كيف قاد جورج بوش الإبن الحروب المباشرة فيما قاد باراك اوباما الحروب بالوكالة حيث بقيت الاستراتيجية الرئيسية إستغلال الأزمات المستمرة في غرب آسيا من أجل الإحتفاظ بالهيمنة الأمريكية وما كان متغيرا هو فقط سبل خلق هذه الأزمات التي تفاوتت بين ايجاد حرب النفط ودعم الجماعات التكفيرية الارهابية مثل القاعدة وداعش وغيرها.