مسيرةُ المرسلين وأعلام الهداية .. بين الوسط الباغي والفئة المؤمنة القليلة / بقلم : محمد الصفي الشامي
يتطلَّبُ من الإنسان للوصول إلى حقل الإيمان، أن يعيشَ ويتلمَّسَ تلك الجوهرة والنور، وهو يسيرُ في طريقه إليها، ويستشعرُ أنه في الوضعية الصحيحة، والسُّلّم الذي يوصلُه إلى ما يُريد بلوغه، حتى وإن كلفه ذلك المرور عبورَ مخاطر قد تواجهه، إلا أن ما يتجاوزها حتى يكون بين يدي الله، ويحظى بنعيمه ورضوانه، ويحصل على المقام الرفيع، والسعادة الأبدية.
* * *
سيدنا نوح ‘ع‘ وسفينته .
عاش سيدنا نوح ‘ع‘ في زمن شاع فيه الفساد والانحراف، وشهد فيه القوي يأكل حقّ الضعيف، والثري يضطهد الفقير، يعبدون الأصنام والأوثان، فبدأ دعوته للناس، الأقوياء كانوا يحقدون عليه، ويكرهون حديثه؛ كونه كان يدعو إلى الأخوّة والمساواة، وأن يعيشَ الجميعُ أحراراً، أما الفقراء الضعفاء فقد كانوا خائفين من الأقوياء الأثرياء، وأن نوح النجار الفقير لن ينفعَهم في حال أتباعهم له، حتى أن قال “وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا”.
أجل حتى ابنه أقرب الناس إليه كفر بدعوته ولم يستجيب له: “ونادى نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين”.
لم يستحقوا الهداية لما كانوا عليه من كبر وغرور وحسد وعصبية وعلل نفسية وَوساوس شيطانية، بعد أن بلغ رسالته لهم بقوله “فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وَبنين وَيجعل لكم جنات وَيجعل لكم أنهاراً”، موضحاً أن الاستغفار والتقوى مفتاح الأرزاق، وكما قال الدكتور والكاتب المصري مصطفى محمود في كتاب الغد المشتعل “لو أن أحد أعضاء مؤتمرات السكان الأفاضل وقف وسط الجمهرة المحتشدة من كُلّ بلاد العالم ليقول بجدية شديدة، أن مفتاح الأرزاق وَالحل الفعلي لمشكلة الأقوات هو الاستغفار، لضحك كُلّ الحاضرين وَقهقهوا وَاتهموه في عقله وَظهرت مانشتات في الصفحات الأولى من كُلّ صحف العالم تحكى عن رجل بدائي يحل المشكلة السكانية بالاستغفار..!
وَلكنها حقيقة مطلقة وَصادقة يا سادة، وهي من ذلك العلم المكنون، ذلك العلم الذي لا يعلم عنه الأمريكان شيئا، العلم الإلهي اللَّدُنى، فرزاق هذا الكون هو خالقه وهو وحده الذي يضع موجبات هذا الرزق ..
* * *
خليلُ الله إبراهيم ‘ع‘ ..
نشأ في ظل حُكم ملكٍ ظالم يدعى النمرود، وقوم يعبدون الأصنام، ووالد يحترف صناعةَ ونحتَ تماثيل تلك الآلهة الخشبية والحجرية، لم يكن مستوعبا تلك الأوهام والظنون، وبدء بالبحث وإقناع الناس في ذات الوقت أن هناك إلهاً أعظم من تلك الآلهة التي لا تضر ولا تنفع ويقومون بعبادتها، واستطاع بحجته أن يظهر الحق، وبدأ جداله وصراعه معهم، وتخويفهم وتهديدهم له، ولم يقتصر ذلك معهم فقط، بل ومع والده أيضاً، فهُدد حتى وصل بهم الحال إلى قيامهم بوضعه في نارٍ كانوا قد أعدوها مسبقا، إلا أن رعايةَ الله كانت معه “يا نار كوني بردًا وسلامًا على إِبراهِيم”، وخرج سالما، وأصيب أولئك بالدهشة، وتحطم كيدهم ومكرهم، “وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين”.
جاء ذلك بعد أن دخل سيدنا إبراهيم ‘ع‘ إلى معبد تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخور والأخشاب، واقترب منهم وسألهم “ألا تأكلون؟”، وعاد يسأل “مالكم لا تنقطون؟”، “فراغ عليهم ضرباً باليمين”، ثم أتى القوم وتجمعوا وسألوه “أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟”، فأجابهم “بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون”، فمثل ذلك عامل رجوع بالنسبة لهم للتفكر والتدبر، بعد أن أدركوا من سؤاله لهم أنهم مسلوبو إدراك التمييز بين الجائز والمستحيل كتلك الأصنام الجماد التي لا إدراك لها أصلاً، إلا أن قلوبهم عادت إلى الخمول مجدداً، فكانت الأولى ‘رجعة إلى النفوس‘، والثانية ‘نكسة على الرؤوس‘، حسب التعبير القرآني.
* * *
من سيدنا إبراهيم إلى سيدنا الأكرم محمد صل الله عليه وعلى آله
يس والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين، على صراط مستقيم، تنزيل العزيز الرحيم، لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون، لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون.. وقارع سيدنا محمد ما قارعه من قوى البغي والظلم والاستكبار اليهودي والإعرابي حتى أنتصر وفتح مكة وتهاوت جبابرة قريش وانتشرت رسالة الرحمة لأصقاع الأرض بشعب الأوس والخزرج الفاتحين .
* * *
يعسوبُ المؤمنين وقائدُ الغُـر المحجلين
ابن عم النبي الأكرم ، زوج البتول الزهراء، وأبو السبطين، كتب عنه الكثير من الشعراء والأدباء والفلاسفة والمؤرخون وما استطاعوا إيفاءه حقه، ولن يفوه، وكيف لمؤسس علم اللغة أن تفيه اللغة حقه، فقد كان ذو عقلية عظيمة، وإنسانية فذة، وشخصية فارس مقدام، وبطل شجاع، لم تقتصر بطولاته على ميادين القتال فقط، بل وفي حكمته وبصيرته، وعمق إنسانيته، ورفضه للظلم ومقارعته للطغاة، ونصرته للمظلوم، وتجليه بروح العدالة، وإيمانه المطلق بحق الحياة الكريمة .
سلسلة تأريخية طويلة هي سيرته، تتجاوز حدود الزمان والمكان، من جهاد وتضحية، وثقافة ونبوغ أدبي، وتفرد في البلاغة والفصاحة، تتدفق من فكر صاف واستشعار عظيم بمعنى الوجود الحقيقي، سبق بها مفكري الغرب، وفلاسفة العصر، بحقب زمنية طويلة، في مختلف مجالات الحياة، ومعاني الكمال الإنساني، وكل ما يشغل هموم البشرية، لتروى منها شجرة الأفكار وتصل إلى أصولها .
* * *
من أبي عبد الله ‘الحسين ‘إلى ‘زيدٍ ‘حليف القرآن
ثورة حليف القرآن زيد ‘ع‘، كانت امتدادا لثورة جده أبا عبد الله ‘الحسين‘، في الجوهر والهدف والموقف والتوجه، وامتدادا كذلك لحركة الإسلام، كما تحدث السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، من نداءات ومواقف، وعطاءات وآثار إيجابية عظيمة، في نهجها القويم، وعزها ومجدها، وقيمها ومبادئها .
أطلَّ علينا السيد القائد ، وحدثنا عن امتداد الحق في حركة الإسلام، وصراعه مع الباطل، وانشغلت عقولُنا بغذاء الروح، لذا لن أُطيل الكلام هنا، وما عساي أن أقول، وأي شيءٍ يُقال بعد كُلّ ما قيل ؟
* * *
وفي زمن الظلم بل ما بعد الظلم في زمن الرياء بل ما بعد الرياء.. تواطئ كوني وحلف شيطاني طويل عريض في مواجهة فئة قليلة مؤمنة طائعة مستضعفة، أنصار الحق تقدمهم السيد القائد مع بضعة مجاهدين والقول هنا مباح ..
أكثر من عام ونصف وكل أسلحة العالم وكل الإمكانيات خرّت ساجدة عند أقدام الحفاة الشعث الغُبر ولا معاني أَوْ عبارات تطال ما حدث ويحدث وسيحدث .. حتى النصر والتمكين إذا وفقط إذا أتبعنا المرسلين .. وسيستبدلنا اللهُ بقومٍ إذا وفقط إذا أتبعنا الشياطين ،
والعاقبة للمتقين ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.