“حُكم الصبيان” يبدأ في “المملكة المحتضرة”
30 أبريل, 2015 – 4:01 مساءً الكاتب: محمود ريـا المصدر: العهد
قد ينظر البعض إلى ما جرى في قلب الأسرة السعودية من تغييرات كبرى خلال الساعات الماضية على أنه “تحصين” لهذه الأسرة و”تحديث” لها، ووضع لمسار انتقال قيادتها من الجيل الثاني الذي بات متهالكاً إلى الجيل الثالث الشاب، مع ما يحمله الشباب من تجديد وتطور.
إلا أن قراءة سريعة لواقع هذه التغييرات، ولما أدى إليها، يوضح أن ما حصل ليس أكثر من محاولة للملك الحالي سلمان بن عبد العزيز للسير قدماً بابنه محمد باتجاه ولاية العهد، ومن ثم خلافته بعد رحيله، كي لا يقع في الخطأ الذي وقع فيه سلفه الراحل عبد الله بن عبد العزيز، عندما فشل في تحضير الأجواء لابنه متعب كي يكون خلفه، وبالتالي باتت فرص متعب في الوصول إلى العرش السعودي كفرص أقل مواطن في أقصى أطراف المملكة.
هذه الوقائع تؤكدها مؤشرات عدة ظهرت خلال الفترة الماضية، والتي أوحت بأن الأضواء تتركز على محمد بن سلمان، فهو وزير الدفاع، وهو قائد حملة “عاصفة الحزم” وما تلاها وسيتلوها من حملات ضد اليمن، وهو رئيس الديوان الملكي، وهو رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، وهو عضو مجلس الشؤون السياسية والأمنية، والآن هو ولي ولي العهد.
ولعلّ أكثر الناس قلقاً الآن من التغييرات التي حصلت هو من يُفترض به أن يكون أكثرهم سعادة بها، أي ولي العهد الحالي محمد بن نايف، الذي كان في موقع ولي ولي العهد، وبات الآن ـ نظرياً ـ على عتبة الوصول إلى العرش في لحظة وفاة عمه الملك، المرتقبة بين ساعة وأخرى، نظراً لكونه شارف على الثمانين من العمر، وهو مصاب بالكثير من الأمراض، وربما أحدها هو مرض الزهايمر، “ويمكن أن يظهر في حيرة من أمره خلال جدوله الحافل باللقاءات – في كثير من الأحيان – مع كبار الشخصيات الزائرة”، كما وصفه سايمون هندرسون في مقال نشره قبل أسبوع على موقع “معهد واشنطن” الأميركي.
ويحق لابن نايف أن يقلق فعلاً، فمقرن كان يمتلك صك تثبيت في موقعه كولي للعهد أقوى بكثير من صك تعيينه هو في هذا الموقع، وإذا بمقرن خارج اللعبة بشكل كامل، في ليلة ليلاء، ومن خلال “تخريجة” مفادها أن الإطاحة به “جاءت بناء على طلبه”.
إلا أن هذا “الطلب” لم يقنع كثيرين من أبناء العائلة السعودية نفسها، وهذا ما عبّر عنه المغرّد الشهير “مجتهد”، الذي قال قبل يومين من عملية الإطاحة بولي العهد السابق وبالحرف: “يتعرض مقرن بن عبدالعزيز لضغط من قبل (أحد الأقوياء) لأجل أن يبادر بنفسه بإعلان التنحي بصيغة يجري الاتفاق عليها بدلاً من أن يتم إبعاده بأمر ملكي”.
ويبدو أن مقرن قد رضي بهذا القضاء بعد رحيل الملك عبد الله الذي كان يشكل قوة دعم له، ففي تدوينة أخرى قال “مجتهد”: “مقرن ليس عنده تحفظ، لكن متعب بن عبدالله يحذره من الموافقة، لأن متعب لا يزال يراهن بأن مقرن يستطيع إعادته بعد وفاة سلمان وإقصاء محمد بن نايف”.
هذا ما حصل مع مقرن، ابن عبد العزيز، والذي يملك تاريخاً كبيراً في الاستخبارات والسياسة السعودية، والذي حصل على تعهد لا يمكن زعزعته من “هيئة البيعة” في النظام السعودي، حيث أقسم أعضاء البيعة بخصوص تعيين مقرن على أنه: “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله بأي صورة كانت من أي شخص كائناً من كان أو تسبيب أو تأويل”، وإذ به يُحال إلى الاستيداع بشكل فج ووقح، فماذا سيكون مصير محمد بن نايف، عندما يقرر الملك الحالي جعل ابنه العشريني خليفة له بشكل مباشر، فيطيح بابن نايف ويحيله بدوره إلى الاستيداع؟
تشظي العائلة الحاكمة
وما يجب التوقف عنده هو أن ما حصل في السعودية الليلة يؤكد أن البلاد تتجه إلى “حكم الصبيان” وليس إلى التجدد في الحكم.
لقد وصف آية الله العظمى سماحة الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) في خطابه المفصلي الذي تناول فيه العدوان السعودي على اليمن من يتحكّمون بالسياسة السعودية اليوم بأنهم مجموعة من “الشباب عديمي الخبرة”. ويرى هندرسون، الذي اختار هذه العبارة كعنوان لمقاله في معهد واشنطن، أن “الإمام الخامنئي يعني محمد بن سلمان أكثر من غيره بهذا التعبير”.
لقد بات محمد بن سلمان الرجل الأقوى في النظام السعودي الآن وفي هذا مفارقة كبيرة، إذ أن هندرسون، في مقاله اللافت، يقول إنه “في معظم البلدان الأخرى، فإن القائد العسكري أو وزير الدفاع الذي لا يحقق نتيجة واضحة يصبح ضحية سياسية”. والباحث الأميركي يقصد بالطبع الفشل السعودي الواضح في العدوان على اليمن، والذي يقوده محمد بن سلمان شخصياً. وإذ يعتبر أنه “إذا لم يحدث ذلك في المملكة العربية السعودية، فقد يجد الملك سلمان نفسه تحت ضغط من قبل كبار الأمراء نحو إحداث تغيير أكثر جوهرية”، فإن هندرسون يجب أن يكون متفاجئاً اليوم وهو يرى التغييرات التي توقع حصولها تسير بعكس مسار التاريخ ـ كما كل شيء في المملكة الوهابية ـ فينال محمد بن سلمان موقعاً أعلى، ويضع قدمه على طريق العرش، بدل أن يُحال على التقاعد ـ كحد أدنى ـ أو يُحاكم بتهمة جرّ بلاده إلى الهزيمة، مثلما يحصل في دول العالم الطبيعية.
ويبقى السؤال، هل ستمر هذه الخطوة بسلام في قلب العائلة السعودية الممزقة والمستنفرة في داخلها، فيحقق محمد بن سلمان حلمه في إزاحة الجميع من طريقه، أم أن هذه الخطوة ستسبب تكتل الأمراء المتضررين لتفجير كل شيء، وبالتالي السير نحو تشظي العائلة الحاكمة وبدء مرحلة جديدة في تاريخ الجزيرة العربية؟