أكاذيب تكشفها حقائق والمبعوث الدولي “المستقيل” لليمن
نشر بتاريخ: 2015-04-30
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
العنوان لهذا المقال مقتبس من عنوان لبرنامج لإذاعة صوت العرب التي كانت تبث من القاهرة كنا نستمع اليه زمن الزعيم العملاق الرئيس جمال عبد الناصر. وكان عنوان الحلقة أو البرنامج هو “أكاذيب تكشفها حقائق” وكان معظم ما يتناوله هذا البرنامج الأكاذيب وعمليات التضليل الاعلامي التي تساق من قبل الكيان الصهيوني وغيره عبر وسائل الاعلام حول القضية الفلسطينية او فيما يختص ببعض الدول العربية، ويقوم مقدمي البرنامج بتفنيدها ودحضها مقدمين الحقائق. استقال المبعوث الدولي لليمن السيد جمال بن عمر من منصبه بعد ان عمل جاهدا ومخلصا ما يقارب من الثلاثة سنوات في اليمن محاولا تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين هنالك وتسهيل عملية الحوار الوطني للوصول الى حكومة وطنية جامعة لكل المكونات والاطياف السياسية العاملة وذات الثقل الوازن في المجتمع اليمني. ولقد أدت الجهود المضنية التي بذلها بالرغم من كل الصعاب وعمليات التدخل الإقليمية الى الوصول الى اتفاق السلم والشراكة بين المكونات اليمنية الذي أسس ولأول مرة في تأريخ اليمن تقاسم السلطة بين جميع الأطراف بمن فيهم الحوثيون. التصريحات الذي ادلى بها المبعوث الدولي قبل وبعد اجتماع مجلس الامن الأخير للاستماع الى التقرير المقدم من السيد بن عمر أتت لتزلزل آل سعود وتدحض الادعاءات والتبريرات التي سيقت من قبلهم ومن لف لفهم لشن العدوان الغاشم على اليمن المدعوم سياسيا وعسكريا من قبل الولايات المتحدة. وكان ان صرح الدبلوماسي المغربي أن الصراع الدائر في اليمن هو نتيجة مباشرة لمساعي وعمليات اقصاء الحوثيين من المسار السياسي. وبحسب تصريحات بن عمر الذي ادلى بها والتي تناقلتها وسائل الاعلام ومنها وول ستريت جورنال “أن الأطراف السياسية المتناحرة في اليمن كانت على وشك التوصل الى اتفاق شراكة حين بدأت الغارات السعودية قبل شهر” وعلى ان هذه الغارات قد أفسدت عليه ذلك الاتفاق. بالإضافة الى ذلك فقد ذكر بن عمر من “ان الحوثيين وافقوا، وفق الاتفاق الذي كان يتبلور، على سحب مقاتليهم من المدن التي سيطروا عليها في الأشهر الثمانية الأخيرة على أن تحل مكانهم قوى حكومية كانت الأمم المتحدة تعمل على تفاصيلها. في المقابل يكون الرئيس عبد ربه منصور جزءا من الهيئة التنفيذية التي ستقود المرحلة الانتقالية في البلاد”. الا “ان التدخل العسكري السعودي الي بدأ في 27 آذار/مارس جعل الحوثيين يتصلبون في موقفهم الرافض لأي دور لهادي كما تصلبت مواقف الأطراف المدعومة من السعودية والتي رفضت منح الحوثيين السلطة السياسية”. وكانت ان نقلت الصحيفة ذاتها وهي المعروفة بمواقفها المتطرفة والقريبة من الإدارة الامريكية من ان السعودية قد تدخلت لمنع اتفاق شراكة يضم الحوثيين ويعطي المرأة 30% من مقاعد الحكومة والبرلمان. هذا الكلام الصريح والواضح يدحض الادعاءات التي أوردتها السعودية بشأن الحوثيين على أنهم قاموا بالانقلاب على “الشرعية”، كما ويدحض تصريح المندوب الدائم لليمن في مجلس الامن السفير خال اليماني الذي اتهم المبعوث الدولي السيد بن عمر بكل وقاحة وخروج على الأعراف واللباقة الدبلوماسية من أن ما تحدث عنه بن عمر من اتفاقات ما هي الا ” مساومات كان يجريها في الغرف المغلقة مع الحوثيين..وكانت مرفوضة ومنبوذة من كل المشاركين في المفاوضات”. وعلى ان ما صرح به بن عمر ما هو الا شرعنة للانقلاب في اليمن. ولا عجب أن يأتي هذا التعليق من طاقم سياسي متكامل من رئيس وحكومة ووزراء يديرون شؤون البلاد من المكاتب المكيفة والفنادق المريحة التي وفرها لهم آل سعود في الرياض، في الوقت الذي يعاني منه الشعب اليمني النقص الحاد لكل مقومات الحياة البسيطة من ماء وكهرباء وغذاء هذا إذا ما أردنا ان لا نذكر بالغارات الوحشية التي تشنها طائرات “التحالف” والتي لم تنقطع لحظة واحدة والتي تدمر البشر والحجر. ومحاولة عملية اقصاء الحوثيين عن أي شراكة في العملية السياسية في اليمن تحت ذريعة وادعاءات واهية لا أساس لها من الصحة من انهم ادوات إيرانية وان مشاركتهم تعني استيلاء إيران على اليمن، وان السعودية يجب ان تقف امام ما تسميه “بالتمدد الإيراني” تارة “والتمدد الشيعي” تارة أخرى وتحاول ان تستنهض “حلفا سنيا” لمجابهة هذا الخطر، كل هذه الطروحات المذهبية المقيتة التي تحاول السعودية جاهدة من خلال وسائل اعلامها وابواق مرتزقتها يسعى آل سعود من خلالها الدفاع عن عروشهم التي بدأت تهتز من تحت أرجلهم. نفس المنطق يطبقونه على حزب الله في لبنان ألم يضع آل سعود فيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية؟ آل سعود يحملون مشروعهم المذهبي الذي يريدون تسويقه وفرضه في المنطقة وخارجها أيضا والا فماذا يعني التقرب من تركيا والباكستان ومحاولة جرهم الى المشاركة في الحرب والعدوان على اليمن؟ وها هو المبعوث الدولي يقولها بشكل وعبارات لا لبس فيها من انه وخلال عمله لسنوات ثلاث تقريبا في اليمن التي اتاحت له بالتأكيد على التعرف على الكثير من الحقائق والتفاصيل الغير متوفرة للعديد من المتابعين للشأن والموضوع اليمني يقول ” انه لم يلمس أي دليل على تورط إيران في شؤون اليمن”. نعم الحوثيين لهم علاقات مع إيران وهم لا ينكرون ذلك ولكن السؤال الذي يجب ان يطرح هل إيران أو القيادة السياسية أو العسكرية الإيرانية تحرك الحوثيين أو ان الحوثيين دمى بأيدي إيرانية أو ان قرارهم في طهران؟ الإجابة عن كل هذا بلا ولا ننسى ان الحوثيين كانوا على علاقات طيبة جدا مع السعودية التي امدتهم بالسلاح والعتاد لمحاربة الجيش المصري في زمن الرئيس جمال عبد الناصر في مطلع الستينات. يكفي ان الحوثيين لم يكونوا يتركون الاجتماعات بين الحين والأخر للاتصال بإيران على غرار ممثلي حزب الاصلاح اليمني مثلا الذين كانوا ينقلون ما يطرح من مقترحات للجانب السعودي وذلك لتلقي ماذا سيكون موقفهم من النقاط المطروحة قبل العودة الى قاعة الاجتماعات للإدلاء بموقفهم أو الانسحاب من الجلسة لأنهم تلقوا الأوامر من الطرف الاخر على الخط. الا يذكرنا هذا بمواقف “المعارضة السورية” في مؤتمر جنيف 2 والتليفونات وقصاصات الورق التي كانت تصل تباعا مكتوبة باللغة الإنكليزية من قبل السفير الأمريكي فورد الذي كان يدير حفنة “المعارضة السورية” من غرفة في الفندق المجاور لقاعة الاجتماعات؟ ألم يقل ويكرر السيد حسن نصرالله مرارا وتكرارا لقوى الرابع عشر من آذار وغيرهم أن الحل والقرار ليس في طهران ولكنه هنا في لبنان وأن كل من يراهن على غير هذا انما هو واهم ولا يعيش في واقع الأمور؟ من الواضح ان الضغوطات التي مورست من قبل السعودية وقطر على الأمين العام للأمم المتحدة هي التي أدت الى الطلب من السيد بن عمر تقديم استقالته من منصبه كمبعوث الأمم المتحدة لليمن بسبب مواقفه وخاصة الإنجاز الذي كاد ان يحققه للتوصل الى ” اتفاق السلم والشراكة” بشكله النهائي لأنه صرح انه تم الاتفاق على جميع النقاط وما تبقى هو الاتفاق على المجلس الرئاسي الذي كان في طور الإنجاز والتوقيع على الاتفاقية كما ذكرها ” انه كان على قاب قوسين او أدنى من ذلك”. السعودية لم ترد لهذه الاتفاق ان ينجح وعملت بكل الطرق على افشاله لوضع كافة العراقيل من إقامة دولة الى حد ما تتمتع بأبسط المبادئ الديمقراطية قائمة على التوافق الوطني للمكونات اليمنية على حدودها لان هذا سيهدد وجودها وبنيتها القبلية التي حكمت البلاد منذ مطلع الثلاثينات من القرن الماضي مما سيعجل بدفع آل سعود لاستحقاقات داخلية مؤجلة منذ سنوات طويلة. بغض النظر عما ستؤول عليه الأحوال في اليمن وما ستتمخض عنه المباحثات والمفاوضات لإيجاد مخرج وحلول سياسية في اليمن وهي بالتأكيد قادمة، فان هنالك شيء مؤكد وهو ان اليمن لن يعدو الحديقة الخلفية للسعودية وأن الشعب اليمني لن يعود تحت هيمنة وسيطرة آل سعود ولن تستطيع أي قوة مهما كبرت اخضاعهم وارجاعهم الى بيت الطاعة السعودي. ليس هذا فحسب بل ان ما فعلته السعودية بعدوانها البربري على اليمن سيطال العائلة المالكة التي بدأت تتفسخ وتتآمر على بعضها البعض ولن تبقى الأمور الداخلية للسعودية على ما هي. أما ماذا ستؤول اليه الأمور هنالك فهذا ما ستجيب عليه ليس السنوات القادمة بل ربما الأشهر القليلة القادمة وان غدا لناظره قريب.