Herelllllan
herelllllan2

استهداف الأعيان المدنية شاهد على الإحباط الأمريكي

عند النظر إلى خارطة الأهداف التي طالتها الغارات الأمريكية منذ منتصف مارس الماضي، تتبين بوضوح الطبيعة الوحشية للعدوان الأمريكي. إذ أن جميع الأهداف كانت مدنية ومرتبطة بحياة الناس، ومنطق الحرب إنما يوجه نحو التعامل مع الأهداف العسكرية، لتأثير ذلك على إضعاف العدو، إلا أن أمريكا كان ديدنها دائما في النزاعات المسلحة وضع بنك أهداف يتركز على الأعيان المدنية بشكل يجعل منها خصماً غير أخلاقي، وهكذا منذ نشأتها تعاملت أمريكا مع الحروب على هذا النحو بطريقة حيوان الغاب.

 

خارطة الأعيان المدنية

تُبين خارطة الأهداف الأمريكية إصرار واشنطن على تحقيق أكبر ضرر ممكن بالشعب اليمني بما يدفعه لتقديم التنازلات، وتتجاهل في ذلك أخلاقيات الحروب، بل والمبادئ والثوابت الدولية التي تُجرم مثل هذه التوجهات غير الإنسانية.

صحيح أن أمريكا بفعلها قد تنجح في تدمير الأعيان المدنية، لكنها تعزز من حضورها في الذهنية العالمية كجماعة مارقة عن القيم والعهود، بل ومارقة حتى عن الإنسانية، بما يجعل منها كائنا دخيلا على الحياة البشرية.

فمنذ بدأ الإنسان البدائي يطور من أساليبه في الحياة، وضع محددات لطبيعة العلاقات البينية، وحتى مع مظاهر الطبيعة، باعتبار ذلك ضرورة تفرضها الحاجة للتعايش على وجه الأرض، إلا أن أمريكا لا تعبر بسلوكها الإجرامي في العموم عن أي انتماء إلى هذا المجتمع الإنساني، فتراها متحللة من كل القيود، تحقد على كل ما هو غير أمريكي بما في ذلك المتوهمين صداقتها.

 

 تنفيس عن الشعور بالإحباط

في عدوانها خلال الأسابيع الماضية بعد أن تمردت على دول العالم وحتى على المؤسسات التشريعية الأمريكية، ذهبت إدارة البيت الأبيض إلى ممارسة العدوان على اليمن بلا سند قانوني، وبلا مبرر موضوعي. وفوق ذاك، حصرت أهدافها في البنية التحتية للمواطن اليمني، ويوم الخميس، بلغ الحقد ذروته باستهدافها ميناء رأس عيسى، فقتلت وجرحت ما يفوف مائتي شخص، دون أن يحرك ذلك شيئا في الضمير الدولي.

وتحاول أمريكا -بنهجها في حملتها هذه لتدمر الأعيان المدنية- التنفيس عن حالة الإحباط الذي تشعر به، مع القناعة بأن إعلان الهزيمة هي فقط مسألة كبرياء لا أكثر، فكل مظاهر الهزيمة تتجسد يوما بعد آخر مع تلقيها الردود الدفاعية الموجعة من قبل القوات المسلحة اليمنية، يتصدرها الرد الأول متمثلا في الثقة، والاقتدار على المواجهة وإلحاق الوجع بالعدو.

ودائما كانت أمريكا تفضح غيضها وفشلها وعجزها بتصعيد استهداف المدنيين والأعيان المدنية، وسلوكها في اليمن يقدم نموذجا واضحا لهذا الانفعال الناتج عن الشعور بالهزيمة.

 

جريمة حرب واستخفاف بالقانون الدولي

منذ حملة التحالف العدوانية التي أشرفت عليها وخططت لها أمريكا وقادتها السعودية لاستهداف المدنيين في اليمن، كانت غالبية الأهداف -إن لم تكن جميعها- أهدافا مدنية، دمرت على إثرها البنية التحتية الضعيفة أصلا وأغرقت الناس في تعقيدات الحياة، لم تسلم منها محطات المياه، أو مولدات الكهرباء أو شبكات الاتصالات، فضلا عن استهداف أراض زراعية ومنشآت غذائية وأخرى، ورافق ذلك استهدافات متكررة للتجمعات السكانية، فقتلت وتسببت في إصابات مستدامة لعشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء غالبيتهم نساء وأطفال ومُسنّون، وهذه مسألة شهد بها العالم بأسره، ودفع بالأمم المتحدة لوصف الوضع في اليمن أنه أسوأ أزمة إنسانية.

هذا السلوك هو ما اعتادت عليه أمريكا مع المجتمعات الرافضة لإملاءاتها وتدخلها في الشؤون الداخلية. وهو ما يتكرر اليوم حيث حددت أهدافها في التجمعات السكانية وشبكات الاتصالات وخزانات المياه، ومنشآت تعليمية واقتصادية،

مساء أمس الأحد، أقدم العدو الأمريكي على ارتكاب مجزرة بشعة في سوق وحي فروة بمديرية شعوب بالعاصمة صنعاء راح ضحيتها 42 شهيدًا وجريحًا. حيث استشهد 12 مواطنًا وأصيب 30 آخرين.

ويوم الخميس ميناء رأس عيسى النفطي الذي يستقبل شحنات نقط تزود أكثر من 65% من الاحتياج المحلي، ارتكبت القوات الأمريكية مجزرة غير مبررة ستُلحق العار بالجيش الأمريكي الذي يصوره العالم بأنه الأقوى. إذ استشهد أكثر من (80) شخصاً وجرح (171) آخرون.

يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الهجوم الأمريكي على ميناء “رأس عيسى” في الحديدة استخدام غير مشروع للقوة يستدعي تحقيقًا ومساءلة فورية.

وقال المرصد: “إن طبيعة الموقع المستهدف والخسائر البشرية الجسيمة الناتجة عن الهجوم تثير شبهات خطرة بوقوع جريمة حرب وفقًا لأحكام القانون الدولي”.

التعمد المتوحش والسافر في قتل العُمال بدم بارد أثبته قيام الطيران الأمريكي باستهداف من تبقى من الناجين في الميناء وطواقم الإنقاذ، ما يجعل من هذا العدوان جريمة حرب مكتملة الأركان وفق كل القوانين الدولية.

حاول العدو الأمريكي تطويع القانون الدولي لصالحه في هذا الهجوم مدعيا أن للميناء طبيعة مؤثرة في العمل العسكري ما يجعل من استهدافه أمرا مشروعا، إلا أن هذا المبرر مثّل بذاته استخفافا بالقانون الدولي والعارفين به، وحتى لو أن الميناء كما ادعى الأمريكي فإنه لا يحق له استهدافه، لأنه تَعَدٍّ على دولة ذات سيادة، والأمريكي هو في حالة عدوان سافر يهدف إلى حماية كيان مجرم.

تكشف الجريمة -كما باقي جرائم العدو الأمريكي- عن المستوى الذي بلغه الحقد الأمريكي تجاه اليمنيين، ولا تزال بصماته ماثلة في عدوان ثمان سنوات ضمن تحالف العدوان الأمريكي السعودي.

 

الموقف اليمني القانوني الذي أثار أمريكا

مع بدء الإجرام الإسرائيلي على غزة، وبروز نفس النهج الأمريكي في التدمير وخلق الفوضى، كان الهدف تحويل غزة إلى منطقة خالية من مقومات الحياة، فاستهدفت الصواريخ والقنابل الإسرائيلية -أمريكية الصنع- كل المنشآت ولم تستثن شيئا، ما يشير إلى واحدية المنشأ، وهو الفكر الصهيوني في التعامل مع العرب والمسلمين.

في هذا الوقت، تعرّت كل المنظمات المُدعية بكونها المراقِبة لأي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، وانزوت الأمم المتحدة في زاوية التصريحات الفارغة، فيما كان مجلس الأمن يصدر بيانات الإدانة خالية من أي تعبيرات يمكن أن تجرح مشاعر الكيان الإسرائيلي، أما العرب فقد كان مأمونا جانبهم، بعد أن أحكمت أمريكا قبضتها عليهم وما عاد بمقدورهم حتى إصدار البيانات الحاسمة.

في ظل هذا الامتهان والاستضعاف كان من الطبيعي ومن حق اليمن أن يرفض هذه الغطرسة الإمبريالية، وهذا الاستفراد بالشعب الفلسطيني المظلوم، وأن يترجم هذا الرفض بتحرك عسكري، سبقه تحذير صريح بأن الفلسطينيين لن يُتركوا وحدهم للعدو الإسرائيلي. هنا ظهرت أمريكا بتوحشها لتواصل عدوانها ضمن تحالف العدوان من جهة، وعملا بمخطط إخضاع المنطقة وشعوبها للكيان الصهيوني من جهة ثانية.

وإذا كانت أمريكا قد نجحت في منع المؤسسات الدولية من إيقاف الإجرام الصهيوني عبر “الفيتو” فإنها لن تتمكن من إيقاف الموقف اليمني المنطلق من تعاليم الفرآن الكريم، وكما قال السيد عبدالملك الحوثي إن “فيتو” أمريكا لا يمكن أن يعلو على القرآن الكريم.

 

جُرم العدوان وجُرم الدفاع عن الاحتلال

في كل الأحوال فإن الموقف اليمني المساند لغزة لا يبرر هذا السلوك الحيواني في استهداف الأبرياء، أو أن تصب جام غضبها على وسائل حياة الناس من خلال هجماتها على المنشآت بلا اعتبار لأي تقييم دولي يمكن ان يصنف ممارساتها كجرائم حرب.

حتى الهدف الذي يُحتمل، مجرد الاحتمال أن يكون له طبيعة مدنية، يُجرم القانون الدولي الإنساني استهدافه أثناء النزاعات. وفي العدوان الأمريكي فإن الجُرم مُركّب، ذلك لأنه عدوان خالص، وقائم للدفاع عن عدوان ينفذه الكيان الإسرائيلي في غزة.

ويؤكد خبراء ومراقبون بأن استهداف القوات الأمريكية للأعيان المدنية يأتي في سياق استهداف الجانب الاقتصادي بهدف إنهاك الشعب اليمني، ومنها تلك المرتبطة بالاقتصاد الوطني كمصنع السيراميك في مديرية بني مطر ومحلج القطن في مديرية زبيد، وهو توجه رأت فيه الإدارات الأمريكية منحى مضمون التأثير لجهة محاصرة اليمنيين بالأوضاع المعيشية السيئة.

إلى ذلك صدمت الإرادة اليمنية في وجه الكيان الأمريكي بصلابتها وقدرتها على احتواء التداعيات، والاستفادة من المعطيات، انطلاقا من الوعي بأهداف العدو، فتجربة الأزمة في الوقود التي تعمدت أمريكا كثيرا خلقها بقصد إرباك الشارع اليمني، لم يعد بالإمكان تكرارها بهذا الفعل الساذج المتمثل باستهداف ميناء رأس عيسى، إذ نجحت الحكومة في خزن احتياط كاف للحفاظ على حجم المعروض للاستهلاك. ولن يبقى من العمل الجبان إلا الخزي كوصمة ستبقى مؤكدة على الطبيعة الأمريكية.

 

شواهد ستبقى دالة على الوحشية الأمريكية

سيمثل تدمير أمريكا للبنية التحتية اليمنية منذ عام 2015، شواهد ستبقى دالة على الوحشية التي تعيش داخل قادة البيت الأبيض، كما أنه دالة على حقيقة الضعف الأمريكي الذي رآه اليمني على وضعيته الطبيعية، فكسر أنفه في البحر الأحمر وداخل الكيان الإسرائيلي، ودالة على الخشية الأمريكية المتنامية من تصدير التجربة اليمنية إلى دول أخرى، فحينها سيتبين للعالم هذه الهشاشة الأمريكية وسيبدأ العد التنازلي للحقبة الأمريكية، وهو ما تخشاه واشنطن والصهاينة عموما، وهم المحتمون خلف هيبتها المزعومة لتمرير مخططها في استهداف الأمة والتحكم بواقعها ومستقبلها.

  • نقلا عن موقع أنصار الله
You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com