لكنّ صنعاء لا بواكي لها!
يمانيون/ كتابات/ السيد شبل*
المشهد العسكري في اليمن، يكشف أن القيادة الأميركية لم تدّخر وُسعاً في استعراض قوتها، لكنها في الوقت ذاته لم تتمكن من إسقاط القدرات القتالية لليمنيين، بل دفعتهم إلى إبداع تكتيكات غير مسبوقة.
باستثناء بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المقاومة ومحورها، فإن الأخبار التي تناقش أبعاد وثمار الضربات الأميركية البريطانية على اليمن، تكاد تكون غير موجودة؛ فثمة عزوف عام عن الإشارة إلى الضريبة القاسية التي يُسددها اليمنيون من دمائهم بعد سقوط عشرات الشهداء والمصابين خلال الأسابيع الماضية، بسبب رفضهم الصمت على ما يجري من عدوان إسرائيلي على الأبرياء في قطاع غزة، وإصرارهم على المشاركة في القتال، حتى تتوقف حكومة الاحتلال عن حرب الإبادة التي تشنها منذ أكتوبر/ تشرين 2023 ضد الفلسطينيين.
رغم حالة الحصار الإعلامي، فإن الشارع العربي ينظر بتقدير وفخر إلى العمل العسكري الذي تقوم به حركة أنصار الله والقوات المسلحة اليمنية منذ اندلاع أحداث ما بعد “طوفان الأقصى”، ويتمحور إعجاب المواطن العربي بالمقاومة اليمينية حول أربعة أمور:
الأول، القدرة على إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة لتعبر مسافة أكثر من 2000 كم بطول البحر الأحمر، لتسقط داخل الأراضي المحتلة، مُسببةً العديد من الخسائر. واللافت أن الصواريخ اليمنية غالباً ما نتجت عنها خسائر بشرية وأضرار مادية للإسرائيليين، إن لم يكن بسبب القذيفة ذاتها، يكون بسبب الشظايا الناتجة عن اعتراضها أو بسبب الاندفاع إلى الملاجئ بعد سماع صفارات الإنذار؛ وفي أكثر من مرة نجحت الصواريخ اليمنية في إرغام حكومة الاحتلال على إيقاف حركة الطيران وإغلاق مطار بن غوريون بعد استهدافه.
الثاني، فرض حالة حصار بحري شبه كامل على التجارة الإسرائيلية، فمنذ نوفمبر 2023، جرى استهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل” في البحرين الأحمر والعربي، ما أثر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي. وقد نتج عن تلك الهجمات تقليل حركة الشحن بشكل كبير إلى ميناء إيلات (أم الرشراش المحتلة)، إذ انخفض النشاط بنسبة 85% بحلول مارس/آذار 2024، وفي صيف العام ذاته، أعلن الميناء إفلاسه رسمياً، وطلب دعماً من الحكومة، كما شهد بعض السفن الإسرائيلية زيادة بنسبة 250% في تكاليف التأمين، في حين لم تتمكن سفن أخرى من الحصول على تأمين.
الثالث، إصرار الساحة اليمنية على مواصلة القتال ضد العدو الإسرائيلي رغم المستجدات كافة التي طرأت على ساحات المقاومة الأخرى، وأعاقت استمرارها في توجيه ضرباتها نحو “إسرائيل”؛ كذلك يثير صمود صنعاء في مواجهة الضربات الأميركية إعجاب المواطنين العرب البسطاء، خاصة أولئك الذين لم تنجح وسائل الإعلام الغربية أو العربية الموجهة في تلويث أفكارهم.
الرابع، حكمة القيادة اليمنية، والتي تمثلت في وقف القتال والإفراج عن طاقم سفينة “غالاكسي ليدر” الإسرائيلية في يناير/ كانون الثاني الماضي، وذلك دعماً لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ ثم استئناف حظر عبور السفن الإسرائيلية، وإطلاق الصواريخ تجاه الأراضي المحتلة مرة أخرى، بمجرد انقلاب نتنياهو على الاتفاق، وعدم السماح للمساعدات بدخول القطاع مع بداية شهر آذار/ مارس الماضي، ثم اللجوء مرة أخرى إلى العمل العسكري الوحشي في 18 من الشهر ذاته.
لماذا تزداد أهمية اليمن اليوم؟
الحديث عن المقاومة اليمنية، هو حديث ذو شجون، يماثل الحديث عن مقاومة أبناء جنوب لبنان أو جنوب العراق، ذلك بسبب الثمار الخبيثة التي نتجت عن التحريض الطائفي، الذي ترعاه بعض الأنظمة التابعة للولايات المتحدة الأميركية، وتقوم على تنفيذه بعض الجماعات الدينية المتشددة؛ اللافت في الأمر أن تلك الساحات هي وحدها التي وقفت مع الشعب الفلسطيني، عندما شرعت حكومة الاحتلال في تنفيذ عدوانها الهمجي على قطاع غزة، وهي وحدها التي فقدت خيرة أبنائها وصفوة قادتها شهداء على طريق القدس.