مؤامرة تهجير غزة ..خطط سرية وتنفيذ علني
ينشر موقع يمانيون في هذا التقرير الاستقصائي -المستند إلى مصادر إعلامية عبرية- مخطط العدو الإسرائيلي لتهجير سكان غزة وإبعادهم عنها بطرق خشنة وعسكرية دموية، وهو المخطط الذي تشير الوقائع العسكرية الإسرائيلية الجارية اليوم في غزة إلى بدء العدو فعلياً في تنفيذه على الواقع، ومن المهم للمهتمين والمتابعين للشأن الفلسطيني الاطلاع عليه لفهم سياق وأهداف الجرائم الصهيونية المتزايدة بحق سكان القطاع، سيما بعد استئناف العدوان عليهم قبل 20 يوما.
نشرت مجلة “972+” الإسرائيلية تحقيقاً مفصلاً يكشف النقاب عن خطة مُمنهجة يعتزم العدو الإسرائيلي تنفيذها ضد سكان غزة، تهدف إلى تصفية الوجود البشري في القطاع عبر مرحلتين:
تهجير قسري فوري لمن يُمكن تهجيرهم، وحشر الباقين في معسكرات اعتقال جماعية تحت مسمى “مناطق إنسانية”، في سيناريو يدمج بين أساليب الحرب النازية ووحشية الاستعمار الاستيطاني. الخطة تُعتبر الأكثر تطرفاً منذ احتلال فلسطين عام 1948، وهي وفقاً لعقيدة الصهاينة تعكس تحولاً جذرياً في استراتيجية العدو، من سياسة الحصار والاحتواء إلى سياسة الإبادة البطيئة، وفقاً لتحليل الصحفي ميرون رابوبورت الذي تتبع تفاصيل المخطط عبر تصريحات المسؤولين ووثائق مسربة.
تبدأ الخطة – بحسب التحقيق – بموجة قصف مكثف تستهدف تدمير ما تبقى من بنية غزة التحتية، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 70% من المنازل دُمّرت بالفعل منذ أكتوبر 2023، بينما تحذّر منظمات دولية من أن 90% من السكان يُعانون انعدام الأمن الغذائي. هذا التدمير الممنهج و المقصود والمتعمد وفق خطة عسكرية دقيقة، يُراد به إجبار السكان على النزوح نحو “مناطق آمنة” مزعومة، تُدار كمعسكرات اعتقال وفق وثيقة مسربة لوزير حرب العدو “يسرائيل كاتس” كشفت عنها المجلة العبرية، وهو الوزير ذاتهُ الذي هدّد في بيان علني بأن “من يرفض الإخلاء سيدفع الثمن كاملاً”. الوثيقة، التي اطّلعت عليها المجلة، تُشير إلى أن هذه المناطق ستكون مُسيّجة بأسلحة آلية وطائرات مراقبة، مع فرض حظر تجول شامل، وإخضاع كل مَن يدخلها لتحقيقات أمنية تعسفية، بحجّة البحث عن “عناصر إرهابية”، وهي التسمية التي يُطلقها العدو على كل فلسطيني يُقاوم الاحتلال.
الخطة لا تقتصر على التهجير، بل تُكمّلها آلية “التطهير الديموغرافي” عبر تجريم البقاء خارج المعسكرات، وهو ما كشفه الصحفي الإسرائيلي المتصهين “ينون ماغال” في منشور له قبل أسبوعين، حيث أكد أن “الجيش لن يتردد في إبادة كل مَن يرفض الإخلاء”، مُستخدماً تعبيرات عنصرية مثل “السكان المارقين”. هذه التصريحات لا تعكس رأي المتطرفين فحسب، بل تتواءم مع تصريحات رسمية لمن يسمى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صرّح في يناير 2024 بأن “غزة يجب أن تُفرّغ من سكانها لتصبح أرضاً مُحرّرة للتوسع الاستيطاني”، في إشارة صريحة لخطة الضم التي طالما روّج لها من يسمى وزير المالية المتطرف “بتسلئيل سموتريتش”.
المُفارقة التي يكشفها التحقيق تكمن في أن العدو الإسرائيلي، الذي روّج لسنوات لـ”المغادرة الطوعية” كحل لأزمة غزة، أدرك أخيراً أن هذا السيناريو غير واقعي، فاتجه إلى خلق جحيم مُصطنع يجبر السكان ويسوقهم إلى الهرب بأنفسهم. فوفقاً لشهادات سكان غزة التي جمعتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن قوات العدو الإسرائيلية قصفت مخيمات النزوح المُعلنة ذاتها في رفح وخان يونس، في تكتيك واضح لتحويل كل مكان إلى فخ مميت. هذه الجرائم المستفحلة دفعت مُقرّر الأمم المتحدة الخاص بشؤون فلسطين، فرانسيسكو غاي، إلى توصيف الوضع بأنه “أكبر عملية تطهير عرقي مُمنهجة تشهدها المنطقة منذ النكبة”.
والذي قد يكون الأخطر، يتمثل في تحويل غزة إلى “سجن مفتوح” كبير، حيث يُحشر الناجون من القصف في معسكرات اعتقال تُدار بواسطة منظومة رقابة ذكية، مع منعهم من العودة إلى مناطقهم الأصلية، وهو ما تؤكده وثائق “اليوم التالي” التي نشرتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية في فبراير 2024. الوثائق تُفصّل أكثر في عملية إنشاء مناطق عازلة بعرض 2 كم داخل غزة، ستُزرع بالألغام وتخضع لمراقبة جوية دائمة، بحيث تُحَوّل القطاع إلى كانتونات مُفككة لا تربطها سوى شبكة أنفاق مراقبة. ويعد سيناريو هذا التقسيم إعادة إنتاج نموذج “البانتستانات” الذي استخدمه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، كما يشير الباحث الفلسطيني عمر الغربلي في تحليله لخطة التهجير.
معوقات الخطة من وجهة نظر الصهاينة:
رغم الوحشية الواضحة للخطة، إلا أن العدو الإسرائيلي يُواجه معضلات جوهرية، الأولى تتمثل في رفض الدول العربية استقبال أي لاجئين جدد، حيث أعلنت مصر والأردن رسمياً أن أي نزوح جماعي سيعني “نهاية القضية الفلسطينية”.
المعضلة الثانية هي تصاعد المقاومة الداخلية في غزة، فبحسب شهود عيان، فإن كتائب القسام أعادت تنظيم نفسها في المناطق التي انسحب منها جيش العدو، واستدلت المجلة بقيام القسام مؤخراً بعملية إطلاق صواريخ باتجاه مستوطنات “غلاف غزة”، في تأكيد على أن القدرة القتالية للمقاومة لم تُكسر رغم حجم الدمار.
أما المعضلة الثالثة، فهي انهيار الشرعية الدولية للكيان الإسرائيلي، حيث صوّتت 153 دولة في الأمم المتحدة لصالح وقف إطلاق النار، بينما تواجه “إسرائيل” دعاوى قضائية في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
في الخلفية التاريخية، تُعتبر هذه الخطة استكمالاً لمشروع “الترانسفير” الصهيوني الذي بدأ مع تأسيس الكيان، ففي أرشيفات العصابات الصهيونية مثل “الهاغاناه”، وُجدت وثائق تعود لعام 1940 تُخطط لتهجير الفلسطينيين إلى دول عربية.
الفارق اليوم هو أن العدو، بدلاً من الاعتماد على الميليشيات، يستخدم آلة عسكرية متطورة وغطاءً دبلوماسياً أمريكياً. لكن التجارب التاريخية تُشير إلى أن محاولات التهجير تفشل دائماً في النهاية، فالشعب الفلسطيني، الذي خرج عام 1948 من قرى مثل اللد والرملة، عاد ليُقيم فوق أنقاضها مخيمات مثل جباليا والشاطئ، فالأرض تبقى لأهلها وتلفظ المحتل.
اليوم، يُعيد سكان غزة كتابة نفس الملحمة وبثبات أعظم تحت القصف وفي ظل أكبر جريمة إبادة في العصر الحديث، يرفضون النزوح، ويزرعون فوق أنقاض منازلهم وقراهم أن فلسطين أرض الفلسطينيين وفيها أولى قبلة للمسلمين، وإن خذلوها اليوم.
———
المصدر: موقع أنصار الله