(مَا رَمَيْتَ إذ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ)
أحمد المساوى
اليمن، بقيادته، نفسُ الرحمن… ولنا دروسٌ وعبرٌ في غزوات الرسول الأعظم ﷺ.
من بدر إلى البحر الأحمر.. غرورٌ يكابر.. وجنونٌ ينتحر!
كان المشهدُ سرياليًّا: جيشٌ مترفٌ متخمٌ بالكبرياء، يسيرُ مزهوًا كالطاووس! تسبقه القوافلُ المحمّلةُ بالخمور! وأصوات الطبول تُعلن انتصارا مسبقًا! وقادةٌ يتبادلون النكات عن سهولة سحق أُولئك الرعاع! المعركةُ كانت، بالنسبة لهم، حفلةً تنتهي بذبح محمد ﷺ وأصحابه، وتقسيم الغنائم في سهرةٍ صاخبةٍ بمكة.
لكن القدرَ لم يكنْ ضمنَ المدعوين لتلك السهرة، ولا السماءُ في قائمةِ الانتظار.
وما هي إلا لحظاتٌ حتى تدحرجت رؤوسُ جبابرة قريش في التراب! وسقطت راياتُهم كما تسقطُ أوراق الشجر اليابس تحت أقدامِ العاصفة!
في بدر، لم يكن المشهدُ مُجَـرّد معركة، بل كان محكمةً إلهية! تلا فيها التاريخُ حكمَه بالإعدام على كُـلّ طاغيةٍ يظنُّ أن العددَ والعدةَ صنمٌ يُعبد!
جاء أبو جهل بكاملِ عنجهيته! ظانًّا أن الأرض سترتجفُ خوفًا من وقعِ قدميه! لكنه انتهى ممددًا في الرمال، يلفظُ أنفاسَه الأخيرةَ كجرذٍ مذعور!
جلبت قريشُ جبابرتها ليكونوا قرابينَ على مذبحِ الحق! فكانت النتيجةُ أن انهارَ غرورُهم كما ينهارُ قصرٌ كرتوني تحت المطر!
لم تنفعهم ذهبُهم! ولم تحمِهم سيوفُهم! ولم تشفع لهم صلاتُهم الوثنيةُ بأصنام لا تملكُ من أمرها شيئًا!
“بدر” كانت بروفةً مصغّرةً لمصيرِ كُـلّ طاغية، ولكل جيشٍ غبيٍّ يظنُّ أن النصرَ يُشترى بالدنانير ويُستوردُ من أسواق السلاح!
واليوم؟ نفسُ الحماقةِ تتكرّر! في واشنطن، يجلسُ “أبو جهل العصري” في البنتاغون! يخططُ كيف يسحقُ “الرعاع”! ويجلسُ “أبو لهب الجديد” في تل أبيب! يحلمُ بأن يُعيدَ عجلةَ التاريخِ إلى الوراء!
ذاتُ الغرور! ذاتُ الأوهام! وذاتُ المصير!
لكنهم نسوا أن في صنعاء قيادة قرآنية لا تخاف في الله لومت لائم، ورجالًا لم يتلوثوا بالذل! ولم يتدربوا على الانحناء! ولم يضعوا كرامتهم في بورصةِ الدولار!
نسوا أن بدرَ لم تكنْ مُجَـرّد معركة، بل كانت قانونًا إلهيًّا يضعُ الأسيادَ الحقيقيينَ في مواجهةِ عبيدِ المالِ والسلاح! ونسوا أن السماءَ لا تنسى!
ونحن واثقون بالله وبنصره، وبقيادة السيد عبدالملك يحفظه الله، فلا تلتفتوا إلى أقوال مرضى النفوسِ ليشكّكوكم في المصيرِ المحتومِ لليهودِ وصهاينةِ العصر. فالذي قال لمحمد ﷺ في غزوة بدر (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) هو من يقول لنا دائمًا أن النصر على الطغاة ليس بكثرة العدة والعتاد، وإنما بالثقة بالله، والتوكل عليه، وإعداد ما نستطيع من قوة، والباقي عليه والنصر من عنده. فهو القائل: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) والقائل: (وَإِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ) والقائل: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ).
(وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).