Herelllllan
herelllllan2

قراءة في ظاهرة الارتداد عن الدين في السعوديّة

تُعتبر أسبابُ الارتداد عن الدين لدى الشباب في السعوديّة موضعًا فكريًّا عميقًا، فمن أبرز هذه الأسباب التغيرات الاجتماعية السريعة والانفتاح على الثقافة الغربية الذي شهدته المملكة خلال العقد الأخير، مما أثر بشكل ملحوظ على الشباب الذين قد يفتقرون إلى تحصين معرفي وإيماني قوي، ما يثير لديهم مشاعر القلق وعدم اليقين.

ويتجلى أحد أهم الأسباب خلف ظاهرة الارتداد في مسألة اليقين، كما أكّـد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، حَيثُ اعتبر أن اليقين هو “حالة الاطمئنان التام والثقة بما تؤمن به، مما يجعلك تنطلق واثقًا، بلا تردّد أَو قلق”.

لا يمكننا إغفال الصدمة الفكرية التي تعرض لها الشباب من كبار علماء المملكة؛ إذ إن الخطاب الديني لعقود طويلة كان يركز على موضوعات محدّدة تعتبرها المؤسّسة الدينية من الثوابت، مثل الحجاب وتحريم الغناء.

ومع مرور الزمن، أصبحت بعض هذه المحرمات مباحة، بل إن بعض العلماء الذين كانوا يعتبرونها محرمات باتوا يروجون لها، مما خلق حالة من الارتباك والقلق في نفوس الشباب تجاه ما نشأوا عليه.

جانب آخر مهم هو الثقافة، حَيثُ تربى العديد من السعوديّين في بيئات تعليمية تقليدية تفتقر أحيانًا إلى الحوار المفتوح مما يساهم في نمو مشاعر الاغتراب والشك تجاه التعاليم التي تلقوها. إلى جانب ذلك، تلعب العوامل النفسية وتجارب الحياة دورًا كَبيرًا، ففي لحظات خيبات الأمل أَو الأزمات الوجودية، قد يسعى الأفراد لاكتشاف هوية جديدة أَو البحث عن إجابات خارج إطار الدين. لذا، يجب أن يتجه المجتمع نحو تعزيز اليقين الديني من خلال تعميق وترسيخ الهُوية الدينية مع الابتعاد عن الإقصاء أَو الهجوم الشخصي، أَو العداء تجاه طوائف أُخرى. فالبحث عن تبرير الانفصال عن الدين، مقابل الانفتاح على ثقافة الإلحاد، بدأ ينتشر بشكل ملحوظ.

إن معالجة ظاهرة الارتداد عن الدين في السعوديّة تتطلب نهجًا قائمًا على المعرفة والتفاهم والاحترام المتبادل. يجب توفير مساحة للشباب للحوار الصادق المبني على التفهم والرغبة الحقيقية في الإصلاح؛ بعيدًا عن التهميش أَو التخوين. فالأمم تتطور وتزدهر عندما توازن بين الحفاظ على تقاليدها وفتح المجال للتجديد والانفتاح، مما يسهم في بناء جيل يستقي من الدين حقائقه ولإيمان يقينه، بعيدًا عن التقليد الأعمى للآخرين.

يمثل الارتداد عن الدين في السعوديّة ظاهرة معقدة تستوجب النظر إليها عبر منظور شامل يأخذ في عين الاعتبار جميع الأسباب والتداعيات المحتملة. لمواجهة هذه الظاهرة، من الضروري تبني استراتيجيات متعددة تشمل تعزيز اليقين من خلال بناء جسور التواصل بين مختلف أطياف المجتمع، فضلًا عن تحديث المناهج التعليمية لتعزيز التفكير والتأمل في آيات الله وتقوية الارتباط بالدين لتعزيز الانتماء الوجودي للهُوية الدينية.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com