يا سيد العزاء.. قلوبنا تحترق، وعزائمُنا تتوقد!
غيداء شمسان
بالأمسِ، يا سيدي يا حسن نصر الله، كان العزاءُ يعصفُ بكل قلب، ويُدمي كُـلّ مقلة، ويُثقلُ كاهلَ كُـلّ مُحب، بالأمس خيّمَ الحزنُ على ربوعِ أمتنا، واكتستِ الدنيا رداءَ الأسى، وارتفعت أصوات النحيبِ والوداع، مُعلنةً عن رحيلِ قامةٍ شامخة، وقائدٍ مُلهم، وبطلٍ أُسطوري، سكنَ القلوبَ، وأشعلَ العزائم، وأضاءَ الدروب.
بالأمس، فقدنا فارسًا من فرسانِ الحق، وشيخًا من شيوخِ المقاومة، وأمينًا من أمناءِ الأُمَّــة، نذرَ نفسهُ للدفاعِ عن المستضعفين، ونصرةِ المظلومين، وتحريرِ الأرض المحتلّة، فقدنا صوتًا كان يصدحُ بالحق، ويهزُّ عروشَ الظالمين، ويثيرُ فينا روحَ العزةِ والإباء، فقدنا قلبًا كان ينبضُ بحبِ فلسطين، ويدقُّ؛ مِن أجلِ القدس، ويهفو إلى الوحدةِ والتحرير.
بالأمس، ودّعنا جسدًا طاهرًا، سجدَ للهِ كَثيراً، وجاهدَ في سبيلهِ طويلًا، وقاومَ أعداءهُ ببسالةٍ وشجاعة، حتى نالَ الشهادةَ التي طالما تمناها، ودّعنا رمزًا للكرامةِ والصمود، ومثالًا للتضحيةِ والفداء، وقُدوة للأجيال القادمة.
ولكن، يا سيدي، وإن كان العزاءُ يعذبُ قلوبَنا، فإنه أَيْـضاً يُوقظُ فينا العزائم، ويُجددُ فينا الإصرار، ويُعلي فينا صوتَ الجهاد، ففي كُـلّ دمعةٍ نسكبها عليك، يَنبتُ ألف مُجاهد، وفي كُـلّ آهةٍ نطلقها لفقدك، تشتعلُ ألف شعلةٍ من المقاومة.
نعم يا سيدي، لقد رحلتَ عنا بجسدك، ولكنَّ روحَكَ باقيةٌ فينا، وعزيمتَكَ ستبقى تُلهِمُنا، وكلماتُكَ ستبقى تُرشِدُنا، لقد رحلتَ عنا، ولكنَّ إرثَكَ سيبقى خالدًا، يُضيءُ للأجيال القادمةِ طريقَ العزةِ والكرامةِ والانتصار، لقد تركتَ لنا ميراثًا عظيمًا من القيم والمبادئ، ومن البطولة والفداء، ومن العطاء والإخلاص، ومن الصمود والثبات.
لذا، يا سيدي، في هذا اليومِ الحزين، وفي هذا المشهدِ المُفجع، لا يسعُنا إلا أن ننحني إجلالا وإكبارًا لِروحِكَ الطاهرة، ونُجددُ العهدَ والقسمَ بأنَّنا سنبقى على دربِكَ سائرين، ولِوصاياكَ مُلتزمين، ولِقضيتِنا مُخلصين، سنبقى نُقاومُ الظلمَ والاستبداد، وسنبقى نُدافعُ عن الحقِّ والعدل، وسنبقى نُعلي رايةَ المقاومةِ خفاقةً في سماءِ الوطن، حتى يتحقّق النصرُ، وتتحرّر الأرض، وتعودَ الكرامةُ.
فنمْ قريرَ العين، يا سيدَ الشهداء، ويا حبيبَ القلوب، فقد تركتَ خلفكَ رجالًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأبناء أوفياء لِقضيتكَ، ومُحبينَ لن ينسوكَ أبدًا، نمْ مطمئنًا، فقد غرستَ فينا بذورَ العزةِ والكرامةِ، وسقيتَنا بماءِ الإباءِ والصمود، وعلمتنا كيف نُقاومُ وننتصر، وكيف نعيشُ ونموتُ؛ مِن أجلِ الحق.
وإلى روحِكَ الطاهرةِ، نُهدي هذا الدعاء: اللهم ارحمهُ رحمةً واسعة، وأسكنهُ فسيح جناتك، وألهمنا الصبرَ والسلوان، وثبتنا على طريق الحق، واجعلنا من جندهِ وأنصارهِ، واجمعنا بهِ في مستقر رحمتك.
ولتبقَ ذكراكَ خالدةً في قلوبنا، ولتبقى سيرتكَ نبراسًا يُضيءُ لنا دروبَ المستقبل، ولتبقى كلماتُكَ نبضًا يُحيي فينا روحَ المقاومةِ، وعزيمةَ الانتصار.
وختامًا نقول: يا سيد العزاء، ويا نورَ الهدى، لقد فقدناك جسدًا، ولكنك باقٍ فينا روحًا، وسيبقى عهدنا لك أن نواصلَ المسير، وأن نثأر لدماء الشهداء، وأن نحقّق النصر المؤزر، فإلى جنات الخلد أيها القائد العظيم، وإنا على دربك لسائرون!