في مقام سيد المقاومة وشهيد الإسلام
الرئيس مهدي المشاط
منذ بداياته المبكرة وحتى آخر العهد به، كان سماحة السّيد حسن، رضوان الله عليه، نسْجًا في عصره فريدًا، ودليلًا واقعًا على صوابيّة النهج الحسينيّ، في الحياة العزيزة على الحقّ، وفي الشهادة مسك الختام، وذروة سنام الشّرف.
لقد كان في كُـلّ الأوقات لكل الأحرار أبًا، ولكلّ الأخيار من زمننا قائدًا وأخًا، ولكلّ الناس مُحبًا عطوفًا كريمًا متواضعًا، وفي سبيل الله عاش، وفي سبيل الله انطلق مجاهدًا حتى نالها شهادةً على منوال جدّه الحسين، عليه السلام، وعلى طريق القدس ويا لها من مسيرة
لقد جسّدت حياة سماحة الأمين العام السيد حسن نصرالله سبل الاستقامة والجهاد وإغاظة الكفار والانتصار والفخر وخدمة الإسلام وقيم العزة والكرامة والفداء، ولقد حقّق في حياته الحافلة وفي وقت قياسي إنجازات لم يحقّقها أحد غيره في هذه الحقبة التي استحكم فيها الباطل وتنكّر فيها للحق واشتدّ البلاء وعظم الاستهداف.
لقد حقّق الشهيد السيد حسن نصرالله في حياته كُـلّ ما يريد، حرّر بلاده وهزم كيان العدوّ الإسرائيلي، ودمّـر أُسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ونصر المستضعفين وأقام العدل وبعث الأمل، إنه التجسيد المثالي لما ينبغي أن تكون عليه حياة الإنسان المسلم، ثم إنه ختم حياته بشهادة في مواجهة عدو الأُمَّــة، ونصرة لأشرف قضية.
لقد مثّلت شهادة السيد حسن نصرالله أعلى تجسيد للوحدة الإسلامية، فانتصر حتى بدمه على المشروع التفريقي الصهيوني الأميركي بين المسلمين سنّة وشيعة، وشارك في معركة إسناد فلسطين وأبناء غزة منذ اليوم الأول، وقدّم المئات من الشهداء، ولم يبخل بقيادات حزب الله من الصف الأول، وختمها بروحه ودمه، ليثبت في نفوس المسلمين، بدمه، أجلى معاني الوحدة الإسلامية، وأبلغ برهنة على أن عدوَّ هذه الأُمَّــة – على اختلاف مذاهبها وطوائفها وبلدانها- واحد.
رغم الألم الكبير والفقد العظيم ونحن في مناسبة تشييع واحد من أشرف البشر في هذه الحقبة، إلا أننا ممتلئون في هذه المناسبة رضى ويقينًا وأملًا وتفاؤلًا تعلّمناه من كتاب الله، وسيرة أهل البيت عليهم السلام، وكرّسه في عصرنا واقعًا الشهيد سماحة السيد، فطالما كانت كلماته العزاء ومبادئه السراج والنور الذي يسير عليه كُـلّ مجاهد على دربه، كيف لا وهو من ظلّ يتمنى الشهادة ويطلبها ويقتحم كُـلّ غمار الأخطار والصعاب، ولا يخشى في الله لومة لائم.
نقول إنه بحق شهيد الأُمَّــة، وشهيد الإنسانية، وشهيد القدس وفلسطين، وشهيد لبنان، وشهيد اليمن، وشهيد الحق والعدالة، وشهيد كُـلّ القيم النبيلة في الدنيا، فقد عاش مدافعًا عن قيم ومبادئ الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ولم يجد المستضعفون نصيرًا مثله طوال عقود من لبنان إلى فلسطين، ومن البوسنة إلى أفغانستان، ومن سوريا إلى العراق إلى كُـلّ أرجاء الدنيا.
وإذ تجاوز نطاق نصرة المسلمين خَاصَّة، إلى نصرة كُـلّ مظلوم في الأرض، فقد كان شهيد الإنسانية مجسّدًا روح تعاليم الدين الحنيف، منذ البدء الحسن، وحتى الخاتمة ذروة السنام.
ومن مثله شهيدًا على طريق القدس وفلسطين، لتكون شهادته في نصرة غزة أبلغ بيان عن كيف ينصر المرء أهله.
وشهيد لبنان قد أفنى عمره دفاعًا عن لبنان وطلبًا لاستقلاله وحريته ومنعته وقوته.
وشهيد اليمن في وقت خذله الأقربون والأبعدون، كان هو أكثر من وقف وتضامن وناصر اليمن.
هكذا فقد كانت شهادة المجاهد الكبير سماحة السيد حسن نصرالله رضوان الله عليه هي مصاب الأُمَّــة جمعاء لما له من دور عظيم ورمزية إسلامية وتأثير عالمي وإقليمي.
عزاؤنا الوحيد أن الله اصطفاه في ختام حياته شهيدًا إلى جوار النبيين والصديقين ورفاق دربه ممن سبقوه على هذا الدرب، وأنه قد تتلمذ على يديه وفي مدرسته المئات والآلاف من المجاهدين والأبطال والقادة الذين سيكملون دربه ومسيرته على أكمل وجه حتى يتحقّق على أيديهم ونحن معهم وكل مجاهدي العالم، إن شاء الله، الوعد الإلهي الذي لطالما وعدنا وبشّرنا به سماحته رضوان الله عليه في طرد الكيان المؤقت والصلاة في المسجد الأقصى.
عظيم العزاء لأهل ومحبي ومريدي سماحة شهيد الإسلام في لبنان والوطن العربي والعالم، ونجدّد العهد على المضي على نهجه، والبقاء على عهده حتى يجمعنا الله به إن شاء الله، “في مقعد صدق عند مليك مقتدر”.
* نقلًا عن جريدة الأخبار اللبنانية