كيف سيطر الريال الفرانصي على اليمن قبل قرن؟
يمانيون../
الريال الفرانصي، المعروف بريال ماريا تيريزا، ظهر في النصف الأول من القرن الثامن عشر في النمسا، وحمل اسم الملكة ماريا تيريزا التي حكمت النمسا وهنغاريا وبوهيميا بين عامي 1740 و1780. وقد أصبح هذا الريال عملة دولية، بعد أن تم صكه في دول عدة، من أبرزها بريطانيا، التي أطلقت على نسختها منه اسم “صكوك لندن”.
استخدم البريطانيون الريال الفرانصي على نطاق واسع في تجارتهم وسياساتهم الاستعمارية، حيث لعب دورًا بارزًا في شراء الولاءات بمختلف أشكالها، بما في ذلك في اليمن أثناء فترة الاحتلال البريطاني للجنوب.
انتشار الريال الفرانصي في اليمن
بفضل السياسات البريطانية، انتشر الريال الفرانصي في كامل الأراضي اليمنية، ليصبح العملة الرئيسية في البلاد بعد إقصاء العملات المحلية والتركية. ويرجع ذلك إلى توفره بكميات ضخمة تُقدّر بالملايين، حيث كان يزن 28 جرامًا، ويحتوي على نسبة فضة لا تقل عن 88%.
وقد واجهت الدولة اليمنية صعوبة كبيرة في السيطرة على التدفق الهائل لهذه العملة الأجنبية، ما أدى إلى تراجع “الريال العمادي”، العملة الرسمية آنذاك. حتى أن الدولة نفسها اضطرت إلى استخدام الريال الفرانصي في معاملاتها، نظرًا لندرته وقيمته العالية في التجارة الدولية، خاصةً مع هيمنة الإمبراطورية البريطانية على التجارة العالمية والطرق البحرية.
الريال الفرانصي وسلاح “فرّق تسد” البريطاني
لم تكن القوة الشرائية الكبيرة للريال الفرانصي السبب الوحيد في انتشاره، بل استخدمته بريطانيا كأداة سياسية لتعزيز نفوذها في اليمن، خاصة في مناطق سيطرة الإمامين يحيى وأحمد حميد الدين.
وظّفت بريطانيا هذه العملة لشراء الولاءات القبلية والدينية، وضمان إشغال الأئمة عن أية محاولات لتوحيد البلاد. وضمن سياستها الاستعمارية “فرّق تسد”، دعمت تمرد جماعة الإخوان المسلمين عام 1948، الذي أدى إلى اغتيال الإمام يحيى حميد الدين.
تمويل الفتن والتمردات بالريال الفرانصي
كانت بريطانيا تستخدم الريال الفرانصي لإشعال التمردات القبلية في اليمن، حيث موّلت زعماء القبائل وشخصيات سياسية لإشعال الفتن والصراعات، وإضعاف سلطة الدولة المركزية.
لم يكن اليمن الحالة الوحيدة؛ ففي العراق، مولت بريطانيا زعماء العشائر لإحباط الثورات المناهضة لها، ومنها ثورة العشرين عام 1920. كما استخدمته لشراء القبائل العربية إبان الثورة الكبرى خلال الحرب العالمية الأولى.
الريال الفرانصي: أداة للاستعمار في المنطقة
استُخدم الريال الفرانصي كأداة اقتصادية وسياسية بيد الإمبراطورية البريطانية، ليس فقط في اليمن، بل في السودان والصومال والجزيرة العربية والعراق وأفغانستان والهند.
كان الهدف الأساسي هو خلق صراعات داخلية تُضعف الدول، وتمنع الاستقرار، وتضمن استمرار الهيمنة البريطانية على المنطقة.
وبذلك، أصبح الريال الفرانصي رمزًا للنفوذ البريطاني في الشرق الأوسط وأداة لزرع الفوضى بدلاً من الاستقرار
السياسية محمد محسن الجوهري