أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة صنعاء الدكتور مشعل الريفي : على أمريكا إدراك تمكّن اليمن من ردعها وتجاوز تصنيفها بطريقته الخَاصَّة
يمانيون../
التصنيفُ الأمريكي لأنصار الله، ومسعى أمريكا بهذا القرار لاستهداف اليمن في سياق حرب تحالف أمريكا على اليمن، وسياق حرب اقتصادية جديدة، لا يُرى إلا أنهُ إعلانُ حرب جديدة على اليمن ستسعى أمريكا الترامبية أن تنالَ من الشعب اليمني إن استطاعت لذلك سبيلاً، بانتظار أن يدخل القرارُ حيزَ التنفيذ والذي سيفرض على اليمن خياراتٍ لا تراجُعَ عنها لمواجهة غطرسة العدوّ الذي لم يتعلم ربما من دروس الأمس القريب، أَو ربما تعلم لكنها المكابرة من تقوده لما لا تُحمَدُ عُقباه.
وبهذا الشأن تستضيف صحيفة “المسيرة” أُستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة صنعاء الدكتور مشعل الريفي، في حوار صحفي مليءٍ بالتفاصيل حول أدوات الحرب الاقتصادية الأمريكية ومجالاتها ما بعد التصنيف الأمريكي لليمن ولأنصار الله وانتظار دخولها حيز التنفيذ، وما تحاول أن تستهدفه في الداخل اليمني وإمْكَانيات تجاوزها.
وفي الحوار يستعرض الدكتور الريفي عددًا من مظاهر التسلط الأمريكي على الشعوب والدول والكيانات المناهضة للهيمنة الأمريكية، وسُبُل المواجهة.
وفي الحوار أَيْـضًا دعا الريفي حكومة التغيير والبناء إلى اتِّخاذ جملةٍ من الإجراءات لمواجهة أية تأثيرات قد تنشأ جراء التصنيف الأمريكي، متطرقًا إلى عددٍ من المواضيع ذات الصلة، تستعرضها صحيفة “المسيرة” في نص الحوار تاليًا:
– بداية.. عادةً ما تلجأ أمريكا لاستخدام أدوات الهيمنة كلما استدعت حاجتها لمواجهة أيةِ قوى أَو دول لا تخضعُ لها.. كيف تقرأ التصنيفَ الأمريكي لأنصار الله واليمن ككل؟
في البدء يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدمُ مثلَ هذه القرارات ضد القوى المناهضة لمصالحها وسياسة الهيمنة والسيطرة والاستغلال التي تنتهجها على المستوى العالمي، إما للضغط عليها لتغيير مواقفها أَو لمعاقبتها على مناهضتها ورفضها للهيمنة الأمريكية وتهديد مصالحها (التي هي في الواقع غيرُ مشروعة).
أمريكا تعتمدُ في تحقيق آثار قراراتها بتصنيف الدول والحركات والحكومات والمنظمات على سلطتها المتحكمة بمفاصل ومؤسّسات النظام العالمي الذي استطاعت تشكيله عقب الحرب العالمية الثانية وخروج معظم الدول المتحاربة المنتصرة والمنهزمة منهكة اقتصاديًّا وعسكريًّا، في حين تفردت أمريكا بوضع أفضل مكَّنها من وضع شروطها مقابل إعانة الدول الأُورُوبية المنهكة من الحرب في إعادة الإعمار والبناء والتعافي والنهوض، وكانت المؤسّسات المالية والنقدية المشكلة منذ اتّفاقية “بريتون وودز” عام 1944م أهمَّ مداميك هذا النظام العالمي الذي تُمسِكُ بخيوطه أمريكا وتحَرّكه فيما يخدم مصالحها على حساب مصالح الآخرين وعلى النحو الذي يبقي على نفوذها وسلطتها على المستوى العالمي، حَيثُ فرض هذا النظام أن تكون عُملة التبادل والتجارة الدولية هي الدولار الأمريكي، كما تشكلت من خلاله مؤسّسات ومنظمات نقدية ومالية ومصرفية عالمية تتحكم بالأنظمة المصرفية لدول العالم وبمختلف أشكال التعاملات والصفقات والمبادلات المالية والتدفقات النقدية وحركة رؤوس الأموال بين دول العالم.
كما استطاعت أمريكا من خلال هذا النظام العالمي الذي يخدم مصالحها، تكوينَ شبكة مصالحَ دولية مرتبطة بها وما يشبه مراكز وتحالف للقوى الاقتصادية العالمية وما يتبعها من اقتصادات نامية ومتخلفة تمكّنت من ربطها بها وجعلها تابعة لها عبرَ العديدِ من القنوات والاتّفاقيات المقيدة لها في إطار ما هو مرسوم لها من أمريكا وتحالف القوى الغربية المرتبطة بها.
ومن ثَمَّ فَــإنَّ قرارات أمريكا بتصنيف بعض الدول والحكومات والحركات والجماعات والمنظمات ضمن ما تسمى “قائمة الإرهاب” أَو قرارات فرض العقوبات عليها تجد طريقها للتنفيذ الواسع على المستوى الدولي عبر هذا النظام العالمي الذي تتسيده.
وكما ذكرنا أن أمريكا تهدف من قرارها بتصنيف القوى المناهضة لها ضمن ما تسمى “قائمة الإرهاب” إلى تشديد القيود على تلك القوى والحكومات والدول والشعوب وتضييق الخناق عليها من الناحية الاقتصادية؛ إذ تسعى أمريكا من هذا القرار –وينطبق هذا على قرارها الأخير بإعادة إدراج مكون أنصار الله ضمن قائمة الإرهاب– إلى مجموعة من النتائج والتداعيات والإجراءات التي تصب جميعها في تحقيق قدر من الضغوط الاقتصادية على اليمنيين كنوع من العقاب على موقف اليمن، قيادةً وجيشًا وشعبًا، المناهض لجرائمها وجرائم حليفتها “إسرائيل” في المنطقة وفي فلسطين وغزة تحديدًا، كما تهدف منها إلى إحداث قدر من الإضعاف للجبهة الاقتصادية لليمن على أمل أن ينعكس ذلك وينتقل إلى إحداث المزيد من التداعيات التي تضعف الجانب السياسي والعسكري لبلادنا على نحو يحيدها عن هذا الدور المناهض لها والمهدّد لمصالحها ونفوذها في المنطقة.
– في نقاط موجزة دكتور مشعل.. ما الذي يريدُه الأمريكي من التصنيف ضد اليمن؟
أمريكا تسعى من قرارها إلى التالي:
– وقف تدفق ما تبقى من المساعدات الإنسانية (التي لا تقدم الخدمة للشعب بالشكل الحقيقي) وتهدف من ذلك إلى خلق أزمة إنسانية في اليمن في الأمن الغذائي والصحي بالدرجة الأولى.
– إعاقة حركة الاستيراد والتصدير من وإلى اليمن وعلى نحوٍ يؤدِّي إلى ارتفاع تكاليف نقل البضائع المستوردة وتأخر وصولها؛ لتنتجَ عن ذلك اختناقاتٌ في المعروض من السلع لا سِـيَّـما الضرورية وبما يحقّق هدفها في خلق أزمة اقتصادية في اليمن يعاني منها اليمنيون كعقابٍ لهم وكتهديد إضافي للنظام والسلطة الحاكمة المناوئة للهيمنة الأمريكية.
– خلق أزمة مالية ومصرفية من أهم ملامحِها شحة السيولة اللازمة لتمويل النشاط التجاري والاستثماري والتبادل الدولي وكذلك وضع القيود على تمويل الصفقات التجارية والبضائع المستوردة.
– ومن أبرز المستهدفات من هذا القرار هو ضرب دعائم الاقتصاد الوطني وإضعافها وعلى رأس تلك الدعائم قيمة العُملة الوطنية، إذ تسعى أمريكا من قرارها وما يولده من قيود إلى إحداث اختناقات في جانب العرض في سوق السلع والخدمات؛ الأمر الذي يترتب عليه ارتفاع في المستوى العام للأسعار مقابل تراجع قيمة العملة الوطنية التي أثبت النظام النقدي في اليمن جدارته في الحفاظ على استقراراها في أصعب الظروف.
وفي رأيي أن هذا التصنيفَ هو قرارٌ بفتح جبهة حرب جديدة في الميدان الاقتصادي ضد اليمن، اتخذته أمريكا بعد أن فشلت طائراتها وبوارجها وأسطولها البحري في تحقيق أيَّةِ أهداف من سلسلة الغارات والهجمات التي شنتها طوال أكثر من عام على بلادنا.
– الاستهداف الأمريكي للجانب الإنساني الإغاثي ليس جديدًا.. هل يمكنُ أن نفهمَ هذا التوجّـه الأمريكي في سياق عام يشملُ معونات العالم؟
– أمريكا ولا سيَّما ما يمثله ترامب من جناح رأسمالي يميني متطرف يؤمن إيمانًا مطلقًا بعدم صوابية أشكال التدخل الحكومي الداخلي أَو الدولي في الاقتصاد بما في ذلك الطابع الاجتماعي والإنساني لدور الدول والحكومات كتقديم المساعدات والإعانات ودعم الخدمات العامة كالتعليم والصحة ومختلف أشكال الضمان الاجتماعي وإعادة توزيع الثروة.
وكلّ هذه الصور المختلفة لدور الدولة في الاقتصاد يرفُضُها النظام الرأسمالي اليميني المتطرف ويعتبرها معيقةً لتطوره وضد قانون البقاء للأقوى، وقانون التطور والانتخاب الطبيعي الذي ينطبق على الاقتصاد كما ينطبق على الطبيعة من وجهة نظر الرأسمالية المتطرفة، ومن هنا يأتي قرار ترامب الأخير بخصوص اليمن وسعيه لوقف المساعدات الأجنبية وغيرها المتجهة إلى بلادنا، وهذا ما هو إلا في إطار سياسة عقائدية ينتهجها حتى تجاه شعوب العالم الساعية للتحرّر من دائرة الفقر والتخلف، بل والتي ينهجها تجاه مواطني دولته من شريحة الفقراء والعاطلين عن العمل وتجاه الطبقة العاملة وذوي الدخل المحدود.
وفي جميع الأحوال فَــإنَّ أمريكا بحركة المد والجزر لنظام المساعدات الدولية المقيت هي دائمًا تقوم بتوظيفه في خدمة مصالحها وفي تكبيل شعوب ودول العالم اقتصاديًّا وجعلهم تابعين معتمدين على عطاياها وعطايا حلفائها والتي هي في الحقيقة ليست عطايا أَو هبات، بل جرعات تبقي الدول والشعوب رهينة بيدها وتطلق من خلال ذلك يدها على مقدرات الشعوب ومواردها لاستغلالها ونهبها لتمويل تفوقها الاقتصادي ونهضتها الصناعية مقابل ما تقدمه لهم من فتات مشروط.
– بالنظر إلى العقوبات الأمريكية اليوم فهي لا تخص اليمن فحسب وهناك قائمة عريضة من الدول والأطراف التي تناوئ واشنطن.. أليس هذا التصنيف بحد ذاته وسامَ شرف لليمن كبلد مناهض للهيمنة الأمريكية؟
هو كذلك فعلًا؛ فالعقوبات الاقتصادية سلاح دائم الاستخدام من قبل أمريكا، وبالتأكيد تستهدف به على الدوام هدفَينِ لا ثالث لهما:- الأول: شعوب وقوى وحركات تسعى للتحرّر والفكاك من هيمنة واشنطن وسيطرتها واستغلالها المباشر أَو غير المباشر عبر الأنظمة والكيانات الحليفة لها، والثاني: دول وقوى اقتصادية منافسة لها تشكل تهديدًا لمستقبل تفوقها الاقتصادي وهيمنتها على الاقتصاد العالمي.
ومن هنا لا غرابة أن تشمل عقوباتها محور المقاومة في المنطقة دولًا وحكومات وشعوبًا وحركات وُصُـولًا إلى مستوى الأفراد والمؤسّسات التي تراها أمريكا ذات نشاط مؤثر في مقاومتها.
– هل يمكن المراهنة على الموقف الدولي كأن يُظهَرُ شيءٌ من الرفض للتصنيف الأمريكي الجائر بحق اليمنيين؟
فيما يخص درجة تجاوب العالم مع قرارات ترامب فقد صمت العالم أمام جرائم “إسرائيل” في عهد سلفه ولا رهان على هذا النظام العالمي في أي موقف رافض للممارسات والجرائم الأمريكية المرتكبة ضد شعوب العالم، بل كما ذكرت أن ما صنعته أمريكا من قنوات وآليات ومؤسّسات داخل النظام العالمي بما في ذلك الجانب التجاري والنقدي والمالي كفيل بتمرير قراراتها العقابية ذات البُعد الاقتصادي؛ لتجد طريقها في كثير من مؤسّسات وأسواق وحكومات دول العالم كمنفذ مطيع لقرارات الهيمنة الاقتصادية الأمريكية الممتدة لعقود من الزمن.
– بالمجمل.. هل ترى دكتور مشعل أنْ لا رهان على الموقف الدولي؟
قناعتي الراسخة أنْ لا رهان على مواقف دولية فيما نتعرض له كيمنيين من حرب وهذا ما أثبتته سنوات العدوان الممتدة منذ 2015م.
وتهديد ترامب لعدد من دول العالم هو ابتزاز لها وإشغال يلحقه إملاءات واشتراطات وتفاهمات وتسويات يحقّق من خلالها أكبر قدر ممكن من المكاسب، ومن بين تلك المكاسب مزيد من التدجين والإخضاع في أَتون العرف السائد في السياسة الدولية ألا وهو حسابات المصالح الطاغية على اعتبارات القيم الإنسانية، أما من حَيثُ بحث دول العالم عن توازنات جديدة ففي رأيي أن تلك مسيرة طويلة المدى تتشكل ملامحها رويدًا رويدًا وما زال الطريق إلى نضوجها واكتمالها بحاجة إلى المزيد من العمل والجهد وحث الخطى.
– بالنظر إلى مواجهات اليمن البحرية مع أمريكا، هل يمكن القول إن اليمن قادر على كبح جماح التصنيف الأمريكي وتداعياته؟
اليمن قادر على فعل ذلك ولن يوقف المساعي الأمريكية الرامية لتشديد العقوبات الاقتصادية ضد بلادنا أَو أية بلدان أُخرى إلا أن نتمكّن من رد يهدّد مصالح أمريكا ويحول هذا القرار من وجهة نظرها من فرصة لتحقيق الأهداف والمصالح إلى قرار مكلف يهدّد بتكبيد الولايات المتحدة الخسائر الجسيمة، فحسابات الربح والخسارة هي المحرك الرئيسي لقرارات الحكومة الأمريكية.
– هو إعلان حرب فعلي.. فهل يتطلب برأيك تهديدَ المصالح الأمريكية في حال نفاذ القرار؟
نعم.. ما سيقوِّضُ من حجم الإجراءات المرتبطة بهذا القرار ويفرغه من مضمونه ويقلِّص من تداعياته وآثاره ويجعلُه في حدود القرار الشكلي هو ردُّنا وتحَرّكنا بما نمتلكه من إمْكَانيات نحو تهديد مصالح الأمريكي في إطار ما تصل إليه أيدينا.
وكما نصرنا أبناء فلسطين في غزة بشجاعة وحكمة قائدنا وبقوة وبطولة قواتنا المسلحة والتفاف شعبنا الغيور الأصيل المقدام، فَــإنَّنا بهذه المقومات وبنفس التحَرّك السليم والقوي والمبدئي سننتصر لقضيتنا وسنفك مساعي الحصار الأمريكي المتجه نحونا قبل أن يصل إلينا وقبل أن يقترب بقبضته الدنسة منا.
– في حال تشديد الإجراءات الأمريكية.. إلى أيةِ درجة يمكن أن يؤثر هذا على اليمن؟
درجة التأثير ستعتمد قبل كُـلّ شيء –وقبل مدى استجابة الدول والمنظمات لإجراءاته– على موقفنا، وعلى استعدادنا وعلى طبيعة ردِّنا ومواجهتنا، ويجب أن نوصل للأمريكي رسالة قوية وواضحة أن بيدنا ما يردعُه ويحمي مصالحنا ووجودنا وأن الإضرار بنا مكلِّفٌ بالنسبة له.
– هذا يعني أننا سنكون في حالة حرب جديدة مع أمريكا بمُجَـرّد دخول العقوبات حيز التنفيذ؟ وستتحَرّك اليمن لمنع تضررها فيما الأمريكي في مأمن؟
نعم.. القرار والتصنيف الأمريكي هو إعلان حرب في الميدان الاقتصادي بعد أن فشلت أمريكا في تحقيق أية نتائج في عدوانها العسكري على بلادنا الذي استمر خلال أكثر من عام، حَيثُ يحاول الرئيس الأمريكي الجديد تجريبَ وسيلة إضافية في حربهم على بلادنا وهو ما يستلزم أن نستعد معه للمواجهة العسكرية والاقتصادية على حَــدٍّ سواء.
– في ظل التلويح اليمني بالرد القوي على الأمريكي وتحالفه المعادي في حال سريان متعلقات التصنيف.. هل يمكن أن يكونَ هذا رادعًا لواشنطن؟
في اعتقادي أن هذا العدوَّ لن يتردّدَ في شن حرب اقتصادية جديدة يعتبرها جولةً ثانيةً من جولات عدوانه على الاقتصاد اليمني، وبرأيي فَــإنَّ ما وصلت إليه قواتنا المسلحة من قدرات ومن تأييد وتلاحم شعبي –وفي ظل قيادة تجاوزت الصعاب والتحديات– أننا قد صرنا اليوم في موقع يؤهلنا لعدم البقاء طويلًا تحت طائلة هجمة حصار اقتصادي جديدة من هذا العدوّ، خُصُوصًا وقد بات لدى اليمن ما يمكّنه من أن يجعل الرد قاسيًا ومكلفًا على واشنطن، وعلى مستوى ما أظهرناه من رد على حصار أشقائنا في غزة وفلسطين، وأن يكون ردنا بمستوى الاستهداف ومباشرًا وفي وقته ودون تأخير.
– هل هناك من يرى أنه قد يسمح ُبدخول مساعدات لبلادنا؟ ويعتبر أنه ليس من مصلحته استعداء اليمن بعد نتائج المواجهات العسكرية مع أمريكا و”إسرائيل” وبريطانيا في البحر؟
حتى وإن سمحت أمريكا وحلفاؤها بقنواتٍ لتدفق المساعدات الإنسانية المحدودة ومشبوهة الأهداف، لا ننسى أنها على مدار عشر سنوات من العدوان على اليمن نفَّذت من خلالها أبشع وأقسى صور الحصار الاقتصادي الشامل وأقذر صور الاستهداف لدعائم الاقتصاد الوطني وعلى رأس ذلك قرار نقل البنك المركزي إلى عدن وما تبعه من عمليات إصدار هائل للمطبوعات النقدية وإغراق الأسواق بها؛ بهَدفِ تدمير قيمة العُملة الوطنية، وهو الإجراء الذي قابلته حكومتنا بقرار سديد بفصل المطبوعات الجديدة غير القانونية عن عملتنا الوطنية وحدّ من الآثار التضخمية لإصدارها، والتي كانت ستقوض قيمة عملتنا الوطنية إن سُمح لها بالانتقال والانتشار في المناطق والمحافظات الحرة.
– في مقابل كُـلّ هذا هناك نوعٌ من الثقة لدى الشعب اليمني في تجاوز أية آثار لذلك التصنيف.. أليس هذا واضحًا؟ خُصُوصًا مع نجاحات اليمنيين المتكرّرة في تحويل التحديات إلى فرص؟
أوافقك على هذا، فلو تمعنا في قياس المزاج الشعبي وكذلك الانطباع المسيطر على السوق المحلية ومرافق وقطاعات الاقتصاد الوطني بما في ذلك القطاع الخاص وعموم المواطنين وأصحاب المشروعات الصغيرة وعمال وموظفين ومستهلكين، ستجد مناخًا مدهشًا يسوده الاستقرار والثقة وعدم الخوف من تداعيات هذا القرار.
إنه عامل الثقة الثمين الذي بنته سنوات الصمود الاقتصادي العشر الماضية والذي شكلته مهارة اليمنيين وقدرتهم على العمل والتحول نحو الاعتماد على الذات والإنتاج المحلي في مختلف الأنشطة والقطاعات، وهذه الحصيلة زادت من ترسيخ عامل الثقة.
وأبرز الحصائل كانت ما وصلت إليه قواتنا المسلحة من مستوى يدعو إلى الاعتزاز ويستحق أن ينظر إليها اليمنيون أنها درعهم المتين وسيفهم البتار، وفي منتهى ذلك كله قيادة كسبت التقدير والتأييد عن جدارة واستحقاق؛ لتعبيرها الصادق والعملي عن الشعب وتطلعاته نحو العزة والكرامة والقوة والسيادة والاستقلال.
– هل من كلمة أخيرة؟
في الختام ومع أهميّة تحَرّكنا لمواجهة جميع مظاهر الحرب الاقتصادية الأمريكية على بلادنا عسكريًّا واقتصاديًّا، وفي الوقت الذي بدأت تتشكل في اقتصادنا ملامح الاقتصاد المقاوم فَــإنَّه من اللازم أن تكون الحكومة على استعداد لمواجهة أية محاولات لتجار الأزمات في استغلال الوضع وتأزيمه؛ لأَنَّ أمثالهم يشكلون امتدادًا داخليًّا لحرب العدوّ على الاقتصاد.
كما أن على حكومة التغيير والبناء دورًا في غاية الأهميّة يجب أن تنجزه، وهو تجفيف منابع الفساد بمختلف أشكاله؛ حفاظًا على قوة وتماسك الجبهة الداخلية وحماية لمقومات الاقتصاد الوطني.
المسيرة: حاوره إبراهيم العنسي