Herelllllan
herelllllan2

التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية: تهجير قسري وإعدام لفكرة الدولة الفلسطينية

تقرير_ يحيى الشامي:

(يستند هذا التحقيق إلى تقارير فلسطينية رسمية حكومية وحقوقية)

تشهد الضفة الغربية تصعيدًا متسارعًا في سياسات الاستيطان التي ينتهجها العدو الإسرائيلي، حيث تتبنى “حكومات” العدو، استراتيجية استعمارية قائمة على فرض وقائع جديدة على الأرض، بهدف القضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة. وتعتمد هذه السياسة على استراتيجيات مركبة تشمل التوسع الاستيطاني، التفتيت الجغرافي، التحكم الاقتصادي، والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين، ما يكرس واقعًا استيطانيًا يجعل من الضفة الغربية بيئة طاردة لسكانها الأصليين، وجاذبة للمغتصبين الصهاينة، ما يؤدي في النتيجة إلى عملية تهجير قسرية يتحكم بوتيرتها العدو مع ملاحظة بلوغها مستويات غير مسبوقة في الفترة التي أعقبت الطوفان.

الاستيطان خطوة نحو مشروع الصهيونية الكبرى

لم تكن مشاريع العدو الاستيطانية في الضفة الغربية مجرد سياسة ظرفية، بل امتدادًا لمشروع صهيوني استعماري بدأ منذ النكبة عام 1948. بعد احتلال الضفة في حرب 1967، وضع “إيغال ألون”، أحد مؤسسي “جيش” العدو الإسرائيلي، خطةً تدعو إلى ضم مناطق واسعة، لا سيما غور الأردن والقدس، مع ترك الفلسطينيين في تجمعات معزولة تحت السيادة الأردنية، وعلى مدار العقود، تبنت “حكومات” العدو الإسرائيلي المتعاقبة سياسات ترمي إلى تكريس هذا التوجه، قامت “حكومة” إسحاق رابين بتصنيف المغتصبات إلى “أمنية” يجب تعزيزها، و”سياسية” يمكن الإبقاء عليها، وهي سياسة استغلها العدو الإسرائيلي لاحقًا لتوسيع المشروع الاستيطاني.

تحوّلت الضفة الغربية اليوم إلى فسيفساء استيطانية معقدة، تتألف من 112 مغتصبة يصفها العدو بالقانونية، و146 بؤرة استيطانية عشوائية، تتصل ببعضها عبر شبكة طرق التفافية تجعل التواصل الفلسطيني الداخلي أمرًا بالغ الصعوبة. هذه الطرق، التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات محرمة تماماً على أهل الأرض الفلسطينيين ولا تخدم سوى المغتصبين الصهاينة. ويعزّز الجدار العازل، الذي يمتد بطول 712 كم، هذا الفصل، ملتهماً مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية، ومتسبباً بتحويل القرى والبلدات الفلسطينية إلى معازل غير مترابطة‘ فضلاً عن 705 حواجز عسكرية (ثابتة ومتحركة) تُقيّد حركة الفلسطينيين، وحتى أنهم يُمنَعون من استخدام الطرق الالتفافية المخصصة للمغتصبين الصهاينة.

التوسّع الاستيطاني بديلاً عن الحوار السياسي

يعتمد العدو الإسرائيلي في سياساته على استراتيجية “خلق الوقائع”، بحيث يصبح التفاوض السياسي، إن حصل، محكومًا بشروط فرضتها مسبقًا، مع أن مؤشرات المزاج الصهيوني تشير إلى تخليه كلياً عن خيار المفاوضات والتي أصلاً كانت تجري وفق هواه ولم تكن سوى لعبة مخادعة يمارسها لقضم مزيد من الأرض وتصفية القضية الفلسطينية كلياً، جرى هذا رغم القرارات الدولية التي تعتبر الضفة الغربية أرضًا محتلة، لم يجد الصهيوني حقيقةً شيئاً يمكن أن يوقفه عند حده وهي حقيقة واكبت كل التحولات التي شهدتها أكثر من سبعة عقود من الاحتلال لفلسطين، اليوم ما يجري في الضفة هو تسريع لوتيرة التوسع استثماراً لما يسميه الصهيوني مأساة السابع من أكتوبر، ولحالة التعاطف الدولي، يمارس العدو جرائمه في الضفة حصاراً وقتلاً وتهجيراً على نحو فظيع ومتسارع وكبير مع ذلك لا تأخذ هذه الجرائم حقها من التداول والوقوف عندها، كما لو أن اليهود نجحوا في القفز خطوة إلى الأمام حيث تغطي تهديدات التهجير في غزة على حقائق الجريمة في الضفة ومن بينها التهديد.

فصل القدس عن الضفة

لا يُعيد التمدد الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية تشكيل خارطة الجغرافيا وحسب، بل يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية، فـ”القدس الكبرى” وفق مسمى المحتل الصهيوني التي يعمل على احتلالها تدريجياً توسعت فعلاً من 6.5 كم² عام 1967 إلى 126 كم² اليوم وقد صارت بحكم الأمر الواقع محاطة بسلسلةً من الكتل الاستيطانية والمغتصبات (مثل “معاليه أدوميم” و”غفعات زئيف”) وجعلت شبح التقسيم في الضفة واقعاً (شمال مُنعزل عن جنوب وعزل شبه كامل ويزيد لسكان القدس الشرقين (قرابة 350 ألف فلسطيني) عن محيطهم في الضفة. هذا الحصار والعزل الممنهج يضر بالتماسك المجتمعي ويُضرب الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، فبينما يعيش 75% من مقدسيي الضفة تحت خط الفقر، يُمنَعون من التواصل مع شبكات الدعم في رام الله أو بيت لحم، وفقاً لتقارير رسمية فلسطينية.

الخنق الاقتصاد الفلسطيني

هيمنة العدو الإسرائيلي لا تقتصر على الاستيطان فقط، بل تمتد إلى خنق الاقتصاد الفلسطيني عبر مجموعة من الأدوات، أهمها:

اتفاقية باريس الاقتصادية التي تربط الاقتصاد الفلسطيني بالإدارة المالية والاقتصادية للعدو الإسرائيلي ، وتجعل السلطة الفلسطينية غير قادرة على التحكم بسياساتها النقدية أو التجارية.، كما أن سيطرة العدو الإسرائيلي على 61% من أراضي الضفة ما يعرف بالـ (مناطق ج)، مما يمنع الفلسطينيين من استثمار أراضيهم أو التوسع العمراني ما يجعلها في حكم الاحتلال وسيطرته الكاملة وينزع الصلاحيات تماماً من الفلسطينيين، تُشبه الحالة تأجيل لعملية الاستيطان والتوسع الصهيوني، علاوة عن الابتزاز المالي عبر أموال المقاصة، وهي العائدات الضريبية الفلسطينية التي يجمعها العدو الإسرائيلي ثم تحتجزها بشكل تعسفي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية.

التقسيم الجغرافي لخنق المقاومة الفلسطينية

الاستيطان لا يهدف فقط إلى توسيع حدود “العدو الإسرائيلي الكبرى”، بل يعمل أيضًا على تفتيت المجتمع الفلسطيني، بحيث تتحول المدن والقرى الفلسطينية إلى “جزر” معزولة لا تربطها أي شبكة مواصلات حقيقية. فمن خلال 705 حواجز عسكرية، يصبح التنقل بين المدن الفلسطينية عملية معقدة للغاية، بينما يسمح العدو الإسرائيلي للمغتصبين باستخدام شبكة طرق سريعة تسهل عليهم الحركة، مما يعكس نظامًا للفصل العنصري.

عصابات المغتصبين بحماية قادتهم المجرمين

لم يعد العنف الاستيطاني مقتصرًا على جماعات متطرفة تعمل بشكل منفصل عن “جيش” العدو الإسرائيلي ، بل بات جزءًا من النظام الرسمي  عبر تنظيمات مثل “عصائب هاجبل” و”فتية التلال”، التي تقوم بهجمات مستمرة على القرى الفلسطينية، وتمارس القتل والتعذيب والتنكيل والإحراق واقتلاع الأشجار بحماية من “جيش” العدو  ودون أن تتعرض لأي محاسبة قانونية، وتحظى هذه العصابات بدعم وتسليح وتشجيع وزراء في “حكومة” العدو.، كما إن الكيان يوفر لهم الدعم عبر التوسع في تسليح المغتصبين، ودمجهم في وحدات أمنية مثل “كتيبة ناحال حعرديم” التي يشارك عناصرها في اقتحام البلدات الفلسطينية.

جرائم مشجَّعة

من بين 1,200 هجوم شنه المغتصبون الصهاينة موثق عام 2023، لم تسفر سوى 3% منها عن ما تسمى إدانة قانونية، يعكس الرقم مستوى الحماية التي يحصل عليها المغتصبون من مجرمي الحرب في الكيان، ويضعنا أمام واقع الجرائم اليومية التي يعيشها الفلسطيني في الضفة، وفي ظل هذه الواقع المرير، ازداد عدد المغتصبين في الضفة من 115 ألفًا عام 1993 إلى 750 ألفًا اليوم، وهي زيادة مدعومة بمخصصات حكومية تجعل الاستيطان خيارًا اقتصاديًا جذابًا للمغتصبين اليهود

خطة ضم الضفة والتهجير القسري:

في عام 2017، كشف من يُسمى وزير المالية في كيان العدو الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” عن خطة تهدف للسيطرة الدائمة على الضفة، تشمل:

تطبيق قانون كيان العدو الإسرائيلي على كل الضفة، مما يعني ضمها فعليًا، والتجنيس الانتقائي لبعض الفلسطينيين الذين يخدمون في “جيش” العدو الإسرائيلي، وتجريد الفلسطينيين من هويتهم الوطنية وإعادتهم إلى الجنسية الأردنية وهميًا.

يطبق العدو الإسرائيلي هذه الخطة تدريجيًا، وبدأ منذ 2023 في توسيع صلاحيات ما يسمى بـ “الإدارة المدنية” التي يقودها سموتريتش، بحيث أصبحت الضفة تدار مباشرة من قبل “حكومة” العدو الإسرائيلي ، ما يعني عمليًا القضاء كلياً على فكرة “الحكم الذاتي” الفلسطيني.

معضلة التوسع الاستيطاني في الضفة:

رغم كل الجهود الاستيطانية، لا يزال الفلسطينيون يشكلون تحديًا ديموغرافيًا للعدو الإسرائيلي ، الأرقام تكشف عن أن معدل نمو السكاني للفلسطينيين يصل 2.5% مقارنة بـ1.7% للعدو الإسرائيلي. هذا الواقع يدفع العدو بالكيان المجرم إلى تصعيد سياساته الاستيطانية والقمعية، لكن وفي المقابل، يولد مزيدًا من المقاومين، خاصة في المناطق التي تتعرض للضغط الأكبر مثل جنين ونابلس.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com