Herelllllan
herelllllan2

أمريكا ليست قدراً

يمانيون/ كتابات/ طه العامري

أمريكا ليست قدراً، ولم تكن يوما (إلها يعبد)، أمريكا إمبراطورية إمبريالية استعمارية تعيش على نهب دول وشعوب وأنظمة العالم، أمريكا دولة مهاجرين قدموا إليها من إيرلندا وإنجلترا والغرب الأوروبي، وقد وصلوا تحت حماية الجيش البريطاني، وقد استلهمت النخب الأمريكية قيم الاستعمار البريطاني الذي طردوه منها شكلا وجوديا، لكنهم أبقوه فكرا وسلوكا لكي يمارسوا نهجه وسياسته الاستعمارية، وكانت الحركة الصهيونية العالمية قد لعبت دورا في تأسيس هذه الدولة التي زعم قادتها أنها دولة ليبرالية ودولة الحرية والاقتصاد الحر والمفتوح ورفعوا شعاراً ليبرالياً يقول (دعه يعمل.. دعه يمر.. مادام يدفع الضرائب)، غير أن هذا الشعار لم يدم طويلا ولا أفكار (آدم سميث) فيلسوف الليبرالية والحرية دامت أيضا، لأن أمريكا تحولت من دولة ليبرالية إلى أخرى إمبريالية تمارس كل صنوف الاستعمار الهمجي المجرد من القيم ولها تاريخ أسود وقامت بمجازر وحروب استعمارية بشعة لم تقم بمثلها حتى بريطانيا المعروفة بسياسة الاستعمار _ السلس _..!
أمريكا _اليوم _في ذروة حالة الضعف والانهيار والانكسار، بمعزل عن جعجعة قادتها ورموزها، نعم أمريكا تعيش اليوم حالة احتظار وليس انتصاراً.. وما تقوم به الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1990م لا يعكس حقيقة قوتها وتفوقها الحضاري والتقني، بل يجسد حقيقة انهيار القيم الليبرالية وقيم الحريات والأفكار الوردية التي كانت تسوق عنها باعتبارها ( عاصمة العالم الحر)، أمريكا ليست هي عاصمة العالم الحر ولم يعد لها علاقة تذكر بقيم الحرية والعدالة والمساواة، بل أصبحت عاصمة الشر وعدوة للعالم وحريته وقيمه وأخلاقياته ومعتقداته وحقوقه، منذ عام 1990م ومع انهيار دول المعسكر الاشتراكي توهم قادة أمريكا ومفكروها بأن الليبرالية كنظرية فكرية ومشروع حضاري نهضوي انتصرت على الفكر الاشتراكي وعلى قيم الاشتراكية، وهذا غير صحيح بل مجرد وهم وقعت فيه النخب الأمريكية _الغربية، التي حاولت تطوير ذات الليبرالية بطرح أفكار عن مرحلة (النيو ليبرالية) أي الليبرالية الجديدة، لكن هذه النظرية أخفقت، فكانت أن وضعت فكرة أو فلسفة نخبة (المحافظين الجدد) الذين صاغوا أفكارهم الجديدة ممزوجة بمعتقدات (لاهوتية)، أسفرت عن بلورة فكرة _ الصهيونية المسيحية _ وهي فكرة تلغي كل حقوق ومعتقدات ووجود الآخر الحضاري وتؤمن بأن القوة عنوان الوجود.. وحين تصبح القوة خيار أي فكرة حضارية فإن هذا دليل كافٍ على أن الفكرة مجرد شماعة خداع للآخر، إذ أن كل فكرة تعتمد في نجاحها على القوة هي فكرة منبوذة اجتماعيا وهذا ما تعاني منه أمريكا، والدول الغربية التي تعيش حالة صدام وتناقض بين ممارسة النخب وتطلعات المجتمعات ورغباتهم.. أمريكا والغرب اجتماعيا وثقافيا لم تعد كما كانت عليه في ظل الحرب الباردة والتوازن القطبي، حيث كانت المجتمعات أكثر توافقا ووئاما مع النخب السياسية بعكس حالها اليوم، حيث شيوع التنافر بين النخب الحاكمة والمجتمعات، وحيث تفشي النزاعات الاجتماعية والصراعات، وحيث الأزمات الوجودية وأزمة الهوية أخذت بالتمدد رأسيا وأفقيا في أوساط المجتمعات وفي تفكيرها، وخير دليل ما حدث في أمريكا والغرب خلال معركة طوفان الأقصى وكيف خرجت الشعوب عن رغبات النخب الحاكمة، إذ شاهدنا كيف انحازت الشعوب للحق الفلسطيني منددة بالوحشية الصهيونية وبمواقف أنظمتها المنحازة للجانب الصهيوني وجرائمه ضد الحق العربي الفلسطيني.. هذا التباين أمريكيا وغربيا لا يجب التعاطي معه بطرق عابرة أو إسقاطه على طريقة تفكيرنا وتعاطينا عربيا وإسلامياً مع الظواهر التي تواجهها مجتمعاتنا والتي تحتكر أنظمتنا طريقة معالجتها بمعزل عن قناعة ورغبات شعوبها، في الغرب وأمريكا الأمر يختلف، وعظمة أمريكا اليوم وهيمنتها لا تستمدها من قوتها الفعلية المكتسبة، بل تستمدها من ضعف وهوان العرب والمسلمين تحديدا..!
إن الأنظمة العربية الحالية هي مصدر هيمنة أمريكا، ومصدر قوتها وغطرستها، فضعف وهوان هذه الأنظمة يمنح أمريكا حق الغطرسة والتظاهر بالعظمة والقوة، والصراع الجيوسياسي المحتدم بين أمريكا وروسيا الاتحادية والصين والاتحاد الأوروبي من أوكرانيا إلى مضيق تايون وبحر الصين الجنوبي وصولا للمحيطات، كل هذا الصراع يدور حول كيفية السيطرة على الوطن العربي أو تقاسم النفوذ عليه، والمواقف الروسية والصينية والغربية والأمريكية التي برزت خلال معركة طوفان الأقصى وطريقة تعاطي هذه الأطراف المتصارعة مع جرائم الصهاينة وحرب الإبادة التي شنت على قطاع غزة ولبنان واليمن وما حدث في سوريا، كل هذه التراجيديا الدرامية الدامية التي وإن بدت أمريكا والغرب شركاء فاعلين فيها، فإن بقية الأطراف لم تكن بعيدة عنها، وإن كانت في مواقفها تريد إظهار أمريكا في أوضاع ومواقف أكثر إحراجا لها على الصعيد الدولي ولدي المعنيين في الوطن العربي الذين تراهن أمريكا عليهم في ديمومة هيمنتها على المنطقة والعالم..!
لقد أثبتت المقاومة في فلسطين ولبنان كما أثبتت اليمن أن من يمتلك الإرادة يمتلك القرار ومن يمتلك القرار يمتلك القدرة على مواجهة الغطرسة مهما كانت قوة المتغطرس ومكانته، ومن تابع المواقف الشعبية في جنوب لبنان وفي قطاع غزة وشاهد الطوفان البشري الذي امتد من جنوب غزة إلى وسطها وشمالها، يدرك معنى أن يمتلك الإنسان الحر قراره، دول الخليج وحدها لو امتلكت قرارها وجسدت ولو لمرة واحدة حقيقة هويتها العربية وانتماءها الإسلامي، لكان موقفها كافٍ لهزيمة الغطرسة الأمريكية الصهيونية، مع الأخذ في الاعتبار أن مصر والأردن اللتين طالبهما (ترمب) باستقبال مواطني غزة والضفة ورفضتا هذا الطلب، حتما ستدفعان ثمن رفضهما قريبا، طالما ودول الخليج تتسابق لإرضاء ترمب وتقدم له كل ما يطلب من مليارات كافية لتعمير الوطن العربي مائة مرة، فلو قالت هذه الأنظمة ( لا) وتمسكت بالقانون الدولي الذي داست عليه أمريكا منذ عقود، فماذا سيكون الحال..؟!
ماذا لو قررت دول الخليج أن تبيع نفطها بأي عملة غير الدولار؟، ماذا لو اتجه النظام العربي والإسلامي نحو الشرق، ولكن بشروط؟

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com