ترامب تاجر وتهديداته تعكس ضعفه
أحمد الشريف
المحادثة الهاتفية بين ترامب ومحمد بن سلمان، التي التزم خلالها الأخير باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، قابلة للزيادة، جاءت تنفيذًا لأوامر ترامب، الذي أعلن ذلك صراحة في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، غير المتتالية.
وقد جعل ترامب هذا الإعلان شرطًا لزيارة السعودية، كما فعل خلال ولايته الأولى، لكن المثير للدهشة هذه المرة أن السعوديين كانوا أكثر كرمًا منه؛ إذ لم يطلب سوى نصف تريليون دولار لإتمام الزيارة، ليضيف ابن سلمان 100 مليار دولار فوق ذلك. علمًا أن ترامب سبق أن صرّح في خطاب شهير بأن السعودية ليست سوى “حقيبة نقود”، وأن تحصيل الأموال منها أسهل من جمع 113 دولارًا كإيجار شقة في حي متواضع بنيويورك.
وباعتباره رجل صفقات، يقود فريقًا صهيونيًا بامتياز، لم يكتفِ ترامب بهذا المبلغ، بل طالب السعوديين، في خطابه الأخير يوم الخميس، برفعه إلى تريليون دولار، وهو ما لا يُستبعد أن يوافق عليه ابن سلمان. وبهذا، يثبت ترامب مجددًا أنه تاجر، وأن تهديداته تعكس ضعفه، ولا تُخيف إلا الجبناء.
وفي هذا السياق، استغل العملاء والمرتزقة هذا الاتفاق بين ترامب وابن سلمان لبث الخوف في نفوس اليمنيين، زاعمين أن السعودية، في حال تمت الزيارة، ستحرضه على استهداف الشعب اليمني، لا سيما بعد إعادة تصنيف أنصار الله كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، في محاولة للانتقام مما قامت به القوات المسلحة اليمنية من عمليات تحدٍّ واستهداف للبوارج والمدمرات الأمريكية في البحرين الأحمر والعربي، مما كشف حقيقة أن أمريكا ليست ذلك “البعبع” الذي تخشاه الشعوب، وأن مواجهتها ممكنة عندما تتوفر الإرادة الحرة لأي شعب، مهما كان بسيطًا في إمكانياته.
لكننا نقول لهؤلاء العملاء: إن تجربة اليمن مع ترامب ليست جديدة، فقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية، ممثلة في القوة الصاروخية والطيران المسيّر، من توجيه ضربات قاسية للسعودية في عهده السابق، كان أبرزها استهداف “أرامكو”، مما سبّب إرباكًا كبيرًا لأمريكا نفسها، في وقت كانت السعودية تنتظر منه أن يرد نيابة عنها، لكنه لم يفعل، واضطرت الرياض إلى ابتلاع الصدمة والتقليل من شأنها، حتى أنها اتهمت قوى أخرى غير اليمن بتنفيذ العملية، حتى لا تعترف أمام شعبها بحجم القوة التي بلغها اليمن تحت قيادة شجاعة وحكيمة.
وهنا، يُطرح السؤال: أما آن الأوان للوقوف بموضوعية وإنصاف إزاء العدوان والحصار الظالم المفروض على الشعب اليمني منذ ما يقارب عشر سنوات، والذي يزداد تصعيدًا هذه الأيام؟ خاصة بعد أن عادت دويلة الإمارات لتفعيل دورها التخريبي، ودعم مرتزقتها، واحتلال الجزر اليمنية، وبناء قواعد عسكرية فيها تلبيةً لرغبات أمريكية وصهيونية، دون أن تجد في المحافظات الجنوبية من يعترض على تصرفاتها كقوة احتلال، بل هناك من يتعاون معها؟ وهل سيتم استيعاب المتغيرات وتفهم حقائق الواقع بعيدًا عن عجرفة السعودية والتعصب الأعمى، الذي لا يؤدي إلا إلى مزيد من الشرور والآثام؟
لقد أظهرت سنوات العدوان معدن الرجال، وأسقطت الأقنعة التي خدعت الشعب اليمني لسنوات، وكشفت العملاء والمرتزقة الذين باعوا أنفسهم لأعداء اليمن مقابل حفنة من الدولارات، في محاولة دنيئة لتمزيق الوطن وتفجيره من الداخل. هؤلاء هم أنفسهم الذين يدعون اليوم أمريكا وأذنابها لغزو اليمن واحتلال صنعاء، ظنًا منهم أنهم قادرون على إسقاط التجربة اليمنية، رغم معرفتهم التامة بأن الفارق بين اليمن وسوريا شاسع كالمشرق والمغرب.
إن القوى الوطنية التي تصدرت مشهد الدفاع عن اليمن وسيادته كشفت زيف العملاء، الذين كانوا دائمًا وراء المؤامرات التي تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي وتقويض الوحدة الوطنية. لكن اليمن اليوم، وبعد كل هذه التضحيات، يستعد لمرحلة جديدة من بناء الدولة الحديثة، وهو ما يتطلب من كل القوى السياسية والشعبية المخلصة الوقوف صفًا واحدًا في مواجهة التآمرات، والتمسك بوحدة الصف الوطني، وعدم السماح لأحد باختراقه أو المساس به، خاصة أن الحقائق باتت واضحة، ولم يعد هناك مجال للمناورات أو المواقف الضبابية.
إن الشعب اليمني، الذي قدّم التضحيات العظيمة في سبيل تحرير قراره السياسي ووضع حد للوصاية الخارجية، من حقه أن يحتفل بإنجازاته، ومن حق قواته المسلحة، التي سطّرت ملاحم البطولة، أن تعلن انتصارها للعالم أجمع، مؤكدةً أنها قادرة على حماية المكتسبات الوطنية. فاليمن سيظل موطن العروبة، وأرض الأنصار، الذين شهد لهم الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، بالإيمان والحكمة.
أما بعض القوى السياسية التي لا تزال تلتزم مواقف ضبابية، فلا تفسير لذلك إلا التذبذب والاضطراب السياسي، في وقت لا يحتمل التردد أو المناورات. ومن المؤسف أن نجد من يحاول شق الصف الوطني، وإثارة النعرات المناطقية والطائفية، في توجه يخدم أعداء اليمن، ولا يعكس إلا إصرار هذه القوى على منع بناء اليمن الجديد.
وفي الختام، فإن القوات المسلحة اليمنية، بعد ما يقارب عقدًا من العدوان، أصبحت اليوم أقوى من أي وقت مضى، وقادرة على الحسم السريع، وإنهاء التساهل مع من لا يفهمون إلا لغة القوة. فالصبر والتسامح كانا خيارًا استراتيجيًا، لكنهما لا يعنيان الضعف، بل يعكسان حكمة القيادة، تأكيدًا لقوله تعالى: “وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” (فصلت: 34).