Herelllllan
herelllllan2

الشهيد القائد في ذكراه السنوية.. شخصية استثنائية ومعالم مشروع عظيم

مما لاشك فيه لدى كل المستقرئين للتاريخ وللواقع الدولي أن التوجه الأمريكي -ما بعد إزاحة الاتحاد السوفيتي وتقويض كيانه الكبير- كان يتجه للسيطرة على العالم الإسلامي عموما و المنطقة العربية على وجه أخص، مع الإشارة إلى أن هناك فارقا كبيرا؛ فالأمريكيون اتجهوا إلى إزاحة الاتحاد السوفيتي آنذاك كندٍ ومنافس لهم على النفوذ في الواقع الدولي، أما التوجه الأمريكي نحو العالم العربي والإسلامي كان له شكل آخر وأهداف أكثر خطورة من إزاحة ند منافس، لأن الواقع العربي والإسلامي في التسعينيات لم يكن في الأصل كيانا قويا ومنافسا وندا لأمريكا.

فعندما اتجهت أمريكا في سياق سياستها المعلنة نحو تعزيز سيطرتها على العالم قاطبة كان تحركها على مراحل متعددة ووفق خطوات مدروسة ومنظمة، وكانت المرحلة التي هي من أخطر المراحل في حلقات مسلسل مؤامراتها هي ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م (حادثتي البرجين في نيويورك).

في هذه المرحلة الخطرة جدا توجهت أمريكا بكل ثقلها وقدراتها وإمكاناتها على نحو غير مسبوق وأتت إلى المنطقة، وتحت غطاء مكافحة الإرهاب تحركت في كل الاتجاهات عسكريا للاحتلال المباشر، وبدأت خطواتها باستهداف أفغانستان وفيما بعد العراق.  وهكذا تحركت بشكل مستمر أمنيا وسياسيا وثقافيا وفكريا وإعلاميا واقتصاديا في كل المجالات ضمن خطط أعدت سلفا، مدروسة بعنايه وتنفذ بشكل دقيق في العالم الاسلامي والمنطقة العربية وبفعل الواقع البئيس والسيئ والمطمع للأعداء تعاطى المجتمع الإسلامي مع التوجه الأمريكي بحالة كبيرة من الإرباك والفشل، ما عدا القليل من أبناء الأمة الذين كانوا على وعي كاف بطبيعة هذا التحرك وبحقيقة هذه المؤامرات.

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م وتزعم أمريكا الحرب على ما يسمى “الإرهاب” كان الغالب والسائد في العالم العربي والإسلامي هو الاضطراب والحيرة والإرباك والخوف، اتجهت فيه معظم الأنظمة نحو الاستسلام والإذعان والرهبة من التحرك الأمريكي، فيما الواقع الشعبي كان واقعا محزنا، فالشعوب العربية مغلوبة على أمرها، مدجنة بفعل سطوة الاستبداد والظلم من حكامها ودولها وسلطاتها الجائرة الفاقدة لحالة الوعى، لا تعيش في واقعها الداخلي حالة المنعة اللازمة والاستعداد الكافي لمواجهة هكذا خطر بهذا المستوى الذي عليه أمريكا بكل قدراتها وخبراتها وتجهيزاتها الهائلة وجهوزيتها العالية ونزعتها الاستعمارية.

 

الشهيد القائد يطلق مشروعه القرآني

وتزامناً مع تلك المرحلة وتلك الظروف أطلق الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضون الله عليه” مشروعه القرآني بدءاً بالتحرك الجاد في الأوساط الشعبية لرفع مستوى الوعي بخطورة المعركة والتحديات التي تواجهها الأمة، وأن المسؤولية تقع على الشعوب نفسها، فهي المعنية بالتصدي للمؤامرات الأمريكية الإسرائيلية ضدها، وليس من المنطقي الانتظار للمواقف الرسمية.

من أبرز أنشطة المشروع القرآني الذي تحرك به الشهيد القائد هو إطلاق الصرخة في وجه المستكبرين، هتاف الحرية والبراءة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام ) وأعلن بذلك انطلاقة المشروع القرآني وذلك في تاريخ 17-1-2002م.

في هذه الأيام تطل علينا الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي (26 رجب) هذا الرجل الذي كان بحقٍ حليف القرآن، ومن القرآن الكريم قدَّم للأمة رؤيةً فريدةً مسددةً، جمعت بين العُمق والوضوح، والمصداقية وسعة الأفق، والفاعلية والتأثير، وكشف بها زيف الأعداء ومكائدهم، ومؤامراتهم، وقدَّم الحل في زمن اللا حل وفي عصر الحيرة، وزرع الأمل في دنيا اليأس وفي زمن الإحباط.

وفي ذكرى الشهيد القائد فإننا نستذكره بكونه شهيداً لمبادئ الحق، فاستهدافه كان استهدافاً لمبادئ الحق التي آمن بها وحملها وبلّغها وناصرها وتحرك على أساسها، وهو شهيد القضية العادلة، التي هي متمثلة في استنهاض الأمة لتقف في وجه الطاغوت والطغيان الذي يستهدفها في دينها وأرضها ومقدساتها ووجودها الحضاري، وهو شهيد المشروع القرآني المقدس، هو بحقٍ شهيد القرآن، القرآن في مقام العمل، القرآن في مقام الاتباع، القرآن في مقام الموقف الذي يرشد إليه ويدل عليه ويوجه إليه.

 

التعريف بالشهيد القائد رضوان الله عليه

         ـ مكان وتاريخ ميلاده:

ولد في شهر شعبان 1379هـ (فبراير 1960م) بمنطقة الرويس بني بحر التابعة لمديرية ساقين بمحافظة صعدة.

نشأ في بيوت العلم، ونهل من معين الحق والهدى، فقد كانت التربية الإيمانية هي أساس تربيته، والهدى النبوي مبدأ تنشئته، بدءاً من التربية العظيمة على يد والده السيد العلامة فقيه القرآن بدر الدين أمير الدين الحوثي -رحمة الله تغشاه-، ولم يًخفِ السيد حسين الدور العظيم لوالده فقد كان يؤكد أن كل ما لديه هو من بركات والده الذي رباه تربية قرآنية.

 

 أبرز ملامح شخصية الشهيد القائد

والحديث عن ملامح شخصية بحجم الشهيد القائد عادة ما يكون دون مستوى هذا القائد والعلم “رضوان الله عليه”، ولذلك سنحاول أن نقتبس أبرز ملامح شخصية الشهيد القائد رضوان الله عليه من خطابات السيد القائد سلام الله عليه، على شكل نقاط  ومنها ما يأتي:

غيرته: تحرك بحمية الإيمان وعزة الإيمان ورحمة جده محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، غيوراً على أمة جده أن تستباح، أن يستباح دمها، أن يستباح عرضها، أن يستباح شرفها، غيورًا على أمة جده أن تُذل وتُسحق وتُقهر وتُستعبد من دون الله.

إباؤه: كان أبياً يأبى الضيم، ويأبى الظلم وحراً، وهذه من القيم التي غابت إلى حدٍ كبير في واقع الأمة، بل أصبحت في تلك المرحلة التي تحرك فيها ثقافة الذل والترويج للذل والترويج للقبول بحالة الهوان.

رجل المرحلة: لقد كان بحق رجل المرحلة، يعي هذه المرحلة التي يمر بها شعبه وتمر بها أمته عموماً، يعيها جيداً يعي خطورتها، يعي ما تتطلبه هذه المرحلة، يعي تداعياتها ويعي ما يجب أن تكون عليه الأمة في مواجهة هذا الواقع وفي الخروج منه، وفي مواجهة تلك التداعيات.

رجل المسؤولية: وكان بحق رجل المسؤولية، يعي مسؤوليته، ومسؤولية الأمة من حوله تجاه هذا الواقع المرير، تجاه هذه المرحلة الخطرة، ويحمل روحية المسؤولية بما تحتاج إليه، من عزم ومن إرادة ومن صدق ومن جد ومن اهتمام ومن وعي ومن إيمان ومن عزيمة.

إيمانه الكامل: كان أمة، أمة من الأخلاق والقيم، رجلاً متكاملاً في إيمانه، في وعيه، في أخلاقه، في سؤدده، في قيمه، وأدرك الواقع. أدرك الواقع على المستوى العالمي، وعلى مستوى واقع الأمة، وأدرك بعمق حجم المأساة التي تعيشها أمته، ويعيشها شعبه، وخطورة الوضع، وخطورة المرحلة.

عالمي النظرة واسع الأفق: كان واسع الأفق، كان عالمي الرؤية والنظرة والاهتمام، فلم ينحصر أبداً اهتمامه أو نظرته أو توجه في محيطه، لا محيطه المذهبي، ولا محيطه الجغرافي، ولا محيطه العشائري، ولا بأي مقياس من المقاييس المحدودة والصغيرة؛ لأنه استنار بالقرآن الكريم، فكان فعلاً عالمياً بعالمية القرآن في رؤيته الواسعة، في اهتمامه الواسع، في نظرته الواسعة، وفي أفقه الواسع.

رحمته بالأمة وتألمه لحال الأمة السيء: هذا الرجل العظيم كان رحيماً بأمته وبشعبه، يتألم ويعاني لكل ألم أو معاناة عندما يشاهد الظلم، عندما يشاهد معاناة الأمة، عندما يشاهد تلك المظالم الفظيعة والوحشية بحق الأمة، سواء في داخل شعبه أو خارج شعبه، فالكل أمة واحدة يجمعها عنوان واحد هو الإسلام، وارتباط واحد وأساس واحد وأرضية واحدة هي الإسلام.

عزته: من القيم الإيمانية والإنسانية التي كان يتحلى بها -وعلى درجة عالية- العزة، فقد كان عزيزاً، وكما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} بإيمانه المتكامل كان عزيزاً وأبياً ، لا يقبل بالذل ولا يقبل بالهوان، ولا يقبل بالقهر، ولا يستسيغ الظلم أبداً. ولا يستسيغ الهوان أبداً.

الوعي والفهم الصحيح: كان أكبر ما يركز عليه هو الوعي، الفهم الصحيح للواقع، الفهم الصحيح للدين، الفهم السليم للدين، الوعي بالواقع بكل ما فيه من أخطار وتحديات، الوعي بالأعداء ومؤامراتهم ومشاريعهم ومكائدهم بكل أشكالها، الوعي بالمسئولية، الوعي بما يجب علينا في مواجهة كل ما يعمله الأعداء. وقدم رؤية أساسية في هذا الجانب وهي أنه لا يمكن أن يصنع للناس وعياً، أي ثقافة أو أي فكر أو أي مشروع كما هو القرآن الكريم.

إنزال الرؤية القرآنية على الواقع: فقرأ الواقع ودخل إلى هذا الواقع بالقرآن، فجعل الرؤية القرآنية على الواقع تشخيصاً وتقييماً وحلاً، وهذا شيء تفرد به في هذا العصر، ولا نعلم هذه الحالة عند أي جهة أخرى في ما اطلعنا عليه ولا في ما سمعناه ولا في ما شاهدناه.

نظرته العميقة للأحداث: كان لديه من النظرة العميقة والتقييم الدقيق والتشخيص لواقع الأمة ومشكلات الأمة والمخرج للأمة من هذا الواقع ما ليس ملموساً لدى الأخرين أبداً. حالة متميزة فعلاً في مستوى العصر وفي مستوى التحديات.

تحرره من كل القيود المذهبية والاجتماعية والطائفية والسياسية والجغرافية: عندما عمل على تقييم هذا الواقع، وعلى قراءة هذا الواقع وإدراكه، قرأه وأدركه بموضوعية تامة، بعيداً عن كل المؤثرات التي أثرت وقزمت نظرة الآخرين وإدراكهم للواقع، كان متحرراً من تلك القيود بكلها فلم ينظر بنظرة ضيقة؛ لأنها محكومة بضيق مذهب، أو بضيق أفق، أو بضيق اعتبارات سياسية أو ما شابه.

ثباته وشجاعته: جسَّد -في واقعه وفي مواقفه وفي ثباته- أخلاق الإسلام وعزة الإيمان واقعاً وسلوكاً، فلقي الله شامخاً ثابتاً، وكان آخر ما قاله وقبل أن يصبوا عليه كل رصاصهم وهو جريح وهو عليل على الأرض: ((اللهم ثبتني بالقول الثابت)).

إحسانه: من تجليات هذا الخلق تحركه بكل ما يستطيع، وتضحيته حتى بالنفس في سبيل الله سبحانه وتعالى، وفي سبيل المستضعفين في مواجهة الظلم الذي يعاني منه الناس، في مواجهة الأخطار التي تحيط بالناس، في مواجهة التضليل للناس، في مواجهة الهجمة الاستكبارية للسيطرة على الناس.

استنهاضه لأمة جده: نادى في أمة جده بنداء الحرية، بنداء العزة، واستنهضها يتلو عليها آيات ربها ويدعوها إلى كتاب الله، يدعوها إلى العودة إلى الله من خلال العودة إلى كتاب الله، العودة العملية الواعية، العودة القائمة على الاهتداء والاتباع، العودة إلى منبع عزها وخلاصها (هدى الله) لاستنقاذ الأمة في هذا العصر كما استنقذها جده في ذلك العصر.

قدم مشروعا عالميا: وكان واسع الأفق، عالمي الرؤية والنظرة والاهتمام، فلم ينحصر أبداً اهتمامه أو نظرته أو توجهه في محيطه، لا محيطه المذهبي، ولا محيطه الجغرافي، ولا محيطه العشائري، ولا بأي مقياس من المقاييس المحدودة والصغيرة؛ لأنه استنار بالقرآن الكريم، فكان فعلاً عالمياً بعالمية القرآن في رؤيته الواسعة، في اهتمامه الواسع، في نظرته الواسعة، وفي أفقه الواسع.

حطم جدار الصمت وكسر حاجز الخوف: مثَلَ بداية حكيمة ودقيقة ومدروسة للدفع بالناس وتحقيق نقلة من واقع الصمت وواقع الاستسلام وواقع الخضوع وحالة اللاموقف، إلى الموقف إلى الكلام إلى التحرك إلى الفعل إلى المسؤولية.

 

من معالم المشروع القرآني ومميزاته

أولاً: المعالم الأساسية:

  • دعوة الأمة إلى القرآن الكريم. من خلال إحياء القرآن في واقع الحياة وإعطائه أولوية، وتقديمه كتابا شاملا في كل مجالات الحياة، تقديمه تبيانا لكل شيء، وأنه الذي سيزهق الباطل، وينقذ الأمة مما هي فيه. فـ(لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
  • تعزيز الثقة بالله سبحانه وتعالى. لأننا “لو وثقنا بالله كما ينبغي لانطلق الناس لا يخشون أحداً إلا الله، لو صدقنا كما ينبغي وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، وعد الله لأوليائه، وعد الله لمن يكونون أنصاراً لدينه.. ما وعدهم به من الخير، والفلاح والنجاح والسعادة والعزة والكرامة والقوة في الدنيا، وما وعدهم به في الآخرة من رضوان، من جنات عدن.. لو صدقنا بذلك كما ينبغي لما رغبنا في أحد، ولما رهبنا من أحد، لكانت كل رغبتنا في الله، وفي ما عنده، وفي رضاه، وكل رهبتنا من الله ومن وعيده وغضبه وعقابه”.
  • إحياء الروحية الجهادية. هذه الأمة تحتاج إلى أن تحمل الروحية الجهادية، لتستطيع الدفاع عن نفسها ومبادئها ومقدساتها وعرضها وأرضها ووجودها الحضاري، وإلا ستبقى أمة عاجزة، يعمل بها أعداؤها ما يشاؤون.
  • رفع الشعار كسلاح وموقف. لمواجهة قوى الاستكبار أمريكا و”إسرائيل”، خاصة وأن العدو في هذه المرحلة يستهدف الركائز الأساسية للأمة باستهدافه القرآن الكريم، والإساءة للرسول صلوات الله عليه وعلى آله، وطمس اللغة العربية.
  • المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية. لأن المواجهة في هذه المرحلة أصبحت مواجهة شاملة في كل مجالات الحياة، وبالذات في الجانب الاقتصادي.
  • تصحيح المفاهيم الثقافية المغلوطة. من خلال نقد الثقافات المغلوطة والعقائد الباطلة وبيان آثارها السيئة في ضرب هذه الأمة. وتقديم الرؤى البديلة من كتاب الله.
  • إحياء الشعور بالمسؤولية. إحياء الشعور بالمسؤولية في واقع الأمة، تذكير الأمة بمسؤوليتها، وتبصيرها بخطورة التفريط فيها، وما لذلك من تبعات الذل والهوان والقهر في الدنيا، وفي الآخرة جهنم والعياذ بالله.

 

ثانياً: مميزات المشروع القرآني

يتميز هذا المشروع القرآني الذي تحرك به الشهيد القائد، وقدمه للأمة في قالب متكامل وبشكل منهجي بالعديد من المميّزات والمواصفات التي اتصف بها، نستخلص بعضها من وحي محاضرات السيد القائد -يحفظه الله- في معرض حديثه عن المسيرة الجهادية للسيد الشهيد القائد -رضوان الله عليه- ونذكر منها:

  • محورية النص القرآني. فالرؤية التي قدمها رؤية متميزة بالنص القرآني كمحور أساسي، فالكثير ممن سبقوه قد تحدث بالنص القرآني، والكثير قد قدم النص القرآني، لكن إما كشاهد وإما في إطار هامشي. لكن الشهيد القائد قدم النص القرآني وانطلق من هديه إلى أرض الواقع بعد أن قيّم وشخّص وحدد الموقف الذي يجب اتخاذه على ضوء النص القرآني.

هذا النوع من التقديم (المواءمة وتقديم الموقف على ضوء النص القرآني) يعد حالة متميزة لم يسبق لها مثيل، حيث أبرز عظمة القرآن ومدى قدرة القرآن الكريم على مواكبة التغييرات، وأثبت أن بالإمكان. -بل من الواجب- الاعتماد على القرآن الكريم، وأن فيه الحلول الناجحة، والرؤى الشاملة، فهو كتاب الله وفيه الهدى لكل مرحلة ولكل زمان ومكان

  • التحرك العملي بالقرآن الكريم ضمن الوظيفة الأساسية للقرآن الكريم.

حيث أكد أنه لا يصح ولا يجوز تغييب القرآن الكريم عن الواقع خاصة في ظل الصراع مع أعداء الأمة، فكتاب الله سبحانه وتعالى كتاب يرتبط بالواقع في وقتٍ الأمة الإسلامية فيه بحاجة للعودة إلى كتاب الله، وواقع الأمة يشهد بأنه يتم تغييب التثقف بثقافة القرآن الكريم في كثير من الرؤى والأطروحات، فالكثير منها -مع الأسف- يأتي من قِبل الأعداء أنفسهم.

لذا فإن تحركه -رضوان الله عليه- بالقرآن وبثقافة القرآن ليلامس واقع الأمة بطريقة سلسة ورؤية عميقة، وقدّم القرآن ليقدّم الحل، ويحدد الموقف بخطاب واضح وبيّن.

  • مبدأ حاكمية القرآن. مبدأ حاكمية القرآن مبدأ أرسى قواعده الشهيد القائد، من خلال الواقع الذي تعيشه الأمة. رأى أن النص القرآني محكوم بإيديولوجيات ثقافية أخرى ورؤى لا تنسجم مع ما شرعه الله، فالبعض للأسف يتعاطى مع النص القرآني تعاطيا محكوما بثقافته الضيقة فيحاول التأثير على النص القرآني وتحريفه بما يتوافق مع مذهبه وفكره.

لذا فإن الشهيد القائد أسس مبدأ حاكمية القرآن وجعل ثقافة القرآن فوق كل ثقافة، وأنه يجب أن نعلم الآخرين كيف يتعاملون مع القرآن، وأن نجعل ثقافة القرآن فوق كل ثقافة وفوق كل فكر.

  • ارتباط القرآن بقيومية الله الحي القيوم. فالقرآن الكريم كتاب الله ملك السماوات والأرض وقوله “إن وراء القرآن مَن نزّل القرآن” يعني أن نعود إلى الله لأن من أنزل القرآن هو الله سبحانه وتعالى، الملك الحي القيوم والمدبّر لشؤون الخلائق كلها؛ وبالتالي فهو سبحانه وتعالى من رسم لنا في كتابه الكريم المسار العملي الذي يجب أن نتحرك فيه عبيداً لله؛ وهو من وعدنا بالنصر والعزة والكرامة، لذا يجب أن نكون على يقين وثقة بالله وأنه معنا ما دمنا نستشعر معيّته. وما دمنا نتحرك على أساس هذا القرآن. كما أنه في المقابل قد قدّم الوعيد الشديد لمن لا يتحرك على أساسه أو يعارض هذا الهدي. فكتاب الله مرتبط بقيومية الله سبحانه وتعالى (ولله عاقبة الأمور).
  • الشمولية وتكامل الهدي القرآني. أنزله الله للاتباع وللتمسك به منهجا للسير على أساسه “يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام” وما يترتب على ذلك من السعادة والفلاح في الدنيا، والنجاة والفوز في الآخرة.
  • مشروع تصحيحي. أطلق رضوان الله عليه رؤيته التصحيحية لما رأى من واقع الأمة وبعدها عن الهدي القرآني فنادى بالتصحيح الثقافي كخطوة أولى، فلا يمكن التغيير لواقع الأمة إلا بتصحيح الواقع الثقافي، فالواقع الذي نعيشه في إطار المجتمعات الإسلامية نتيجة لخلل في تلك الثقافات والقناعات والرؤى المغلوطة التي تترك أثرها على كافة مناحي الحياة.

فعملية التغيير يجب أن تبدأ بالتغيير الثقافي من منطلق قوله سبحانه وتعالى “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” وكلما صُحِّح الفكر والثقافة صُحِّح الواقع، وعلى هذا الأساس فإن أعظم وأصدق ما يمكن الاعتماد عليه كمنهج لتصحيح الثقافة والفكر هو القرآن الكريم الذي له الحاكمية حيث وهو كتاب الله سبحانه وتعالى.

وقد وضح الشهيد القائد العديد من المفاهيم الخاطئة وفنّد الثقافات المغلوطة في العديد من المذاهب المختلفة -حتى في أوساط المذهب الزيدي- منطلقا من أساس قرآني بهدف التغيير، وبهدف إصلاح الوضع السيء الذي تعيشه الأمة.

  • مشروع تنويري. فهو يقدم وعيا، ويصنع وعيا عاليا تجاه المسؤولية، يقدم وعيا بالأحداث والمتغيرات، لأنّه مستمد من القرآن الكريم الذي هو كتاب نور وهدى، كتاب يمنحك البصيرة، كتاب يرشدك إلى الموقف الحق، ويعطيك القدرة على التقييم الدقيق للمواقف والمتغيرات والأحداث “قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين”. فهذا مشروع توعوي يقدم قراءة واقعية للأحداث والمتغيرات.
  • مشروع أخلاقي قيَمي. مشروع المسيرة القرآنية مشروع أخلاقي قيمي يهدف إلى إعادة الأمة إلى قيمها وأخلاقها، لأن أهم ما يستهدفه العدو هو الأمة في أخلاقها، في قيمها، والواقع يشهد بذلك؛ فالأمة تعيش مرحلة خطيرة تتراجع فيها القيم والأخلاق باستهداف مباشر ومعلن من العدو لكل القيم والمثل والأخلاق والمبادئ. والعمل على محو هوية الأمة هدف للمستعمر، لطمس كل معالم الأخلاق والقيم في نفوس أبناء هذه الأمة، لذا كان لابد من العودة بالأمة إلى الاعتزاز بالقيم والأخلاق والمحافظة عليها.
  • مشروع نهضوي. يترتب عليه تحريك الأمة والعمل على فاعلية الأمة، ونقلها من حالة الركود والقعود إلى حالة التحرك، وقدم فيه المقومات اللازمة لانتشال الأمة من واقع التخلف، والعمل على النهوض بالأمة في كل جوانب الحياة، وفي هذا المشروع مساحة واسعة تحدث فيها الشهيد القائد عن أهم مقومات النهوض بالأمة.
  • مشروع واقعي. فهو مشروع يمكن تحقيقه على أرض الواقع، وليس بعيدا عن أرض الواقع، بل انطلق من الواقع ليلامس احتياجات الواقع ومتطلبات المرحلة، حيث أنه يلامس الواقع ويقدره ويرسم معالم واقعية يمكن للأمة -من خلاله- أن تغيّر واقعها خطوة بخطوة حيث اعتمد مسارين لتحقيق أهداف هذا المشروع بواقعية:

المسار الأول: مسار مواكب للمستجدات والأحداث. وهذا المسار مسار مرحلي للمواكبة لكل المتغيرات والأحداث الطارئة وتعديل الواقع نحو الأفضل بالتدرج على أساس واقعي ممكن التحقق.

المسار الثاني: مسار البناء. وهذا المسار مسار مستدام لتأسيس كل مقومات النهوض بالأمة وانتشالها من واقعها السيئ نحو الأفضل، والانتقال بها إلى مصاف القيادة والريادة على أسس علمية بعيدا عن كل أخطاء الماضي واختلالاته.

  • مشروع حضاري وبنّاء. فالشهيد القائد رضوان الله عليه قدّم القرآن الكريم على أنه يحوي في تعاليمه كل مقومات الحضارة، ويجب الرجوع إلى كتاب الله بخلاف ما نراه من الكثير من سياسات تؤيد فصل الدين عن الحياة وكأنه لا صلة له بالحياة، ولا قيمة له، ولا أثر، لأن هذا التوجه -فصل الدين عن الحياة- من أهم ما يحاول العدو ترسيخه بتقديم القرآن أنه مجرد حالة روحية يعيشها الإنسان مع الله بعيدا عن الواقع وعن الحياة، وهذا مفهوم خاطئ، فالله الذي خلقنا هو من يرسم لنا أدوارنا في الحياة الذي هو دور حضاري بكل ما تعنيه الكلمة “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” فالله سبحانه وتعالى استخلف الإنسان في الأرض ليعمرها وليستخرج خيراتها على أساسٍ من هدى الله في إطار مشروع حضاري هادف.
  • استباقية الرؤية ومصداقيتها. فأحاديث الشهيد القائد ومحاضراته عن طبيعة المؤامرات والمكائد التي تتعرض لها الأمة الإسلامية تؤكد مدى استباقية رؤيته الثاقبة ونظرته البعيدة وواقعنا اليوم بعد قرابة عقدين من الزمان، يشهد بمصداقية تلك الرؤية ودقتها في توصيف تلك المؤامرات والمكائد، فعلى سبيل المثال ملزمة (خطر دخول أمريكا اليمن) وما ذكر فيها عن الذرائع التي تتخذها أمريكا لضرب الأمة، وتواطؤ الحكام معها في ضرب الأمة.

كما تطرق إلى الحديث في ثنايا ملازم أخرى عن فلسطين وتزايد الخطر على المقدسات الإسلامية بشكل كبير ومتقدم، وتزايد نشاط الاستيطان، وتحدث عن تراجع الدور العربي لدرجة شعور الفلسطيني بالخذلان، وتطرق إلى الحديث عن سوريا واليمن وليبيا ومصر وأفغانستان وإيران ونيجيريا وبورما.

كما أن التحذيرات التي كان يطلقها الشهيد القائد على المستوى المحلي في اليمن نجد الكثير منها تحققت في وقت كان البعض يسخر ويتساءل “أين هي أمريكا في اليمن؟!” وها نحن نجد الكثير من تلك الانتهاكات تحققت سواء في المجال الاستخباراتي أو العسكري، أو السياسي أو الاقتصادي أو الصحي… الخ.

 

قوة المشروع

وتأتي قوة هذا المشروع من كونه مشروع حق مرتبط بالله سبحانه وتعالى، مشروعا مرتبطا منطلقا بالتوكل على الله، شروعا مبنيا على مبدأ الثقة بالله، إضافة إلى أن هذا المشروع انطلق في إطار الشعور بالمسؤولية، فهو لا يعتمد على كيانات محددة ولا مبني على كاهل أفراد دون غيرهم. فالمسؤولية فيه جماعية، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الأمة كلها وليست على جهة دون أخرى أو فئة دون غيرها.

وبناء على ما قدمه الشهيد القائد من أسس ومبادئ للمشروع القرآني الذي أصل له قواعده، وحدد أركانه بطريقة تكاملية وبنى قواعده بمنهجية لا لبس فيها تشهد بذلك الإنجازات النوعية التي صنعها في مجالات متعددة بوسائل وأساليب مقنعة وواضحة يفهمها العامة قبل الخاصة، وبلغة بسيطة لا تكلّف فيها ولا تصنّع، في شكل محاضرات تضمنت أسس المشروع في فترة قياسية تحت ضغط وإرهاب مارسته السلطة ضده في المقام الأول وضد كل من يحاول الاستماع لكلمة منه أو حضور محاضرة له.

إلا أن ذلك لم يمنعه من استكمال ذلك المنهج وتأطير الأسس العامة لتلك الرؤى ونقلها وتوضيحها وإبلاغ الناس بها بأبسط الوسائل (الملازم) فوثقها في تسجيلات صوتية (أشرطة كاسيت) وقدمها للمجتمع على شكل ملازم إتماماً للحجة في الإبلاغ للهدي القرآني ونشراً للثقافة القرآنية بكل بساطة وبكل سلاسة بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الأبهة الجوفاء، فقد كان رهانه على الله أولا ثم على الجودة والصحة والقوة في ما يقدمه. ولم تمنعه قلة الإمكانات المادية، ولم تحجزه عن مواصلة مساره تهديدات السلطة فواصل المسار وثبت في كل الظروف واستمر رغم كل المعوقات حتى اختتم مسار جهاده في سبيل الله بالتضحية بنفسه، وعمّد بنيان المسيرة القرآنية بدمه الطاهر الشريف رضوان الله عليه.

 

الدروس والمبادئ المستوحاة من ذكرى استشهاده

مما لا شك فيه أن استذكار مثل هذه الفاجعة التي أسفرت عن استشهاد شخصية عظيمة بقدر وعظمة ما حمله من فكر، وما أسس له من مبادئ قرآنية، وأسس إيمانية استقاها من نبع كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن هدي آل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله، يجعلنا على يقين بأن له أثرا كبيرا على أعداء الأمة.

فاستهداف الشهيد القائد هو استهداف لمبادئ الحق التي حملها، فكان شهيد كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، كيف لا وهو من قال في محاضرة ((اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا)):

“ونحن نقول: مهما كانت الوعود، مهما حاولوا أن نصمت فلن نصمت، أليس كذلك؟ وإذا ما صمتنا، وإذا ما صمتنا, إذا ما صمتنا شهدنا على أنفسنا بأننا من المعرضين عن كتاب الله الذي قال لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14) أفلا نكون من أنصار الله ولو بكلمة؟! سننصر دين الله، وإذا لم ننصر الله ودينه أمام اليهود، في مواجهة اليهود فأمام من ننصره؟! أمام من ننصره؟! إذا سكتنا في أوضاع كهذه فمتى سنتكلم؟ متى سنتكلم إذا سكتنا وهناك من يأمرنا بالصمت؟ سنتكلم، ويجب أن نكرر دائما شعار: [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام] في كل جمعة وفي كل اجتماع”.

فلم يصمت ولم ينهزم، وتحرك بدافع المسؤولية في زمن تكميم الأفواه، ورفع صرخة الحق في وجه المستكبرين معلنا عداءه ومحددا موقفه من طواغيت العصر في شعار الصرخة (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

ونحن بدورنا يجب أن نستلهم من هذه الذكرى مبادئ ثورة الحسين والتي نذكر منها ما يلي:

  • أن نخشى الله فوق كل شيء.
  • ألا نخشى الطغيان ورموزه مهما كانت قوتها.
  • أن نتحرك مهما كانت الظروف.
  • ألا تأخذنا في الله لومة لائم.
  • أن نأنس بالحق وإن قلَّ أتباعه.
  • ألا يردنا عن الحق والوقوف في صف الحق أي شيء من مخاوف أو أخطار.
  • أن نمقت الباطل وأهل الباطل ونستوحشه.
  • أن نتثقف بثقافة القرآن في مرحلة هجرت الأمة القرآن وابتعدت عنه.

ولهذا يبقى الشهيد القائد مدرسة قرآنية عظيمة بعظمة الإنجاز الذي حققه الشهيد القائد، عظيمة بعظمة المشروع الذي حمله ودعا إليه حيث ثبّت على أرض الواقع المشروع القرآني، وقدمه واقعا عمليا، ولم يقدمه كرؤية تكتب للدراسة، أو مناهج تباع للتداول.

فهو مشروع يمكن تحققه على أرض الواقع، قدمه وتحرك به مشروعا عمليا أحدث تغييرا، وزلزل به الواقع، حيث بدأ بالتغيير في واقع النفوس، وبنى أمة تتحرك على أساسه.

 

  • نقلا عن موقع أنصار الله
You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com