التوفيق الإلهي بين النجاح والخسران في مسيرة الإنسان
محمد الفرح *
عندما نقول إن الخيار الذي اتخذه اليمن في إسناد غزة كان بتوفيق الله، فإننا ننطلق من سنة إلهية ثابتة مفادها أن مسيرة الحياة عبارة عن مراحل يخضع الإنسان فيها للاختبار، ونتيجته في كل مرحلة تضعك بين خيارين: إما السخط الإلهي أو التوفيق الإلهي، يقابل ذلك خبيثًا أو طيبًا، كما قال تعالى: (مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْـمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).
إذا كنت مسنودًا بمعونة الله وهدايته وتوفيقه، فأنت ستتجاوز كل مرحلة بنجاح، وتدخل إلى مرحلة أخرى تختبر فيها وتتجاوزها بنجاح، وهكذا حتى تلقى الله. وهي مراحل ارتقاء تحوز فيها رصيدًا تراكميًا إيمانيًا يجعلك قريبًا من الله. يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
وإن كنت في دائرة سخط الله، تنتقل من مرحلة لأخرى بضلال وعمى حتى تلقى الله، وفيها يجمع الإنسان رصيدًا تراكميًا سلبيًا في كل مرحلة، نتيجته تبعدك عن الله وألطافه أكثر حتى تلقاه وأنت منحرفًا وخاسرًا.
علامات نجاحك وخسارتك تظهر مؤشراتها ودلالاتها هنا في الحياة من خلال المواقف الصحيحة التي وقفتَها ووفقك الله لها، ومن خلال الأعمال التي قمت بها دون أن تحبطها أو يشوبها خلل نفسي أو عملي. لأن البعض يوفقه الله إلى مرحلة معينة، فتدخل الكثير من المؤثرات أو الشبهات التي تؤثر على إيمانه ونشاطه، فتصرفه عن هداية الله، بالتالي يتعثر في منتصف الطريق، والبعض يسقط في بداية المشوار، والبعض يحتفظ بخلل إيماني أو فكري يظهر عند أي اختبار ولو في نهاية العمر، فيتعرض الإنسان للزيغ. قال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ).
أما أسباب التوفيق فتتمثل في الارتباط الوثيق بالله وفق رؤية صحيحة، ليس ارتباطًا أعمى أو ارتباطًا وفق عقائد باطلة أو ارتباطًا قاصرًا. ويدخل ضمن ذلك الدعاء بالتوفيق والهداية والثبات، كما في قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). إضافة إلى الارتباط بهدى الله ارتباطًا سليمًا وصحيحًا، يرتبط بالقرآن ليس من الناحية الفنية والتجويدية فحسب، بل ارتباطًا عمليًا وفق رؤية القرآن وسنة الله في الهداية.
فضلاً عن أهمية الالتزام العبادي ومراجعة هدى الله والذكر لله والاستغفار، الذي يساعد في تزكية النفس ويحصّنها من الانحراف والسقوط السلبي، ويهيئها للقيام بالمسؤولية وأن تحظى بتوفيق الله وتثبيته وتسديده.
نسأل الله أن يوفقنا ويثبت أقدامنا وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، كما جاء في قوله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).
* عضو المكتب السياسي لأنصار الله