القبيلة اليمنية حضورُها مشرّف عبر التاريخ
القاضي/ علي يحيى عبد المغني
تُعرف القبيلة اليمنية بأنها كيانٌ منظمٌ، تحكمه أعراف وأسلاف؛ تعتبر كصورةٍ أوليةٍ عن القوانين الوضعية المعروفة اليوم، وقد كشفت كُـلّ النقوش اليمنية القديمة، جزءًا من هذه الأعراف التي غطت كافة جوانب الحياة الأمنية والعسكرية والإدارة والقضاء، والزراعة والتجارة.. وغيرها.
ولا تزال القبيلة اليمنية تحتفظ بهذه الأعراف والأسلاف وتمارسها حتى اليوم، إذ لم تكن قبائل فوضوية تعيش في الصحراء، أَو تتقاتل فيما بينها إلا في مراحل متأخرة من العصر الجاهلي، بل كانت القبيلة اليمنية تمتلك نظامًا خاصًّا بالحكم يبدأ من الملك وينتهي بشيخ العزلة والقرية، وكانت ديانة أبنائها قبل الإسلام هي الديانة التوحيد “الإبراهيمية” قبل أن تفرضَ عليهم الديانة اليهودية في عهد الملك “ذو نواس” أواخر الدولة الحميرية.
ومن يقرأ النقوش القديمة المكتوبة بخط “المسند” سيجد أن اليمنيين عرفوا الصلاة والزكاة والحج قبل أن تشرع في الإسلام، ولذلك حينما اقتربت بعثة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله، هاجرت قبيلتان يمنيتان هما “الأوس والخزرج” من اليمن إلى المدينة المنورة “يثرب” سابقًا، لمناصرته عند ظهوره، وهذا ما حدث فعلاً، فهما القبيلتان العربيتان الوحيدتان اللتان ناصرتا رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، بداية ظهور الإسلام.
ومع انتشار الإسلام أرسل رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله، الإمام علي عليه السلام؛ إلى اليمن لدعوتهم إلى الإسلام، فاستجابت له كافة القبائل اليمنية، وظلت علاقتها بالإمام علي عليه السلام خَاصَّة؛ وذريته من بعده، قوية ومتينة وراسخة لقرونٍ طويلة، وهناك قبائل يمنية كثيرة ذكرها الإمام علي عليه السلام في شعره ونثره ومنها (همدان وأرحب وخولان) وغيرها.
حينما بدأ الإسلام يتوسع انطلق أبناء القبائل اليمنية بأعدادٍ كبيرةٍ في الفتوحات الإسلامية، واستوطنوا الكثير من الأمصار والبلدان التي فتحوها، ولذلك لا نجد بلدًا من البلدان أَو شعبًا من الشعوب العربية والإسلامية إلا وفيها قبائل تعود أصولها إلى اليمن، وحينما انحرف “بنو أمية وبنو العباس” بالخلافة الإسلامية وحولوها إلى وراثة ملكية استقلت اليمن عنها قبل غيرها من البلدان الأُخرى.
وفي نهاية القرن الثاني الهجري تقريبًا ذهبت بعض القبائل اليمنية إلى المدنية المنورة، وبايعت الإمام “الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام”؛ على السمع والطاعة، وكان أول إمامٍ من أئمة أهل البيت عليهم السلام يحكم اليمن، وكان نظام الحكم في اليمن يقوم على مبدأ الرأي والمشورة، فمن تتوفر فيه شروط الحكم (الإمامة)، ويجمع عليه أهل الحل والعقد من العلماء والمشايخ والوجهاء؛ هو من يحكم اليمن.
كما تعتبر اليمن أول بلدٍ عربي عرف نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، فكل قبيلةٍ هي من تدير شؤنها، وتحفظ أمنها، وتحل خلافاتها، يرأسها شيخ من أبنائها كان المسؤول عنها أمام الحكومة في صنعاء المعنية بالشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، وحينما كانت تضعف الحكومة أَو تتعرض صنعاء لتهديدات خارجية كانت القبيلة اليمنية هي من تتصدر المواجهة، لذلك لم يتمكّن أي غازٍ أَو معتدٍ من احتلالها عبر التاريخ.
وكونها تملك ما تملكه الدولة من المقاتلين والسلاح وغيره، لم تضعف القبيلة اليمنية إلا من خلال النظام السابق الذي أوجد الخلافات والأحقاد وأجج الثارات بين كافة القبائل، ليتمكّن من السيطرة عليها، وإخضاعها للقوى الإقليمية والدولية، لكن ومع قيام ثورة الـ 21 من سبتمبر، ظهرت قيادة ثورية وطنية مخلصة ألتفت حولها كافة القبائل اليمنية، ووقفت إلى جانبها للدفاع عن اليمن، ضد قوى تحالف العدوان الإقليمي والدولي.
هُنا قدمت القبيلة اليمنية خيرة أبنائها شهداء في سبيل الله، وقدمت القوافل الكبيرة والكثيرة من المال والرجال على مدى عشر سنوات، فمنذُ سقوط حكومة الانبطاح والعمالة في صنعاء في سبتمبر 2014م، ومع بداية العدوان السعوأمريكي 2015م، وانهيار المنظومة العسكرية والأمنية، والتحاق أغلب القيادات السابقة “سياسية وحزبية وعسكرية وأمنية” وغيرها، إلى مربع العدوان، لم يتبق للدفاع عن اليمن سوى القبيلة اليمنية، التي انتصرت للأرض اليمنية، وانتصرت لمشروع ثورة الـ 21 من سبتمبر، وانتصر الجيش واللجان الشعبيّة، وانتصر الشعب اليمني كافة؛ رغم التضحيات الكبيرة.
اليوم؛ ها هي القبيلة اليمنية تؤكّـد مجدّدًا جهوزيتها العالية للدفاع عن اليمن والوقوف بحزم ضد الأطماع الأمريكية والصهيونية وأدواتهم المحلية، وتستعرض جزءًا بسيطًا من قوتها البشرية والعسكرية خلال وقفاتها وتظاهراتها الشعبيّة المسلحة التي نفذتها وتنفذها خلال معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”.
وهذا ما جعل قائد الثورة يحفظه الله؛ يثني على القبيلة اليمنية، مشيدًا بدورها وجهوزيتها العالية، خلال خطابه الأخير الخميس الماضي، والموجه لكافة الشعوب العربية والإسلامية، والذي يدعوها فيه للالتحاق بركب أبناء القبائل اليمنية، والقيام بدروها وواجبها في نصرة القضية الفلسطينية، ورفع الظلم والمعاناة الذي حَـلّ بسكان قطاع غزة، حتى لا تتعرض لما تعرض له الشعب الفلسطيني، فالعدوّ لن يردعه ويوقفه عند حده إلا الجهاد في سبيل الله.
* أمين عام مجلس الشورى