تحول استراتيجي في معادلة الردع.. اليمن يكسر الهيمنة الصهيوأمريكية
مرَّ عام كامل منذ أن دشنت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة عدوانًا مباشراً على الجمهورية اليمنية، والذي بدأ في 12 يناير 2024م.. هذا العدوان -الذي وصفه الرئيس اليمني مهدي المشاط بأنه “غير مبرر وغير مشروع”- جاء في سياق إسناد العدو الإسرائيلي لمواصلة مجازره ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مستهدفاً الشعب اليمني الذي أعلن موقفه الصريح في التصدي لجرائم الاحتلال، و الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية.
الشعب اليمني، رغم التحديات العسكرية والاقتصادية والسياسية، سجل عاماً من الصمود والانتصار، وأظهر التلاحم بين الشعب وقواته المسلحة إنجازات غير مسبوقة في تاريخ المواجهات مع القوى العظمى، حيث استطاعت القوات المسلحة اليمنية فرض حصار ناجح على الملاحة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، وإخراج حاملات الطائرات الأمريكية عن الخدمة العسكرية الفاعلة.
تصعيد وصعود يمني لافت
مرت جبهة إسناد اليمن لغزة -حتى الآن- بخمس مراحل تصعيد، بدأت الأولى باستهداف السفن المرتبطة بـ”إسرائيل”، منذ 19 نوفمبر/ 2023. وفي المرحلة الثانية من التصعيد، دخلت السفن الأمريكية والبريطانية ضمن بنك الأهداف عقب قيام الجيش الأمريكي والبريطاني بشن ضربات صاروخية وغارات جوية على أهداف في اليمن منذ 12 يناير 2024. وفي مارس2024م أعلنت القوات المسلحة اليمنية بدء المرحلة الثالثة من التصعيد من خلال استهداف سفن العدو في المحيط الهندي. وفي مايو 2024م تم الإعلان عن بدء المرحلة الرابعة من التصعيد من خلال توسيع منطقة عملية الاستهداف لتشمل البحر الأبيض المتوسط واستهداف السفن التي سبق لشركاتها الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة. وفي يوليو دشنت القوات المسلحة اليمنية المرحلة الخامسة من التصعيد باستهداف مدينة يافا “تل أبيب” بطائرة مسيرة نوعية في 19 يونيو2024م حملت اسم (يافا)، ومن ثم بصاروخ فرط صوتي اخترق كافة منظومات الدفاع الإسرائيلية في 15 سبتمبر 2024م وهو ما شكل منعطفًا مهمًا في دور جبهة إسناد اليمن لغزة وفلسطين.
وفي الزمن الذي كانت فيه قوى الاستكبار العالمي -خصوصا ثلاثي الشر ( أمريكا – بريطانيا – إسرائيل)- تراهن على كسر إرادة شعوب امتنا، برز اليمن قوةً عسكرية جديدة في المنطقة، محطّماً التوقعات ومستعرضاً قدراته العسكرية المتقدمة في وجه أعتى الجيوش العالمية والتحالفات العدوانية. ما شهده العالم خلال العام الماضي من تطور في المنظومة الدفاعية والهجومية للقوات المسلحة اليمنية لم يكن مجرد إنجاز عابر، بل تحول جذري في معادلة القوة والاستراتيجيات العسكرية في المنطقة.
تحول استراتيجي في معادلة الردع
استطاع اليمن، رغم سنوات الحصار والقصف المستمر، أن يطور منظومات دفاعية وهجومية متقدمة قادرة على تحييد طائرات الاستطلاع والهجوم الحديثة وإسقاطها، وصولاً إلى استهداف العمق الإسرائيلي بعمليات نوعية دقيقة. ما كان يُعتقد أنه مستحيل تحقّق عندما تجاوزت الطائرات اليمنية المسيّرة والصواريخ الباليستية المتطورة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، محققة إصابات مباشرة في أهداف حساسة لا تزال تداعياتها تهز الداخل الصهيوني.
و على الرغم من أن منظومات الدفاع الصهيونية مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” هي الأكثر تطورا وتشكل حائط صد منيع ضد أي تهديد، إلا أن عمليات الاستهداف الدقيقة التي نفذتها القوات اليمنية برهنت على ضعف هذه المنظومات أمام التكنولوجيا العسكرية الجديدة التي طوّرها اليمنيون بأنفسهم، منها صاروخ فلسطين٢ الفرط صوتي. ولم يكن تجاوز هذه الدفاعات مجرد نجاح تقني فحسب، بل رسالة استراتيجية مفادها أن الكيان الصهيوني لم يعد بمنأى عن الردع والمواجهة.
استهداف حاملات الطائرات الأمريكية
في زمن كانت فيه البحرية الأمريكية ومدمراتها وحاملات طائراتها تجوب البحار والمحيطات لترهب العالم وتفرض هيمنتها بلا رادع، وقف اليمن برجاله وقواته المسلحة ليغير معادلات القوة. لم يكن أحد يجرؤ حتى على التفكير بمواجهة تلك الآلة العسكرية الضخمة التي ظلت لعقود رمزاً للهيمنة والغطرسة الدولية.
ولكن عندما ارتفعت راية السيادة اليمنية، وأعلنت صنعاء موقفها الثابت في وجه العدوان والاستكبار، تحطمت كل أوهام التفوق تحت ضربات قواتٍ لا يؤمن رجالها إلا بالنصر أو الشهادة. مواجهةٌ تاريخية صنعت فصلاً جديداً من التحدي والصمود، لتثبت للعالم أجمع أن الإرادة الحرة أقوى من أي بارجة، وأن الشعب الذي يذود عن أرضه لا تقهره أساطيل ولا تخضعه حاملات طائرات.
لقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية من إجبار البحرية الأمريكية على إعادة حساباتها الاستراتيجية والانكفاء بعيداً عن المياه الإقليمية اليمنية. ومن مظاهر الفشل الأمريكي: فرار حاملات الطائرات الأمريكية من ميدان المعركة البحرية مع اليمنيين، وسقوط طائرة F/A-18 بفعل الهجمات اليمنية.
وقد عبر قائد الأسطول الخامس الأمريكي لمركز الدراسات الأميركي “CSIS بقوله: ” لا يوجد قوة في العالم تستطيع وقف هجمات اليمنيين سوى اليمنيين أنفسهم، لقد عملنا على تقليل قدراتهم، وإيقافهم ولكننا لم ننجح في ذلك”.
ورغم امتلاك الولايات المتحدة وحلفائها قدرات بحرية متطورة، فقد فشلت في اعتراض الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة اليمنية التي وصلت إلى العمق الإسرائيلي واستهدفت قطعا بحرية أمريكية، وتحول العدوان على اليمن إلى فرصة لتطوير أسلحته، حيث أصبح يمتلك صواريخ فعالة وأسلحة نوعية تفوق ما تمتلكه دول كبرى.
نائب أمريكي سابق يعترف بفشل أمريكا في محاربة اليمنيين لفك الحضر على الكيان رغم إنفاقها مليار دولار في معركتها البحرية الفاشلة، وأن اليمنيين الذين لم يكونوا بنفس حجم القوات البحرية الأمريكية والبريطانية القوية، جعلوا جهود هاتين الدولتين تذهب سدى!
تفوق تكنولوجي وإبداع عسكري يمني
ما يميز الإنجازات العسكرية اليمنية ليس فقط قوتها التدميرية بل طبيعة التكنولوجيا المستخدمة، والتي تعتمد بشكل كبير على التصنيع المحلي والابتكار الذاتي. استطاعت القوات اليمنية تطوير طائرات مسيّرة بعيدة المدى وصواريخ دقيقة الإصابة قادرة على المناورة والاختراق، الأمر الذي أثار دهشة الخبراء العسكريين حول العالم.
الصواريخ الفرط صوتية والبالستيّة والمسيرات والزواق المتطورة نتاج تطوير مستمر في التصنيع العسكري اليمني الذي وجهه اليمن انتصارا للمظلومين في غزة والذي تجاوز بتسديد من الله دفاعات العدو وجدرانه الدفاعية الخمسة ووصل لأهدافه بدقة عالية.
فما حققه اليمن اليوم يعيد رسم الخارطة العسكرية والسياسية في المنطقة، فارضًا نفسه قوةً إقليمية صاعدة لا يمكن تجاهلها. لم تعد الأجواء والمياه حكراً على القوى الكبرى، بل أصبحت ساحة مفتوحة للمقاومة اليمنية التي أثبتت قدرتها على تحقيق المستحيل وفرض معادلات جديدة تجعل من اليمن نموذجًا للثبات والانتصار في وجه العدوان.
مخاوف صهيونية من الفشل في ردع اليمن
وعلى وقع الفشل الأمريكي البريطاني في إيقاف العمليات اليمنية، وزيادة وتيرتها مع كل عملية قصف على اليمن أبدت الأوساط الإسرائيلية قلقًا متزايدًا من فشل العدوان المشترك مع الأميركيين والبريطانيين ضد اليمن، داعية إلى محاولة إشعال الصراعات الداخلية لإشغال اليمن عن دعم القضية الفلسطينية.
هل يمكن للتحالف الأميركي البريطاني مع الصهاينة أن يمثل طوق نجاة في مواجهة الجبهة اليمنية؟
سؤال جوهري طرحته أوساط الاحتلال عقب العدوان الأخير على اليمن، إلا أن غالبية التقديرات حذّرت من الاعتماد على هذا التحالف لكسر إرادة اليمنيين. ونتيجة لذلك، رفعت منظومات الدفاع الجوي لدى الاحتلال جاهزيتها تحسبًا لرد يمني يؤكد فشل هذا الرهان الصهيوني.
كما تناول خبراء صهاينة أبعاد العدوان، مشيرين إلى توزيع الأدوار بين أطراف التحالف والرسائل الموجهة إلى مظاهرات الدعم الكبيرة للفلسطينيين في ميدان السبعين بصنعاء. كما شددوا على ضرورة إشغال الساحة اليمنية بالصراعات الداخلية، مع الرهان على تحريك أطراف يمنية لفتح جبهات قتال جديدة ضد الحكومة في صنعاء.
انتصارات أمنية يمنية وإخفاق استخباراتي أمريكي بريطاني صهيوني
في مسار مواز للانتصارات العسكرية سجلت الأجهزة الأمنية اليمنية خلال العام الماضي -في سياق معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس- انتصارا نوعيا في ظل مواجهة عسكرية واستخباراتية مستعرة، فقد كشفت التطورات الأخيرة عن فشل ذريع للمنظومة التجسسية الأمريكية والإسرائيلية في تعقب العمليات العسكرية اليمنية ومنع تأثيرها المتزايد على العمق الإسرائيلي والملاحة البحرية في البحر الأحمر. ورغم الاستثمارات الهائلة في تكنولوجيا التجسس المتقدمة والأقمار الاصطناعية والطائرات بدون طيار، فشلت هذه الأنظمة في توفير معلومات دقيقة تمكنها من احتواء التهديد اليمني المتنامي.
التقارير الاستخباراتية الغربية اعترفت بأن القوات اليمنية أظهرت قدرات فائقة في التمويه والمناورة، ما أربك الجهود الأمريكية والإسرائيلية في تحديد مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة. ورغم محاولات العدو لاختراق البنية العسكرية اليمنية عبر أدوات التجسس، أثبتت القوات المسلحة اليمنية تفوقها في حماية أسرارها الاستراتيجية وتطوير تقنياتها القتالية بعيدًا عن أعين الرصد الاستخباراتي.
هذا الإخفاق لم يتوقف عند حدود المعلومات، بل امتد إلى فشل استخباراتي في التنبؤ بالخطوات الاستراتيجية التي اتخذتها صنعاء لتعزيز موقعها العسكري والبحري، فقد فوجئت الأجهزة الاستخباراتية بقدرة اليمن على فرض حصار بحري فعّال ونقل الصراع إلى مياه البحر الأحمر، ما جعل الموانئ الإسرائيلية والسفن التجارية أهدافًا مباشرة للضربات العسكرية.
أمام هذه التطورات، لم تجد أمريكا وبريطانيا والكيان سوى اللجوء إلى زيادة العمليات الاستخباراتية، ولكنها فشلت.
إحدى أبرز الضربات التي وجهتها صنعاء كانت نجاح الأجهزة الأمنية اليمنية في الكشف عن شبكات تجسس بريطانية تعمل داخل البلاد. هذه الشبكات، التي تم تدريبها وتمويلها على يد أجهزة استخبارات غربية، كانت تهدف إلى جمع معلومات استخباراتية حساسة عن المواقع والقدرات العسكرية ورصد أماكن تواجد القيادات والخبراء اليمنيين، إضافة إلى تنفيذ عمليات تخريبية تهدف إلى إضعاف القدرات الدفاعية اليمنية.
لكن بفضل الله وتضافر الجهود الأمنية الدقيقة، تمكنت السلطات اليمنية من إحباط هذه المخططات وتفكيك الشبكات التجسسية. هذا النجاح الأمني فضح التدخلات الغربية المكثفة، وأكد أن التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا لم يكتفِ بالعدوان العسكري بل لجأ إلى أساليب سرية لتقويض الأمن والاستقرار في اليمن.
الإخفاق الاستخباراتي في اليمن لم يتوقف عند حدود كشف شبكات التجسس البريطانية، بل امتد إلى عجز التحالف عن التنبؤ بالخطوات الاستراتيجية التي اتخذتها صنعاء لتعزيز قدراتها العسكرية والبحرية. ففرض الحصار اليمني على السفن الإسرائيلية وتحقيق الضربات النوعية على موانئ العدو أصبح واقعًا ملموسًا فشلت أجهزة الاستخبارات في منعه أو احتوائه.
هذه الهزائم الاستخباراتية المتوالية تؤكد أن اليمن ليس مجرد خصم عسكري بل قوة استراتيجية عصية على الاختراق، متمكنة من حماية أمنها الوطني وإحباط المؤامرات التي تستهدف سيادتها واستقرارها.
التعبئة الشعبية والانسجام الرسمي
ومن جهة أخرى تميز المشهد اليمني بانسجام الموقف الشعبي مع الرسمي، حيث ظلت الجماهير تخرج في فعاليات تضامنية مستمرة لدعم الشعب الفلسطيني. وشكل هذا التفاعل رافعة قوية للجهود الرسمية في مواجهة العدوان، وعزز هذا الانسجام من قوة الموقف اليمني، وأثبت للعالم أن الشعب اليمني لن يتخلى عن مواقفه المبدئية رغم كل الضغوط.، بل انطلق الشعب اليمني إلى دورات التعبئة العامة وتخرج خلال عام أكثر من المليون من دورات التدريب والتأهيل القتالية. كما يحتشد الشعب اليمني أسبوعيا في أكثر من ٤٠٠ ساحة، منها ساحات مليونية كما في ميدان السبعين بصنعاء.
أخيرا، كان الأجدر بواشنطن السعي لرفع الحصار عن غزة بدلًا من التحشيد لضرب اليمن الذي يتحرك وفق القانون الدولي لنصرة القضية الفلسطينية. إن الاعتقاد الأمريكي بأن هذا التحالف سيخيف اليمنيين ويمنعهم من دعم غزة أثبت فشله، ليجد الاحتلال الصهيوني نفسه أمام جبهة يمنية لا ترضخ، بل تزداد قوة وثباتًا وعزيمة وإصرارا، وتزيد من قناعة الصهاينة بحتمية زوالهم.
وفي ظل هذه الانتصارات الاستراتيجية، لا يمكن إغفال أن اليمن قد انطلق في إسناد أبناء فلسطين من منطلق ديني وإنساني، فقد فرضت المسؤولية الدينية والإنسانية على الشعب اليمني أن يقف بجانب الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وجرائم الإبادة والتهجير.
فلسطين منذ البداية قضية مركزية في الوعي اليمني، حيث يراها الشعب اليمني جزءاً من قضيته الكبرى، ومبدأً لا يمكن التفريط فيه مهما كانت التبعات.
إن هذا الموقف الراسخ يعكس التزام اليمن بمبادئه الدينية والإنسانية، ويجسد تأكيداً على أن التضامن مع فلسطين ليس خياراً بل واجباً. ورغم التحديات والمعوقات التي يواجهها اليمن جراء العدوان والحصار، إلا أن شعبه وقيادته أكدا مراراً أن هذا الالتزام هو مسؤولية مقدسة لا يمكن التراجع عنها، وأنه مهما كانت التبعات، فإن الثبات على المواقف المشرفة في دعم قضايا الأمة سيكون هو الخيار الوحيد، لأن القضية الفلسطينية تظل قضية كل الأحرار في العالم.
فإلى عام جديد ومراحل جديدة وانتصارات حتى يفتح الله بيننا وبينهم بالحق هو خير الفاتحين، والنصر لنا بإذن الله.
- نقلا عن موقع أنصار الله