“حارس الازدهار” فشل عسكري وإخفاق دبلوماسي
قبل أن تعلن واشنطن تأسيس ما تسميه “تحالف الازدهار” كانت قد خاضت مواجهات عنيفة مع القوات المسلحة وأدركت -باكراً- أنها عاجزة عن تحمل كلفة المواجهة، وأعجز عن تقبل حقيقة تضعضع موقعها الجيواستراتيجي وتراجعه في المنطقة والعالم، ومعروف أن واشنطن رائدة التحالفات الدولية، فهي نادرا ما تخوض الحروب بالأصالة، وغالبا ما تحارب بالوكالة أو بالأدوات.
لذا -وفي سياق محاولاتها لإطلاق تحالف “حارس الازدهار” لحماية سفن العدو الإسرائيلي- اعتمدت الولايات المتحدة على دبلوماسية مكثفة لحشد دعم الدول العربية والإسلامية والأوروبية. غير أنّ الجهود المبذولة لم تفلح في بناء تحالفٍ متماسك وقادر على مواجهة التحديات التي تفرضها العمليات اليمنية المتصاعدة والتي تفرض بلا هوادة حصاراً شديداً على ملاحة العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر والعربي. فشل الأمريكي في إطلاق تحالف بالشكل الذي كان يرنو إليه، كشف عن بداية تلاشي النفوذ الأمريكي في المنطقة، خاصة عندما يتعلق الأمر بملفات حساسة كمصالحه في المنطقة وحماية الكيان المؤقت، ومع مايسميه الأمريكي بـ “سلامة وحرية الملاحة والأمن البحري”، هذا الفشل مثل ما يمكن توصيفه أنه أول مظاهر النهاية لعصر القوة الأمريكي.
رفض عربي وتحفظ دولي
أحد أبرز معوقات نجاح التحالف كان الرفض الواضح -على الأقل المعلن- من الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، مثل السعودية ومصر، للمشاركة في التحالف، وبالحد الأدنى كانت هذه المرة الأولى التي لا تنصاع هذه الدول للمشيئة الأمريكية علنا في حال كانت، وفق رأي البعض، شاركت دون الإعلان عن ذلك رسميا، ما يتيح الفرصة لهذه الأنظمة لتجربة رفض قول كلمة “نعم” التي اعتادت أمريكا سماعها منهم دائما.
بالحكم على مواقفها المعلنة، فقد التزمت هذه الأنظمة بموقف حذر حيال الانخراط في مواجهة بحرية واسعة، خاصة وأنّ انضمامها لتحالف مباشر مع حلف يخدم “إسرائيل” كان سيشكل إحراجا كبيرا داخليا وخارجيا، في ظل حساسيات شعبية وسياسية تجاه أي تطبيع عسكري مع كيان العدو الصهيوني.
كان لمصر -التي تُشرف على واحدٍ من أهم الممرات البحرية في العالم (قناة السويس)- مبررها لرفض المشاركة العسكرية، مفضلةً إبقاء ممراتها التجارية بعيدة عن أي تصعيد قد يُعرّض اقتصادها للخطر، خاصةً في ظل أزمة اقتصادية خانقة، كما أن الشارع العربي عموما كان يتطلع لانخراط مصر في مساندة غزة وليس العكس.
وفشلت الولايات المتحدة في إقناع دول إسلامية رئيسة، مثل تركيا وباكستان وإندونيسيا، بالانضمام للتحالف، نتيجة لعدة عوامل:
تركيا :
التي لطالما حاولت لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية- دّت الانخراط في تحالفٍ يواجه عمليات تدعم غزة بمثابة نكسة لجهودها الدبلوماسية وعلاقاتها مع العالم الإسلامي، رغم أنها احتفظت -خفيةً- بعلاقات تجارية قوية مع كيان العدو، واستمرت سفنها في الظل تمد الكيان بالبضائع وفق تحقيقات جهات مختصة بتتبع حركة الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية.
باكستان:
التي تتبنّى رسميا موقفا داعما لفلسطين- لم تجد مبررا للانخراط في عمليات بحرية تستهدف قوى المقاومة، لا سيما في ظلّ رأي شعبي قوي يعارض أي تقارب مع كيان العدو الإسرائيلي.
إندونيسيا :
أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان- كانت أقرب إلى صف المقاومة منها الى الأصوات المطبعة، لذا نأت بنفسها عن المشاركة في أي صراعٍ يرتبط بالعدو الإسرائيلي، مؤكدةً التزامها بدعم الفلسطينيين وعدم الانخراط في أي نشاطٍ يمكن تفسيره أنه اصطفاف مع العدو الإسرائيلي.
كما أن توحش الصهاينة والمجازر الجماعية التي يرتكبونها في سياق الإبادة الجماعية خلقت ضغطا جماهيريا هائلا توجه للأنظمة والحكومات التي باتت مطالبة أكثر بالعمل على إيقاف المجرم الصهيوني ومناصرة القضية الفلسطينية، وهو ما يفسر كذلك ضعف التفاعل الدولي مع دعوات واشنطن لإطلاق تحالف دولي هدفه الأول حماية الملاحة الصهيونية ومنع حصارها.
رغم تنسيق الولايات المتحدة مع عدة دول أوروبية تحت مظلة حماية الملاحة، إلا أن المشاركة الأوروبية -باستثناء بريطانيا- كانت رمزية إلى حد كبير، واقتصرت على التبادل الاستخباراتي دون أي تدخل عسكري مباشر. فرنسا وألمانيا -اللتان لديهما مصالح كبيرة في منطقة البحر الأحمر- فضّلتا عدم المخاطرة بدعم مباشر لتحالف قد يزيد من تعقيد علاقتها مع شعوب المنطقة، خاصة مع الحساسية الشعبية تجاه ارتباط التحالف بـ”إسرائيل”. ونتذكر الموقف الإسباني الذي أعلن صراحة رفضه إدراج اسمه في تحالف أمريكا دون أخذ الموافقة الفعلية، والذي كان فضيحة لواشنطن. ولاحقا أعلنت الدنمارك انسحابها من التحالف بينما أعلنت هولندا عن مشاركتها بجنديين!
تحالف بلا قاعدة دعم
فشلت الولايات المتحدة في تقدير أهمية الرأي العام في الدول العربية والإسلامية، والذي يُعارض بغالبيته أي تحالفٍ عسكري هدفه حماية عدوهم الأول “إسرائيل”، خاصةً في ظلّ دعمٍ شعبي واسع للمقاومة الفلسطينية العادلة والمحقة، ويمكن وصف تحالف “حارس الازدهار” بأنه تحالف فاقدٌ للشرعية الإقليمية والدولية، يعتمد بشكل أساسي على القوة الأمريكية والبريطانية دون دعمٍ يذكر من بقية الدول. فشل الدبلوماسية الأمريكية في استقطاب الحلفاء كشف عن محدودية النفوذ الأمريكي في المنطقة، وعزز من صلابة الموقف اليمني، الذي استطاع أن يفرض معادلة جديدة في البحر الأحمر، عنوانها القوة مقابل القوة.
اليوم ومع مرور الوقت، تزداد التحديات التي تواجه واشنطن في مهمتها غير الأخلاقية ولا الشرعية ولا القانونية، خاصة في ظل تصاعد جريمة الإبادة في غزة، ما يثير تساؤلاتٍ حول جدواه وقدرته على تحقيق أهدافه.
تعاظم الهزيمة وتكرر الإخفاق
لم ينجح تحالف واشنطن في حماية سفنه من الهجمات اليمنية المتكررة، فضلا عن كسر الحصار اليمني على كيان العدو الإسرائيلي.
وفي هذا السياق تصاعدت وتيرة العمليات اليمنية ضد سفن البحرية الأمريكية مسجلة واحدة من أكبر الملاحم البطولية في تاريخ الحروب الحديثة، وهنا جردةٌ بأهم العمليات -علما أن بعض السفن تعرضت لأكثر من هجوم من قبل القوات المسلحة اليمنية- في الفترة بين (نوفمبر 2023 – يناير 2025):
1. الهجوم على المدمرة “يو إس إس لابون” (23 ديسمبر 2023):
في 23 ديسمبر 2023، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية إسقاط أربع طائرات مسيرة أطلقتها القوات اليمنية، كانت تستهدف المدمرة الأمريكية “يو إس إس لابون” في البحر الأحمر.
2. الهجوم على حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت أيزنهاور” (10 يناير 2024):
في 10 يناير 2024، نفذت القوات اليمنية عملية عسكرية في البحر الأحمر باستخدام صواريخ باليستية وبحرية وطائرات مسيرة ضد سفينة أمريكية، أشارت التقارير إلى أنها حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت أيزنهاور”. أعلنت القيادة المركزية الأمريكية إسقاط 18 طائرة مسيرة وصاروخين كروز وصاروخ باليستي مضاد للسفن خلال هذا الهجوم، وقد تكرر الهجوم على الحاملة والسفن المرافقة لها عدة مرات وصولا لإعلان مغادرتها في ظروف غامضة.
3. الهجوم على حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لينكولن” (12 نوفمبر 2024):
في 12 نوفمبر 2024، أعلنت القوات المسلحة اليمنية تنفيذ عملية عسكرية استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام لينكولن” في البحر العربي باستخدام عدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة. استمرت العملية لثمانِ ساعات وحققت أهدافها بنجاح، وفقًا لبيان القوات المسلحة، بعدها بأيام أعلن البنتاغون انسحاب الحاملة من الشرق الأوسط.
4. الهجوم على حاملة الطائرات “يو إس إس هاري ترومان” (6 يناير 2025):
في 6 يناير 2025، أعلنت القوات المسلحة استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس هاري ترومان” شمالي البحر الأحمر، ولاحقا أعلنت القوات المسلحة تنفيذ عمليات أخرى ضد الحاملة ذاتها بلغت في إجماليها خمس عمليات حتى تاريخ كتابة التقرير.