Herelllllan
herelllllan2

المسار الفكري للرأسمالية

يمانيون/ كتابات/ عبدالرحمن مراد

لا يمكن الفصل بين ما يحدث اليوم وما حدث بالأمس، فالمسار الفكري هو نفسه ولكنه يسير برؤى منهجية واضحة قد يحدث فيها تعديلاً، لكن التعديل هذا لا يمس جوهر الإشكالية لأنه يكون استجابة لمتغير ثقافي أو قراءة ليست واعية دل احتكاك النظرية بالواقع على عدم جدواها في حركة الواقع التفاعلية.

والقارئ الحصيف يرى أنه برز في الخطاب الفكري والثقافي الغربي قبل عقود موضوع صراع الحضارات ولم يكن هذا الموضوع حالة ذهنية وفكرية ترفيه، بل كان حالة من حالات التجدد للجدلية التاريخية – صراع الطبقات والمصالح الاقتصادية – لكنه أخذ بعداً حضارياً جديداً، ولذلك لا يمكن القفز على حقيقة الثنائية التاريخية الحضارية بين الروم / والفرس، وهي الصورة النمطية التاريخية التي بدأت حالتها تتجدد في المشروع الرأسمالي منذ منتصف السبعينات في القرن العشرين وصولاً إلى مطالع الألفية الجديدة، ففكرة الأصوليات التي قال بها برجنسكي في السبعينات من القرن العشرين ورأت فيها الإدارة الأمريكية قارب نجاة للرأسمالية من الهزيمة المحتملة أمام الشيوعية والاشتراكية لم تغفل الحضارة الفارسية، بل كان من نتاجها ثورة ايران الإسلامية التي قادها الإمام الخميني نهاية السبعينات من القرن العشرين، وكذلك استراتيجية مؤسسة راند لعام 2007م التي كان من نتاجها ثورات الربيع العربي في عام 2011م .

ومن الملاحظ أنه بعد سنين عشر من انهيار الاشتراكية العالمية كفكرة وكنظام، وجد النظام الرأسمالي العالمي نفسه في أزمة وجود، فقد تفرد في إدارة العالم، وتفرد في صياغة أزمات العالم، ووجد نفسه عاجزا عن ابتكار الحلول للأزمات والمشاكل، ولذلك كانت فكرة 11سبتمبر التي أبدع صناعتها وإخراجها هي محور الارتكاز التي من خلالها استعاد توازنه الدولي، إذ توالت الدراسات والابتكارات التي كانت في الغالب تركز على استغلال المساحات الفارغة عند العرب والمسلمين واستغلال ثرواتهم لمواجهة الصعوبات التي تواجه النظام العالمي الجديد ولذلك – ووفق الكثير من الرؤى التحليلية – كان أحد أهداف الدراسة التي أعدتها مؤسسة “راند ” – وهي مؤسسة رائدة في الدراسات الاستراتيجية في أمريكا – لمصلحة سلاح الجو الأمريكي، وكان عنوان الدراسة ” العالم الإسلامي بعد الحادي عشر من سبتمبر ” وتضمنت تركيزاً وتوجيهاً مكثفاً على واقع العرب والمسلمين وسبل التعرف على الانقسامات وخطوط الصدع الطائفية والعرقية على المستوى الإقليمي والوطني للدول الإسلامية، وطرحت الدراسة رؤى في التحرك في مساحات التصدع والانشقاق لخلق التحديات والفرص للنظام الرأسمالي الذي تتزعمه أمريكا في الحفاظ على نفسه من الانهيار، والثابت وفق الكثير من الشواهد أن البعد النظري قد تحوّل إلى واقع عملي، فقد بدأت الأجهزة الأمريكية المختلفة بالتواصل مع الجماعات التكفيرية عن طريق “الدوحة ” بهدف توظيف الجماعات للقيام بعملية التفتيت والتفكيك تطبيقاً لخطة الشرق الأوسط الجديد التي وضعها ” برنارد لويس ” – وهو مفكر يهودي بريطاني احتوته المخابرات الأمريكية واستخلصته لنفسها وكان يرى أن ثمانية قرون من الحرب لم تخرج المسلمين من الأندلس، ولكن عندما قاتلوا بعضهم البعض انتهت دولتهم ولا بد من إعادة هذا السيناريو في منطقة الشرق الأوسط – ومثل ذلك التوجه تؤكده تصريحات بعض مسؤولي البيت الأبيض الأمريكي ومنهم هيلاري كلينتون التي تولت منصب وزيرة الخارجية حيث قالت في واحد من تصريحاتها:

“إن أمريكا لن تدفع أموالاً في حرب المسلمين، فهم سيتولون ذاك بأنفسهم”.

وقد شهدت المنطقة العربية بزوغ حركات وجماعات تكفيرية إرهابية تنشط متى كانت هناك حاجة لنشاطها، وتخمل متى كان الواقع السياسي يتطلب ذلك، فهي قطعة من شطرنج تحركها آيادٍ استخبارية عالمية، ومثل ذلك الأمر لم يعد بخافٍ على كل متابع حصيف لمسارات الأحداث في الواقع العربي.

لقد تولت الجماعات التكفيرية مهمة تفكيك وتمزيق الأمة الإسلامية وحولتها إلى طوائف وشيع وجماعات، وعمقت من الجروح، وأشاعت فيها البدائية والتوحش والتفكير الأسطوري، ورأينا في حال العرب والمسلمين بدعا وأمرا عجبا لا يقبله عقل كما هو الحال في العراق وفي غيره من البلدان.

يقول بريجنسكي في كتابه ” بين عصرين “:

” تواجه الرأسمالية هزيمة أيديولوجية وفكرية كبيرة ويرى أن الحل الوحيد لإنقاذ الرأسمالية هو إحياء الأصوليات الدينية ودفعها للصدام مع الشيوعية والاشتراكية وحركات التحرر في العالم عندها – كما يرى – تهزم الشيوعية والاشتراكية بقوة الأصوليات الدينية وسوف توفر مناخاً ملائماً للرأسمالية الأمريكية وتوفر فرصاً استراتيجية كبرى لإعادة تنظيم العالم تحت قيادتها “.

ومنذ عقد الثمانينات من القرن العشرين سارت السياسة الأمريكية في هذا الخط حيث تبنت دعم الأصوليات الدينية ليس حباً في الدين وإنما رغبة في الانتصار على النظام الاشتراكي، ورغبة في حماية المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى، وكان لتعاظم الأصوليات الدينية دور في التمهيد للسيطرة على العالم، وبالتالي التفرد في إشغال واستنزاف وشرذمة حركات التحرر في العالم، وفي الوطن العربي على وجه الخصوص، وفرض مبدأ الاستسلام للصهيونية في فلسطين الذي لم يعد خافياً اليوم على أحد، فقد كان في الماضي يتستر تحت غطاءات مختلفة، أما اليوم فقد أعلن عن نفسه بكل وضوح، وهو يتحرك اليوم لبلوغ الغايات في الجغرافيا العربية كما نشاهد ونرى، بدءاً من فلسطين ومن غزة – على وجه الخصوص -، ومروراً بلبنان، ولن نقول انتهاء بسوريا – التي شهدت سقوط نظامها السياسي، وتدمير بنيتها العسكرية تدميراً كاملاً، وما تزال آلة الحرب الصهيونية تعمل على ذلك – فقائمة الأهداف ستعلن عن نفسها في قابل الأيام وإن كانت مؤشرات الواقع والتصريحات السياسية تدل عليها اليوم، ولا بد لنا من اليقظة الفكرية وبناء قدراتنا النفسية والثقافية قبل أن يجرفنا التيار .

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com