Herelllllan
herelllllan2

“100” يوم على غيابك.. أحقًّا استشهدت يا سماحة العشق؟

أعذرني… يا سيد النصر والانتصارات.. أعذرني يا سيد الشرفاء وسلالة الأشراف… أعذرني..؛ لأَنَّني لم أخط السطور المُفعمة بأريج بطولاتك المشرقة ليدونها التاريخ…

أعذرني؛ لأَنَّني لم أكتب عن شرف شهادتك إلا اليوم..

سأرثيك… بعد ال “100”.. ترجل قلمي عن صهوة “عناده. “.. اليوم سيتلو “قلمي البندقية” “بيان رثاء” استشهادك…

عذرا” يا سماحة العشق.. تأخرت.. نعم… لقد “ارتكبت ذنب” عدم تصديق نبأ استشهادك!!

… رغم أنني زرت مكان الارتقاء المبارك وتلمست التراب الذي عانق وجهك الطاهر.. لا أعلم أية “حُبيبات” ترابية لامستك… تخيلت أنها لناحية الشمال.. أَو اليمين.. أَو للجهة المقابلة، حَيثُ وضعت صورتك… يا ذا الطلة البهية… ومن ثم فكرت أنه ربما “الحبات” إلى جانب الشموع التي أحاطت بصورتك ولكنها تحميها…

دعني أخبرك يا “حلمنا”.. لقد راودتني تخيلات كثيرة في تلك اللحظات المهيبة.. لحظات الألم والسكون والوجع… وأنا أقف في مكان الغارة الصهيونية الغادرة التي أفرغت كُـلّ حقد صواريخها المخصصة للأنفاق وما تحت الأرض لتنال منك يا عزيز قلوبنا… كنت أبحث بنظري وبصمت عن سُبحة لك.. عن شال.. عن خاتم يخصك… فأنت اعتدت يا كريم النفس أن تُهدي لمن يطلب منك ذكرى من أغراضك الجميلة والصغيرة والمعطرة برائحة الإيمَـان والكرامة… تأملت التراب وقطع الأثاث وحتى حديد تلك المباني الذي “تعلق” بثوبي ولكأنه يقول لي: توقفي هنا أنت في حضرة سيد المقاومة… لقد بكيتك بحرقة ما بعدها حرقة… لحظة سماع خبر استشهادك في ال26 من أيلول الأسود!!ولو كنت ممن نالت الشرف بأن أذيع الخبر الرهيب على شاشة من شاشات التلفزة صدقني لن يكون بمقدوري أن أكمل قراءة بيان الاستشهاد… *بكل فخر واعتزاز تزف المقاومة الإسلامية في لبنان القائد الشهيد الأسمى سماحة السيد حسن نصر الله”*!! مستحيل أن أكمل كلماتي بدون نوبة من البكاء المرير!

ومن منا لم يذرف الدموع الحارة على فراقك؟؟

آلاف من بني البشر بكوا خسارتهم لك وللوطن وللأُمَّـة العربية جمعاء… لقد رحلت يا نور العيون، حَيثُ تحب ولطالما أحببت وتمنيت أن تختم حياتك بقدسية الشهادة… “-بس بكير والله ودعتنا يا سيد- ونحن بأمس الحاجة اليك… اللهم لا اعتراض على حكمك وقدرك.

… في حضرة مكانك، حَيثُ فاضت الروح “رحمك الله” أيها الأسمى.. أيها الأشرف… أيها الأخلص.. أيها الأوفى… أيها الأكرم… أيها الأبهى.. أيها الأنقى.. أيها الأصدق… للدموع طعم آخر…. عاندت دموعي التي “برقت” بين الجفون وأنا التي كنت أصبر نفسي لليوم الذي سأتشرف فيه بمقابلتك كصحفية وكمواطنة لبنانية تقدر وتحترم هذه الهامة الكبيرة من هامات الوطن.. ولأبوح لك عن مكنونات قلبي.. أوتدري يا “روحنا”؟.. كنت أريد أن أطلب منك ذكرى من أغراضك الخَاصَّة… ما فكرت ماذا سأطلب؛ لأَنَّني سأخجل منك.. ربما اهديتني نسخة من القرآن الكريم الذي كنت ترتل فيه السور القرآنية المباركة وتنبعث منه روائح المسك..؟؟ أَو قلمك الخاص؟.. أَو دفتر ملاحظاتك اليومية؟ أو حتى سبحتك.؟

ولربما كتاب الدعاء المفضل لديك.؟ لعلني كنت أفتش عن كُـلّ هؤلاء في مكان استشهادك ولم أجدهم.. انما أحسست أنهم قربك… في زاوية ما تحت الركام…

أعلم… يا “سماحة العشق” أنك سمعت همسات قلبي وهو يبوح لك عن ألمي وحزني؛ لأَنَّهم “منعوني” عنك طيلة هذه الأعوام… ولو كانوا أخبروك عني أَو عرضوا عليك مشاهد من “صحافتي المشاغبة” ضد العدوّ والتي استدعت هجومه على شخصي لكنت بالتأكيد رغبت بلقائي وسألتهم من تكون هذه الصحافية “الشرسة” التي يهاجمها الإسرائيلي؟. ولتواضعك ودماثة أخلاقك كنت سترسل رسالة ترحيب بلقائي ولطالما انتظرت رسالتك… ولكن بعد اليوم لن يستطيعوا أن يحجبوني عنك..!! فها أنا أحدثك الآن متى أشاء!! وأناجي طيفك وروحك الطاهرة بالساعة التي أشاء!!

ولي مطلق الحرية بأن أسالك الآن من عليائك ماذا سأكتب؟؟وما رأيك بما كتبت؟؟ هل أصبت هنا؟.. أم أخطأت التقدير هناك؟؟

أنا حرة بمناجاتك… شعرت بروحي وجوارحي أنك سمعتني وأنا ألامس شموعك.. وأخاطب ذاك الحجر وأساله: ألامسك؟؟ وتلك التربة أحقا” حمت وجهك النوراني؟ وحتى الأشياء المنزلية المبعثرة في المكان… سألتها عنك… وهمست لعقلي الباطني: لعل هذا القماش قد دفع عنك بقايا الصواريخ “اللئيمة”!!!. ولعل تلك الكنبة اقتربت منك لتمنع النيران.. ولعل النافذة هذه حمتك من حمم حقد “إسرائيل” الشيطانية؟!!

تبا” لها لقد حرمتنا منك!! ولعل.. ولعل…؟ سامحني… بل وسامحنا جميعا”… لست وحدي من “ارتكب ذنب” عدم التصديق بأنك استشهدت وبعد ال 100 يوم ولم نراك!!

كنت قوتنا… كنت عزنا.. بلسم لجراحنا.. نور أحلام أبطالك الأوفياء الشجعان.. هل شاهدتهم من عالم السماء لفرسانك وهم يدافعون بإيمَـان وعزيمة عن أرض الجنوب الطاهر؟

الجنوب وصيتك أيها المؤتمن على الدماء.. حافظ عليه أبناء السيد حسن نصر الله… هل حدثوك عن قوات “النخبة” في جيش العدوّ الذين احتشدوا بالآلاف ولم يستطيعوا احتلال قرية جنوبية واحدة خلال العدوان الغاشم على لبنان؟

تُرى هل سمعت صيحاتهم عندما ينادون باسمك كأنهم يلمحون طيفك بينهم وهم يرمون

طغاة الأرض بالصواريخ؟ أفرحت بأبطالك وتلامذتك وأحبة قلبك؟ كنت تحبهم أجل.. وكثيرا”.. وتحب الحديث معهم واللقاء بهم والاستماع إلى قصصهم… أليسوا هم رجال الله كما لقبتهم؟؟

نعلم مدى تقديرك لهم وتعلقك بهم.. تعتبرهم كالأبناء ولطالما تعاملت معهم معاملة الأب والأخ والصديق والمعلم والقائد والمربي..

كنت كالندى الذي يتوق لمعانقة الوردة الجورية الحمراء المتمايلة مع نسمات الفجر الرقيق…

كنت كالشمس الساطعة على بلاد الأرز الشامخ وجباله ووديانه وبحره..

وشمسك ترسل الدفء لقلوب رجال المقاومة الباسلة الشامخة هاماتهم على الجبهات وبين الجبال والأودية… أنت أملهم.. وعشقهم.. ودستورهم..

وقانونهم… ونبض قلوبهم… وفكرهم المتوج برسالة الإيمَـان… يا لحزنهم العظيم من بعدك يا “حبنا”…. أتراهم يصدقون بأن قائدهم غاب عنهم في “عز” المعارك؟؟

لا لم يصدقوا!!

القلوب مكسورة والأفئدة مشتاقة… والحنين قاتل يا “وجعنا”… لا نريد أن نبرمج عقولنا ودقات قلوبنا على فراقك الأبدي!”-مش بالأيدي والله يا سيد حسن ما تلومنا”-

ولا نريد أن نشهد اللحظة التي سيكون فيها الطوفان البشري الأكبر في تاريخ الأُمَّــة العربية والإسلامية يوم تشييعك إلى مثواك الأخير في “ضاحيتك” الجنوبية! التي أحببتها وعشقتها وناسها وشوارعها الضيقة والواسعة وكل مبنى فيها.. وكنت تجوب بين “أحضان” أبنيتها في سيارتك التي تقودها بنفسك… فهل استشعرت يا سماحة العشق بالفراق لتودعها؟.. هل شعر قلبك الصغير أنك لن تراها بعد اليوم ولن تشاهد ابتسامات صغارها الأبرياء… وضحكات شيوخها.. وشبانها الأسود حين تمر بجانبهم وأنت تراهم وهم لا يرونك؟؟

رباه..!!كيف ستحتمل القلوب والعقول وهي تزفك في عرس الشهادة يا سيد المقاومة وكرامة الوطن؟؟ نحن نتوسل إلى الله تعالى ليوجد الأسباب كي تُمدد هدنة الستين يوماً ويؤجل ذاك اليوم الحزين

فليمددوا الهدنة!! مددوها يا قوم رأفة بقلوبنا… ورحمة بوجعنا وبآهاتنا.. مددوها بالله عليكم!!

ولكأنك تسألنا يا صاحب الصبر والبصيرة ما حال أهل الجنوب الصامد والضاحية الأبية؟ وبعلبك والبقاع المقاوم؟ ماذا سأخبرك عنهم؟ وعن معاناتهم؟ كانوا ينتظرونك بلهفة وشوق لتخاطبهم بقلبك الأبيض الصافي خطاب النصر وتطل عليهم بصوتك الذهبي لتقول: *”يا أشرف الناس ويا أطهر الناس… السلام عليكم* “.. إلا أن العيون فاضت بالدمع رغم فرحة العودة إلى الديار المدمّـرة ولكن “المشبعة” بالعزة والكبرياء… لقد عز علينا أَلَّا يرافقنا الصوت الحنون ومواكب النزوح تتوجّـه إلى درب الجنوب والهرمل… آلمنا حتى الموت أن لا نراك على الشاشات تصفنا بأهل الوفاء والتضحية… أهل الإباء.. *يا أشرف الناس يليق بكم هذا الانتصار*

طيفك لن يغيب عنا… وهل يستطيع أيٌّ منا أن ينسى ابتسامتك؟؟ اسمك سيحفر في القلوب ويخلد بين دفتي الكتب والمجلدات والشعر والنثر لدى الأجيال القادمة… سنحدثهم لقد مر نصر الله من هنا.. لقد تحدث هنا نصر الله… القائد الشجاع الثائر.. بطل الحق والحقيقة… رجل المبادئ والحرية الذي حرّر الوطن من رجس الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية…

سيسمعون منا أنك بذلت الغالي والنفيس في سبيل الله واعلاء كلمة الدين والإسلام..

سنهمس بحنية لاشتياقنا لك: كنت نِعم الأب الحنون والعطوف على الأيتام وأبناء الشهداء تزورهم وتبسط يدك النبيلة على جباههم وتُقبل الرؤوس اليتيمة وتحتضنها لتجد فيك ريح نبي الله يوسف عليه السلام…

سنصرخ لهم بأعلى أصواتنا: كنت أطيب الناس وأحن الناس.. وأعز الناس… سنقول لهم بكل شموخ: حتى عدونا كان يحترمك ويصدق كلامك أكثر من قادته الجبناء!

سنخبرهم كم كان يرتعد لسماع صوتك وينتظرك بالساعات والدقائق والثواني ليسمعك ويبني على “خطابك مقتضاه.. ” “سنزف” لهم الحكايات والروايات عنك وعن شهامتك وبسالتك وشجاعتك الذين سيسطرهم التاريخ ويرفعهم كالرايات عند مداخل المدن والقرى والساحات… ويا لحظنا الجميل؛ لأَنَّ الأجيال ستحسدنا كوننا عشنا في عصرك وتنفسنا عزة وأشبعتنا المزيد والمزيد من الفخر والمروءة والأصالة…

نم قرير العين واسترح بهناء… لقد اتعبناك يا “العزيز”.. وأرهقناك طيلة هذه السنين نطلب منك السماح…

لا نخفيك سراً بأن أيامنا ثقيلة من دونك… وليالينا موحشة بدون بسمة من محياك… بدون لطافتك.. وتهذيبك..

وروح الفكاهة لديك… أما سفلة القوم من الداخل تكاثرت علينا لتجلدنا؛ لأَنَّهم تيقنوا أن خسارتك العظيمة أوجعتنا! أرهقتنا! لا بل دمّـرتنا!!نعم دمّـرتنا!!

ولكن أُولئك الأنذال تجار الدين والأوطان الذين يعدون “مراسم الدفن” للمقاومة وشعبها لا يدركون بأن شعلة الثورة التي أضاءتها في نفوسنا الأبية ستبقى ملتهبة!! وستحرقهم إن تجرأوا على المس بوطننا وبأمن مُقاومينا الأعزاء!

هم فقراء يا سيد القلوب فقراء بعقولهم… ونفوسهم… إذا” كيف السبيل لإفهامهم بأن استشهادك عزيمة لنا كي نكمل دربك ومسيرتك ونحقّق آمالك وأهدافك المحقة التي رسمتها لنا؟

كيف سنقنعهم لأصحاب العقول المظلمة بأن دمك الذي سُـفك وروى تراب الوطن سيزهر سنابل من النصر والمجد؟؟

هم لا يعلمون أية روح مقاومة زرعتها فينا؟

لا يفقهون عن الإرادَة الصلبة التي سلحتنا بها؟؟ولا يريدون أن يتقبلوا منطق بأن المقاومة هي فكر وفكرة.. والفكر لا يموت باستشهاد القادة.. بل يتبلور ويشع ويهب الطمأنينة للقلوب الصادقة المؤمنة.. ويترسخ في الأذهان… ويستوطن القلوب..

نعدك أننا سنبقى الأوفياء لأفكارك ونهجك وتطلعاتك ونحافظ على ارثك الوطني الذي أورثتنا اياه… سنقاوم دائما” وابدا” بالقلم والموقف والكلمة والسلاح والمسيرات وبالصواريخ شاء من شاء وأبى من أبى!!

ونطرد كُـلّ عدو ومحتلّ وغاصب…. ولن نترك فلسطين والأقصى الشريف… قضية الشرفاء والأحرار… اولم تستشهد على طريق القدس وكوكبة من رفاق الدرب والسلاح؟؟إذا” كيف يفكرون أَو يأملون بأن ندع حلم تحرير فلسطين جانبا”؟؟؟

لا نخشى لومة لائم في سبيل قول كلمة الحق ونصرة المستضعفين والمظلومين أولسنا على حق؟ أوليست هذه تعاليمك يا عزيز قلوبنا؟

يا شهيدنا الأغلى… أتعلم أنني أحسد كُـلّ من رآك.. واجتمع بك وحدثك.. وحاورك.. أنا أحسدهم.. هنيئا” لهم.

وبعد… سأهمس اليك بسؤال “يا حبيبنا” وأنت تنظر الينا من جنان الخلد: كيف ستتقبل قلوبنا وأرواحنا لحظات وداعك الأخير؟؟

فإن كان هذا حالنا نحن جماهيرك ومحبينك وأنصارك يا سيد النبل… فما حال مرافقك الشخصي درع الأمين” *أبو علي* يوم الوداع الأليم؟

بالمناسبة…. كيف حال قلبك ودموعك يا” *أبو علي*”؟؟؟

أنت لست بخير…. ودعني أخبرك ولا أنا بخير!!!فكيف نكون سويا” بخير وأنت “درع الأمين”.. وأنا… أنا… يتيمة “الأمين”!!!!

 

  • كاتبة صحفية لبنانية، مختصة بالشأن الإسرائيلي
You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com