التربية.. هي محور الارتقاء البشري..!!
أحمد الفقيه
في البدء كانت التربية هي الأساس في أي مجتمع من المجتمعات، بل هي العلامة الفارقة فيما وصلت إليه البشرية من تقدم ورقي وحضارة، وازدهار فكري ومادي، وتقني وعمراني شمل مختلف مناحي الحياة.
قال أحد خبراء التربية: “مستقبل أي أمة من الأمم مرهون بالحاضر، وأي انفصام بين الحاضر والمستقبل يترك آثاراً سلبية في سيكولوجية الفرد، لأنه هو محور الارتكاز في المنظومة التربوية”.
لذا علينا أن ندرك أن التربية هي للمستقبل، ولست أعني مستقبل الفرد بقدر ما أعني مستقبل الأمة، لأن مستقبل الأمة مرهون بمستقبل أفرادها التربوي. فالتربية هي المحرك الأساس للفعل الإنساني، ومقياس تحضر ورقي وتقدم الأمم والمجتمعات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتقدمها ورقيها وسلوكها التربوي والإنساني. وهذا ما نشاهده في عالمنا اليوم؛ فالمدنية المعاصرة والأمم المتقدمة هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب التربية القويمة والمنهاج التربوي المرتبط بالهوية الثقافية والإيمانية، وفي شتى جوانبها الإنسانية والعلمية والفكرية.
التربية، كما عرفها خبراء التربية المعاصرون، هي “عملية حفظ التراث ونقله من جيل إلى آخر”. وبهذا المفهوم، هي عبارة عن همزة وصل لنقل الثقافة والتراث الحضاري من الجيل القديم إلى الجيل الجديد، ضماناً لحفظه ومنعاً من اندثاره.
من هنا ندرك أهمية التربية بوصفها المعبر الحقيقي عن شخصية وهوية وحضارة وتراث أي أمة من الأمم. ومن هنا، لابد أن تنمي لدى الفرد مهارات القراءة والكتابة والبحث والتطبيق؛ فدون ذلك لا فائدة تُرجى من تعليم وتراث وثقافة لا تطبق في الحياة اليومية.
لذا، فالتربية عملية تطبيع مع الجماعة وتعايش مع الثقافة، وبهذا يتميز المجتمع البشري بامتلاكه ثقافة خاصة به تكيفه مع معيشته وتضمن استمراره في الحياة. وهناك ملاحظة هامة لابد من إيرادها، وهي أن الأهداف التربوية نوعان: عامة وخاصة، كما أنها قد تكون قريبة أو بعيدة المدى. ولهذا، فإن التربية تهدف إلى إعداد أجيالنا الحاضرة للتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي. فلا تستطيع أمة من الأمم أن تتقدم اقتصادياً إلا من خلال التربية والعلم والثقافة.
من هنا، ندرك أهمية التقدم الذي يهدف إلى الارتقاء بالفرد والأمة علمياً وثقافياً وتكنولوجياً وتقنياً، ليشمل كافة مناحي الحياة وميادينها المختلفة. كما ندرك أن عصرنا الحالي هو عصر العلم والتكنولوجيا والرقي الحضاري، وأن كل تقدم ورقي مرتبط بركيزتين أساسيتين هما التربية الشاملة والتكنولوجيا، وبدونهما يصبح التقدم العلمي والحضاري مبتوراً لا يواكب متطلبات الحياة المعاصرة ولا يتماشى مع روح العصر الحديث.
صفوة القول:
التقدم العلمي والحضاري ليس تمسكاً أو تقليداً بقشور الحضارة الغربية كماً ونوعاً، وإنما مرهون بما يتوافق مع قيمنا وتقاليدنا وأخلاقنا المستمدة من عقيدتنا القويمة وتراثنا العربي الإسلامي الأصيل الذي ورثناه عن الآباء والأجداد عبر العقود الماضية.
مازال الطريق طويلاً أمامنا، ولدينا الكثير لننجزه، ولكن لابد أن نتسلح بالثقافة القرآنية والهوية الإيمانية التي تمكن الأجيال من كتابة فصل جديد وفريد في تاريخنا الإنساني المعاصر. التقدمية ليست تعني التجهم أو الاستهزاء بكل ما هو ديني أو تراثي، وإنما هي التحسن المستمر في كل ميدان من ميادين الحياة، وأهمها ميدان الأخلاق والرقي الإنساني والتعامل الراقي والحسن.
التربية التي تستطيع الأمة من خلالها أن ترتقي إلى مصاف التقدم الثقافي والحضاري والأخلاقي تعتمد على التمسك بالمثل الأعلى، ولله المثل الأعلى، والإيمان بأن العلم هو طريق التقدم والرقي والازدهار. وبدون عمل وأخلاق وتربية، لا يمكن أن يكون هناك تقدم أو رقي، مهما تعالت الأمنيات وسمت الأهداف.
كلمات مضيئة:
من هنا ندرك أن التربية عملية ضرورية للفرد والمجتمعات والشعوب، تنقل الفرد من طور الفردية البيولوجية إلى طور الشخصية السيكولوجية والاجتماعية. فالفرد يرث عن والديه بعض الخصائص البيولوجية، أما المكونات النفسية والاجتماعية والفكرية فليست ميراثاً بيولوجياً، بل اجتماعياً. والتربية ضرورية للإنسان لتوجيه غرائزه وسلوكياته، وتنظيم عواطفه، وتنمية ميوله بما يتوافق مع ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه.
من وحي الشعر:
يا يمن الإيمان..!!
جئتك عاشقاً مستهاماً..
على جبيني وردة بيضاء
وعلى كتفي بقايا أحزان وأشلاء.
ما أجمل ألوان طيفك
عند الغروب..!ّ!
فأنت الروح والريحان
وشاطئ التحنان.
قسماً سأزرع أعماقي..
شوقاً وحباً وتحناناً..
مهما جار الزمن..
فأنت اللقيا والمكان..!