الكيان الصهيوني.. انعدام الحيلة والبحث عن ضربة حظ في اليمن
يؤكد قائد “نظام الدفاع” في الكيان الصهيوني “تسفيكا هايموفيتش” أن تحوّلا جذريا في مسار المواجهة مع القوات اليمنية قد بات ملحوظا، مؤكداً أن القدرات العسكرية اليمنية تجاوزت حدود “إيلات” لتمتد إلى العمق الاستراتيجي للكيان وفي المناطق المركزية من فلسطين المحتلة. يكشف هذا الواقع عن المسار المتصاعد الذي صارت عليه المواجهة. وخلال سنوات عدوان التحالف الأمريكي السعودي وحتى العدوان الصهيوني كان دائما مسار العمليات اليمنية يشهد تصاعدا على مستوى التكتيك، وحتى في تعيين بنك الأهداف نجحت القوات اليمنية في ضرب البنية التحتية النفطية للسعودية، كما نجحت اليوم في هدم الهالة الصهيونية الزائفة، وضربت أهدافا في عمق كيان العدو من ميناء أم الرشراش إلى “نيفاتيم” إلى مطار “بن غوريون” وأخرى.
التطمينات الأمريكية لن تفلح أبدا
وفق المعطيات فإن الكيان -الذي يتصور أنه يعيش اليوم نشوة انتصارات- إنما فشل وفي داخله شعور عميق بالقلق الوجودي في المنطقة العربية، ولم تنجح المواقف والتطمينات الأمريكية في تبديد هذا الشعور الذي يبدو منطقيا وموضوعيا، فالكيان الإسرائيلي -حتى وقت قريب- كان متفرغا أو منشغلا بممارسة صنوف التنكيل بالشعب الفلسطيني، بعد أن أمكن له إخضاع دول المنطقة وإرهابها، حتى صار بعضها مطبّعا والبعض الآخر لا يجرؤ حتى على التنديد. بذلك كان مشروع الكيان الكبير نظريا قد تحقق، إذ أن كل دولة كانت تعيش همومها الداخلية فيما تلعب بعضها دور العسكري الحارس، تاركة العدو يواصل جرائمه في الأراضي المحتلة، كما ويؤمِّن البيئة المناسبة لنهب الثروات، الذي كان يقوم به بالنيابة البلطجي الأمريكي.
اهتزاز الثقة بالموالين العرب
الكيان اليوم غادر حالة الاطمئنان تلك، وأحيا سياسته القديمة بقضم الأراضي العربية لتكوين المشروع الصهيوني الكبير، فما أفرزت عنه العملية البطولية (طوفان الأقصى) وما تبع ذلك من بلورة لمحور المقاومة، ثم ظهور لاعب قوي لم يكن في الحسبان هو اليمن، دفع الكيان لتعديل نظرته إلى ما يجري، فالتحديات الجديدة أظهرت له أنه قد أصبح في وضع لا يؤهله للاستمرار على نفس الوتيرة من الانشغال فقط بتصفية الفلسطينيين شيئا فشيئا، أو الركون إلى من قد أبدوا له فروض الولاء والطاعة وبالتالي سلّموه مصير بلدانهم، إذ خلص إلى القناعة بأنهم ليسوا بذلك القدر من التأثير الذي يمكن أن يأمن إليهم في حماية محيطه ومصالحه برا وبحرا وجوا، ليحيي طبيعته العدوانية في انتهاك جغرافية الدول واحتلال أجزاء جديدة من أراضيها، فذلك حسب رؤيته أسلم له.
سوريا كانت النموذج الصارخ، كما سبق ذلك بحديثه الصريح لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، بينما لم يُخف التحرك في اتجاه العراق، وبالتالي إعادة الاشتغال على حلم الكيان الكبير.
العدو حين يصير قزماً
على ذلك لا يبدو أن ما صار يمثل معضلة لأمريكا و”إسرائيل” يمكن معالجتها، فاليمن أثبت اقتدارا استثنائيا في عدة مناحٍ: الأول القفزة الكبيرة التي حققتها القوات المسلحة اليمنية في وقت وجيز في التصنيع العسكري، الثاني: فهم طريقة العدو الدفاعية والنجاح في خداعها أمام كل العالم، الثالث: تطويع والاستفادة من الفاصل الجغرافي الكبير، بحيث لم يكن بُعد المسافة مانعا دون الوصول إلى الكيان وضربه، رابعا: العجز حد الشلل في زرع عيون أو تنشيطها لجمع المعلومات، لذلك جاءت عملياته القليلة عبثية ولا قيمة عسكرية لها. وقد انتقد “أفيف بوشينسكي” المستشار الإعلامي السابق للمجرم نتنياهو الأداء الاستخباري الإسرائيلي، موضحا أن “جيش” الكيان لم يستعد بشكل مناسب لهذا النوع من التهديدات، مضيفا بأنه “لم يكن لدى إسرائيل فهم كاف لجماعة الحوثي، باستثناء كونهم يمنيين”، حسب المصدر.
التخبط العشوائي للعصابة الصهيونية مع الراعي الأمريكي يجعل من نشاطهما العسكري ضد المرافق المدنية اليمنية وفي ظل الظروف المعاكسة لهما أقرب إلى التعويل على الحظ، ورجاء بأن لا يأخذ ذلك وقتا طويلا لتأثيره السلبي على المخزون العام المالي والعسكري. يؤكد مراسل الشؤون العسكرية في قناة “12” نير دفوري إلى أن التقديرات في “إسرائيل” تشير إلى دخولها في حرب استنزاف قد تمتد لأسابيع، إذ تواصل القوات اليمنية إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة بشكل يومي، ما يؤدي إلى إرهاق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية”.
فيما نبه الخبير في الشؤون الإيرانية بمركز أبحاث اﻷمن القومي داني “سيترينوبيتش” إلى أن تعطيل ميناء “إيلات” بالكامل بسبب الهجمات البحرية اليمنية يمثل ضربة قاسية للكيان، مشيرا إلى أن “إسرائيل” لم تعد تمتلك القدرة نفسها على الردع كما كان الحال في الماضي.
أما الخبير في شؤون الخليج “يوئيل جوجانسكي” فرجّح أن يصلوا إلى الهزيمة حال استسلموا للمصيدة اليمنية. وقال “إسرائيل تقع تدريجيا في المصيدة اليمنية، وأنا قلق من أن هذه الحرب قد تنتهي بهزيمتنا”. المسؤول الصهيوني أوضح أيضا أنّ القوات اليمنية قادرة على الانتصار في معركة الاستنزاف ضد “إسرائيل”.
اليمن لا يشبه باقي الأعداء
الإحباط الذي يتملك قادة الكيان الصهيوني ونخبته يضع المسافة الجغرافية أحدَ عوامل هزيمة الكيان، كما أن ضعف البنية التحتية في اليمن يُفقد العدو الأهداف الاستراتيجية، خصوصا أن حربه -كما هو حال البلطجي الأمريكي- تتجه غالبا لتدمير بنية الدولة المتعلقة بمعيشة المواطنين، ولا شأن لها بالنشاط العسكري.
يقول المؤرخ العسكري في “الجامعة العبرية” في القدس المحتلة، داني أورباخ: إنّ “اليمن لا يشبه الأعداء عند حدودنا، فهو يبعد أكثر من ألف ميل عنا، و”يسكن اليمنيون بلداً جبلياً، ولا يملكون بنية تحتية كبيرة. لذلك، حتى لو وجهنا ضربات ضدهم، فلن تؤدي إلى إعاقتهم”.
هذا الإحباط والشعور بالفشل ولّد لدى العدو رغبة للدفع نحو تشكيل تحالف دولي خاص لليمن، وهي الورقة التي تترجم حالة الإحباط في أنصع صوَرها، حيث يريد الكيان من التحالف أن يقوم بما عجز عن القيام به، وهو ما يظهر في تصريح لرئيس “مجلس الأمن القومي” الصهيوني سابقاً، “غيورا آيلاند”، قال فيه: إنّ اليمنيين “يمتلكون صواريخ تكفي مدة عامين”… مؤكداً أنّ ثمة “حاجةً إلى تشكيل تحالف دولي لفرض حصار كامل على اليمن”. فيما نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن المدير السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي “زوهار بالتى” قوله: “لدينا مشكلة في اليمن، “إسرائيل” بمفردها لا تمتلك براءة اختراع لحل المشكلة”. ووصف متحدث جيش العدو الإسرائيلي زيادة إطلاق الصواريخ من اليمن بأنها “مشكلة عالمية”.
الهاجس الإيراني المؤرق
حالة العمى واليأس التي عليها العدو الصهيوني والعدو الأمريكي تدفع للفرار من الفشل إلى منحى مثير للسخرية وهو وضع خيار استهداف على طاولة الخيارات، بزعم أن ذلك يمكن أن يشكل عامل ضغط على القوات اليمنية للتوقف عن هجماتها. ويُعري مثل هذا الخيار حالة هؤلاء البلاطجة البائسة من توظيف الإمكانات المهولة التي يملكونها على كافة الأصعدة لاستهداف اليمن والتأثير عليه.. على أنه في الوقت ذاته يُعرّي التباين في مواقف قادة الكيان، ورضوخ بعضهم إلى حالة اليأس، والقناعة بأن مواجهة اليمن تتطلب حكمة أكبر وطرقا مختلفة غير تقليدية، وهو ما يشير بدوره إلى تمكن القوات اليمنية من زعزعة ثقة الكيان بقدراته وإمكاناته، وينسف جهوده واشتغاله كل العقود الماضية لامتلاك أفتك الأسلحة وأحدثها. يقول وولف كريستيان بايس، وهو من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية “إنهم يَعُدّون أنفسهم جزءا من محور المقاومة، لكن هذا لا يعني أنهم يأخذون أوامرهم من طهران”، وهو ما أكدته أيضا صحيفة هآرتس العبرية في تناولها للعلاقة بين مكونات المحور، إذ قالت: “الافتراض بأن جميعها تعمل من خلال التعليمات والمبادئ التوجيهية الإيرانية هو افتراض تبسيطي. لديهم جميعا سياقات أصلية وحسابات سياسية لم يتم تشكيلها أو حلها في طهران”.
- نقلا عن موقع أنصار الله