تدمير وإحراق المستشفيات لتحقيق الإبادة والتهجير في غزة
يتعامل العدو الصهيوني مع المستشفيات في غزة كهدف عسكري وازن، من أول غارة إلى أحدث مجزرة ارتكبها اليوم. ودائماً ما اقترن اسم كبريات المجازر بالمشافي في لازمة وحشية ضبطت همجية العدو ومنهجيته وفظاعة جرائمه المرتكبة في غزة، في سياق تحقيق هدفه الرئيس بتهجير غزة مرتكباً سلسلة من الفظائع غير المسبوقة في تاريخ الحروب ضمن سياسة الإبادة الجماعية الجارية بصنوف الأسلحة الأمريكية.
أحداث مستشفى كمال عدوان بلغت ذروة هذه الوحشية، بعد أيام من الحصار وقتل كل من يتحركون في محيط المستشفى وقصف طوابقه العليا ثم منع وصول المستلزمات الطبية والأدوية وتدمير مصنع الأكسجين. بعد هذا كله، يتوج العدو سلسلة جرائمه باقتحام مبنى المستشفى صباح الجمعة الفائتة، حيث طلب العدو من المرضى والكادر الصحي الإخلاء الفوري ولم يمنحهم سوى 15 دقيقة، قبل أن يقوم بإحراقه بالكامل. استمر الحريق لأكثر من 24 ساعة وانقطع الاتصال بالجميع، لم تبق سوى الأدخنة تشاهد من بعيد. أطلقت الصحة في غزة نداءات الاستغاثة وكررت بيانات المناشدة بينما التحف العالم صمته وصم آذانه عن سماع صوت الضحايا.
بعد يوم، أعلنت الصحة فقدان اتصالها بالكوادر الطبية العاملة، قبل أن ينتشر مقطع مصور لعشرات المرضى والعاملين في المستشفى يقوم العدو بسوقهم عراة من ملابسهم، في مشهد تنكيل يعيد العدو تكراره في كل مستشفى يقوم بتدميره كما حصل سابقاً مع مجمع الشفاء ومجمع ناصر الطبي وغيرهما.
مساء السبت، جددت صحة غزة التأكيد على فقدانها الاتصال بعمال المستشفى واختفاء أثرهم بمن فيهم مدير المستشفى الطبيب حسام أبو صفية. ولاحقاً، انتشرت صورة لرجل وحيد يواجه بثوبه الأبيض دبابات العدو المحاصرة للمستشفى، وبينهما أكوام من الخراب الهائل، يمشي الرجل عليها متقدماً صوب الدبابات التي تصوب فوهاتها عليه. اختزلت الصورة أشهراً من الحرب على مشافي غزة، وكان المشهد الأخير للدكتور حسام أبو صفية قبل اعتقاله واختفاء أثره.
وتوالت بعدها شهادات مريعة من الناجين من المذبحة، تقول إحدى العاملات: “بعد وصول قوات العدو واقتحامها المستشفى، أخذوا النساء في مجموعات عندهم، واللي كانت ترفض أنها تشلح أواعيها كانت تنضرب لحظة الاعتقال. إحنا أخذونا وشلحونا ملابسنا زي الشباب، إلى حد ما احترموش أنه إحنا بنات!!”.
يمثل هذا القدر من الشهادة حقيقة كافية لنفخ الروح من جديد في الضمائر الميتة، مع أن ما خفي مما ارتكبه العدو -ولا يزال- أكبر بكثير، لكنه في معيار الخذلان العربي والصمت الدولي لم يكن كافياً للفت أنظار العالم. فالعالم اليوم، بعد 440 يوماً من الإبادة في غزة، هو ذاته الذي انساق سابقاً مع سردية العدو أثناء تدميره مجمع الشفاء، والذي أعرض قبلها عن مجزرة المعمداني، ومستشفى ناصر، ولاحقاً عن قصف المستشفى الإندونيسي وغيرها من المشافي. ورغم هذا كله مما ظهر، ورغم اكتمال أركان الجريمة في غزة، لكن ما يُسمى المجتمع الدولي يبدو اليوم أقل استعداداً وأكثر عجزاً عن وقف الجريمة وأكثر تواطؤاً مع العدو الصهيوني وشريكه الأمريكي. لذا يستمر العدو في تدمير البنية التحتية الصحية في غزة.
يرفع العدو من وتيرة استهداف المشافي، ففي غضون ساعات قليلة يقصف المستشفى الإندونيسي ويستهدف بالمدفعية الطابق الخامس لمستشفى الوفاء المتخصص بالعجزة وكبار السن، ويقتل ثمانية ويصيب العشرات في حصيلة غير نهائية. عند الظهيرة، يستهدف مستشفى العودة، ولحظة إعداد التقرير، تعلن الصحة أن قوات العدو اعتقلت عدداً من المرضى أثناء نقلهم من الإندونيسي إلى الشفاء الطبي.
تدمير المستشفيات واستهدافها الممنهج هو في الواقع جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تحقيق الإبادة الجماعية كما تدل على ذلك الشواهد الحالية. هذه الهجمات الوحشية على المرافق الصحية تُظهر كيف أن العدو الصهيوني يمعن في تنفيذ ما يسميه “خطة الجنرالات” في شمال غزة، ويبدو أن الخطة تتقدم دون إعاقات، في ظل انعدام الحد الأدنى من الضغوط الدولية.
المستشفيات -التي يُفترض أن تكون ملاذات آمنة- تتحول إلى مذابح ومسالخ بشرية. ويظهر للمتتبع لتاريخ الجرائم الصهيونية في الأراضي الفلسطينية كيف أن العدو يركز على المستشفيات كونها مراكز إيواء محمية بالقوانين الدولية والأعراف الإنسانية.
هذه العقلية الإجرامية التي تتجلى في التاريخ الدموي للصهاينة تكشف أن استهداف المشافي ليس فقط تكتيكاً عسكرياً، بل يُعَدُّ جزءاً من خطط أوسع لتهجير السكان وإدامة المعاناة.
- نقلا عن موقع أنصار الله