صافرات الإنذار صيحات هزيمة.. الإسناد اليمني ردعٌ بلا قواعد
يقول أحد المحللين تعليقا على حالة الخذلان العربي: هذه اللحظة المزرية غير مسبوقة في تاريخ أمتنا، لا أحد تصور أن يصل الحال العربي والإسلامي هذا المستوى من الخذلان لفلسطين والتخلي .. ويضيف: ما يفعله اليمنيون هو عين الواجب المفترض على العرب والمسلمين القيام به، هم يؤدون بمفردهم ما يجب على الأمة بأجمعها القيام به”.
بين هذين النقيضين تقع هذه اللحظة الأصعب من المواجهة، ويختزل التعليق السابق المشهد القاسي غير المعقول ولا المقبول، وفيه تتجلى حجم صعوبة عمليات الإسناد اليمنية في شقها السياسي العام، لا في جانبها العسكري فذلك تحدٍ آخر اعتاد اليمني التكيف عليه وتطويعه وهي في المحصلة كلفة قرار التحرر واستعادة السيادة.
عمليات الإسناد اليمني:
في هذ الجو المشحون بالتناقضات المليء بالتحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، يبرز اليمن كفاعل مؤثر في دعم القضية الفلسطينية، وفي غضون عام يمسك اليمن براية القضية في خطوة تنسف فعليا القواعد الناظمة لعلاقة الغرب بالعرب وتعيد تشكيل معادلات الصراع على أساس من الهوية الذاتية، والأهم أن هذه المعادلات ستُثبت قدرة الشعوب العربية والإسلامية على تجاوز العقبات وإسقاط الفتن، وتكرس دورها الفاعل في صياغة مستقبل المنطقة وفق أسس الهوية الإيمانية الجامعة، والمفارقة أن يتأتى هذا اليوم في ذروة ما ظنّه الغرب لحظة نجاحة وقطف ثمار المشروع الفتنوي التمزيقي على طريق إقامة الكيان الصهيوني “مشروع الشرق الأوسط الجديد” المُزمع تأسيسها فوق أنقاض خارطة الكيانات العربية والإسلامية المنبطحة استسلاما رهبة ثم رغبة وفي المبررين خيانة.
في مقاربات التحليل العلمي لعمليات الإسناد اليمنية لا يجب فصل الأخيرة عن حقائق الهوية اليمنية النامي على أسسها المشروع القرآني، دون هذا الربط المنطقي الواقعي تغدو المقاربات محض تخرّصات تهدف لصرف النتائج عن أسبابها الموضوعية.
يقول الدكتور البحيصي وهو مهتم ومتأمل في فكر وخطابات السيد القائد: ” إن السر هو في السيد ، وإلا فالشعوب هي الشريحة المغلوب عليها التابعة، ووضعها يبقى امتداد لأمزجة حكامها.. ثم يستطرد في شرح فرادة النموذج اليمني بربط الموقف العالي بشخص السيد وحكمته ورؤيته القرآنية.
في هذا السياق جاءت العملياتُ اليمنية الأخيرة مسجلة السقف الأرفع والقدر الأكبر من الإسناد، وهي لم تكن مجرد موقف سياسي أو تضامن رمزي، بل وبالنظر إلى سياقاتها العامة، خطوات تصعيدية تعكس التزاماً بالقضية وتمسكا قويا بها كحق لا تزحزحه المتغيرات الدولية، ومحاولات التطبيع وتمييع المظلومية وتصفيتها.
في الوقت ذاته تعكس العمليات اليمنية التطور الذي وصلت إليه القدرات اليمنية الصاعدة باقتدار كعناصر قوة تلبي صراعا مريرا تجاوزت فصوله ثمان سنوات، وامتدت معاركه لأكثر من أربعين جبهة، ويمثل فلسطين2 أحد تمظهراتها العصامية، على أن ما يخفيه الجيش اليمني مما يعده ويستعد له أكبر.
مساء الخميس وفجره:
المؤكد أنها المرة الأولى التي يطلق فيها اليمنيون صاروخي “فلسطين 2” في غضون ساعات، هذه العملية، يجمع المحللون، أنها تؤسس لطور جديد من العمليات اليمنية، وتؤشر لزخم انتاج طالما خشيه الصهيوني وحاول الحؤول دون بلوغ اليمنيين إليه.
العملية كانت علامة فارقة في مسار الإسناد العسكري المباشر للمقاومة الفلسطينية، وقد أعادت من موقع القدرة التأكيد على حضور اليمن الفاعل ودوره في معادلة الصراع، من بوابة استعداده الدائم لدعم غزة وكسر محاولات عزلها، وتجاوز الضغوطات الهائلة الممارسة على القيادة لثنيها، ضمن محاولات لم تنفك رسائلها تصل صنعاء بالوفود الدبلوماسية أو عبر القنابل التدميرية.
التوقيت هو الآخر الذي اختاره اليمن لتنفيذ عملية صاروخَي فلسطين2 لم يكن عشوائيًا، بل جاء في لحظة محورية تتصاعد فيها خطوات العدو الإسرائيلي لتشديد الحصار على غزة وعزلها عن العالم، في هذه الأجواء، جاءت الصواريخ اليمنية لتعيد خلط الأوراق، كما أن الصواريخ اليمنية تثبت في كل عملية أنها تشهد تطورا متسارعا لا يمنحها تجاوز دفاعات العدو الجوية وحسب بل ويكسبها قدرة تدميرية أكبر.
دقة الإصابات وقوة التفجيرات التي هزت عمق الأراضي المحتلة، في يافا، أحدثت زلزالًا على المستويين النفسي والعملياتي داخل كيان العدو الإسرائيلي. الملايين نزحوا إلى الملاجئ، التي باتت غير قادرة على استيعابهم أو حمايتهم، ما دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى الإقرار بعجز منظومتهم الدفاعية أمام هذه الصواريخ الفائقة السرعة، وقد بدأت سليلة تفاعلات داخلية تشتد على وقع الصواريخ اليمنية والمسيّرات.
صافرات الإنذار صيحات هزيمة:
الصافرات المدوية في أرجاء المستوطنات تشعل الأرض المحتلة، تقول الأوساط الصهيونية إنه من الصعب على منظومة الرقابة والدفاع تحديد وجهة الصواريخ اليمنية أو تخمين أهدافها، لذا تلجأ أنظمة الإنذار المسبق للعمل في كامل المناطق المتوقع وصول الصاروخ اليها أو المحلق فوقها.
هذه الصافرات باتت تمثل رعبا نفسيا يسبب انهيارات نفسية لملايين المستوطنين فهي لم تعد تُطمئن المستوطنين أو تحذرهم كما كانت تفعل سابقًا، بل باتت تمثل بداية لحالة من الرعب الذي يسبق التفجيرات. هذا التحول النوعي يعكس ليس فقط تطور القدرات العسكرية اليمنية، بل أيضًا تزايد الجرأة السياسية والعسكرية في مواجهة العدو وتشتيت جهوده واستنزافه، وهو وجه آخر مم أشكال الحضور اليمني المساند، ويؤكد أن معادلة الصراع لم تعد محصورة بين غزة والعدو، بل توسعت لتشمل أطرافًا أخرى مستعدة وحاضرة للانخراط في المواجهة وتحمل كلفها وأعبائها.
في المقابل، ورغم استمرار العدو في التحضير لعملية عسكرية كبيرة يهدف من خلالها إلى “ردع” العمليات اليمنية إلا أن اليمن ليلة وفجر الخميس، وكعادته، استبق هذه التحركات بفعلٍ مبادرٍ ومتسارع لا يعترف بالقيود أو السقوف؛ فأربكت العملية الداخل الصهيوني سياسيا وعسكريا أثرت حتى على خطط العدوان على اليمن الذي حصل في التوقيت ذاته في اشتباك جوي نادر في تاريخ الحروب.
أظهرت العملية الأخيرة وما أعقبها نهار الخميس بطائرة مسيرة، أن القرار اليمني في دعم القضية الفلسطينية راسخ وثابت ويقوم على رؤية استراتيجية، فالقرار متخذ مسبقا، وتنفيذه مبني على توافر القدرة ليس إلا، علاوة على أن القوة تشهد تطورا باستمرار تقنيا وعملياتيا، لتلبية متطلبات الصراع وفق أسوأ سيناريوهاته المتوقعة، هذا النهج يؤكد أن اليمن لن يتراجع عن دوره في الإسناد مهما كانت الظروف وتعاظمت الضغوط، بل هو وبشكل مطرد يدخل في مرحلة عمليا ويستعد لأخرى تخطيطا وإعداداً.
من جديد أعادت عملية فجر الخميس التأكيد على ما أعلنه اليمنيون للشعب الفلسطيني في اليوم الأول (لستم وحدكم) وبقدر ما هو رفد معنوي مؤثر وفعل عسكري وازن بقدر ما هو إسقاط لهدف صهيوني قامت عليه خطط العدوان على دول المنطقة وشعوبها.
- نقلا عن موقع أنصار الله