انتفاضة الحجارة وانكشاف مسار أوسلو
عبدالله علي صبري
في التاسع من ديسمبر الجاري حلت الذكرى 37 لانتفاضة الحجارة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت نهاية العام 1987 واستمرت نحو 6 سنوات، في عمل بطولي مقاوم تصدرت يومياته نشرات الأخبار في مختلف وسائل الإعلام الدولية.
تولدت شرارة الانتفاضة في اليوم التالي لعملية دهس قام بها صهيوني مغتصب لحافلة كانت تقل عمالا فلسطينيين أثناء انتظارهم التفتيش من أجل العبور من حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة. وامتدت الانتفاضة الأولى التي كانت الحجارة سلاحها الوحيد إلى الضفة الغربية، ما جعل العدو الصهيوني يواجه تحديا هو الأكبر في الضفة والغزة منذ عشرين عاما على احتلاله لهما.
وحسب بيانات رسمية فلسطينية، فقد استشهد في الانتفاضة 1550 فلسطينياً، وجُرح ما يزيد على 70 ألفاً، وعلى الجانب الآخر قُتل 256 مستوطناً و127 جندياً على أيدي الفلسطينيين. وتعرض للاعتقال 100 ألف فلسطيني، إضافة إلى 18 ألف معتقل إداري. واستشهد 40 أسيرا فلسطينيا تحت التعذيب.
لم يتوقف التوحش الصهيوني عند هذا الحد، إذ قام بهدم 447 منزلا فلسطينيا هدما كاملا، وقام بإغلاق 294 منزلا فلسطينيا إغلاقا تاما كإجراء عقابي. ودمر المئات من المنازل أثناء ملاحقة المطلوبين أمنيا، ومارس أبشع أنواع التنكيل و” تكسير العظام ” بحق الآلاف من أبطال الانتفاضة.
لكن بالرغم من العنف المفرط لقوات الاحتلال وأجهزته الأمنية إلا أن الانتفاضة ظلت متوقدة ومتوهجة، عاما بعد آخر، من خلال العصيان المدني والمظاهرات الشعبية، ما جعل العالم يتنبه إلى حقيقة ما يحدث في فلسطين المحتلة، ويعمل على مساندة حقوق الشعب الفلسطيني ودعم حقه في تقرير المصير. وكانت هذه الانتفاضة ضمن عوامل أخرى من الأسباب المباشرة التي فرضت على العدو الصهيوني توقيع اتفاقية أوسلو 1993، وقيام سلطة فلسطينية في غزة وبعض المناطق في الضفة الغربية.
كانت الانتفاضة دليلا على حيوية الشعب الفلسطيني وصموده ومقاومته، في مقابل الهمجية الصهيونية التي لم تكف عن تهويد الأراضي الفلسطينية، والعمل على طمس هوية الشعب الفلسطيني، وتقييد الحريات بالتوسع في الاعتقالات، وملاحقة رموز النضال الفلسطيني داخل وخارج فلسطين المحتلة.
كان الفلسطيني يعبر عن نفسه وعن مظلوميته التاريخية من خلال رفض استمرار هذا الاحتلال بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وكانت المفاجئة أن الحجارة غدت سلاحا فاعلا يرهب جيش العدو وقطعانه المغتصبين، بل ويربك الأداء السياسي لقادة الكيان الغاصب، ويعطل مشاريعهم التوسعية، ويحشد الرأي العام الدولي تضامنا مع الفلسطينيين وعلى الضد من وحشية الكيان وجنوده.
وقد ساعدت هذه الانتفاضة المفاوض الفلسطيني على انتزاع تنازلات ما كان يقبل بها الكيان الغاصب، لولا رغبته في التخلص من الانتفاضة وشبابها ورموزها، وكان بإمكان منظمة التحرير الفلسطينية أن تصل إلى نتائج أفضل بكثير مما تحقق في أوسلو 1993، لولا خذلان الأنظمة العربية، وحالة الانتهازية التي ظهرت عليها بعض القيادات الفلسطينية.
وبعد عشرين عاما ثبت أن مسار أوسلو كان على المدى البعيد في صالح هذا الكيان، الذي انقلب على كل التفاهمات، ولم يسمح لنواة الدولة الفلسطينية أن تكتمل، بل وحصر دورها في وظيفة أمنية لصالح دولة الكيان، وفي مواجهة المقاومة الفلسطينية، التي رفضت اتفاق أوسلو، وتمسكت بخيار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير فلسطين وانتزاع حرية الشعب الفلسطيني.
مؤخرا وبرغم الملحمة الأسطورية للشعب الفلسطيني في معركة طوفان الأقصى، شرعت الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس محمود عباس في محاصرة مخيم جنين، والتعامل مع الشباب المقاوم وكأنهم مخربين خارجين عن القانون، في انتهازية فجة تهدد الوحدة الفلسطينية، وتحاول عبثا كبح جماح المقاومة والقفز على تضحياتها ومكتسباتها.