تخادم أمريكا و “داعش” لنقل الفوضى إلى العراق
يمانيون../
نجح العراق خلال السنوات السبع الماضية في محاصرة العناصر التكفيرية وتوجيه الضربات الموجعة لها رغم ما يعيشه من تراكمات الماضي، إلا أن شبح نشاط تلك الجماعات يعود من جديد مع متغيرات الواقع في سوريا وظهور الكثير منها إلى العلن بكونها أطرافاً مشاركة في عملية التأسيس لحقبة جديدة.
ومع ضبابية المشهد وشكل توجه الدولة السورية الجديدة في علاقاتها الخارجية -حتى الان- تتشكل المخاوف بصورة أكبر من تأثر الداخل العراقي بهذه المتغيرات، خصوصا مع التزام هذه الجماعات المبدئي بأن الاستهداف يوجه فقط للعراق وشعبه، ولا يتعرض للمحتل الأمريكي الذي لا يزال يفرض وجوده بالقوة من خلال قواعده العسكرية وأكثر من (3000) جندي وضابط. لذلك جاء استنفار القوات العراقية في الحدود مع سوريا شيئاً حتمياً ولابد منه؛ خشية أن تجد الخلايا النائمة من يبعث فيها الحياة والعودة إلى خلق الفوضى.
العراق في المخطط الأمريكي
قبل أيام قام وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن بزيارة مفاجئة لبغداد والتقى رئيس حكومة العراق محمد شياع السوداني، عقب لقاءٍ جمع بلينكن بالعاهل الأردني عبدالله الثاني في مدينة العقبة جنوب الأردن، كما شملت زياراته النشطة دولة تركيا. وتداولت وسائل الإعلام أن زيارة بلينكن تأتي لغرض “الاسهام في استقرار سوريا، ومنع التداعيات المحتملة على العراق.” حسب الزعم الأمريكي، لتُظهِر الزيارة -في كل الأحوال- مستوى الأهمية التي يحتلها العراق في سياق التحركات الأمريكية لتأمين الواقع الآمن للكيان الصهيوني، باللين أو التهديد، المباشر أو غير المباشر، من أجل الدخول في علاقة تطبيع مع العدو وطيّ صفحة الرفض والمقاومة ونسيان القضية الفلسطينية.
التركيز على العراق -الذي تلا أحداث سوريا- لم يمنع من بدء تداولٍ حول الأردن القريب أيضا، وقد أثار الإعلام العبري ذلك بالفعل، وقال إعلام العدو إن: “إسرائيل” تخشى من انهيار الاستقرار في الأردن نتيجة تداعيات ما جرى في سوريا”، والأردن هو مرحلة بدأ إبراز مستوى تهديدها من الجهة السورية قبل أشهر، عندما ارتفعت وتيرة نشاط عصابات التهريب على الحدود والتي لم تكن تخلو من المواجهات العنيفة وسقوط قتلى وجرحى فيها.
ولإدراك العراق بأن سيطرة عشرات الفصائل على الوضع في سوريا يجعل مخاطر عودة الفوضى الأمنية للبلاد واردة بقوة -انطلاقا من المعرفة بمخطط أمريكا الكبير للكيان- فقد وجّهت الحكومة العراقية بتعزيز أمن الشريط الحدودي مع سوريا عبر التحصينات والخطوط الدفاعية واستنفار القوات والطاقات لاستهداف أي نوايا أو تحركات إلى الأراضي العراقية، ولا يخفي العراق تخوفه من ظهور بعض الجماعات الراديكالية في المشهد السوري الجديد، كون ذلك يكشف -ولو على نحو غير حاسم- طبيعية العلاقة المستقبلية التي ستجمع البلدين. لذلك شدد نائب قائد العمليات المشتركة في العراق الفريق أول الركن قيس المحمداوي على “أن لا يكون الإرهاب والمجاميع الإرهابية جزءاً من حالة سياسية أو تشكيل جديد أو أي عنوان، لأن العراق سبق وأن عانى من تداعيات التطورات في سوريا التي أفرزت مجاميع إرهابية عبرت الحدود وهاجمت مدناً عراقية”.
محمد نوري الدليمي محافظ محافظة الأنبار -التي عانت كثيرا من الهجمات الإرهابية- يتفق أيضا بأن ما يجري في سوريا لا شك بأنه سيخلق جملة من المخاطر والتهديدات لدول المنطقة ومنها العراق، ويقول الديلمي: إن “التطورات السورية تفرض علينا واجبات إضافية لمنع الخطر”.
خلايا أمريكا النائمة
وقد رافق مخاوف العراق من انفلات الأوضاع في سوريا استعدادُهُ المبكر والعالي لتعزيز حماية هذه الحدود عبر التحصينات والخطوط الدفاعية والتحسب لكل التحديات، وتعزيز الأمن الداخلي وتهيئة الاحتياطات.
يؤكد قائد عمليات الأنبار في الحشد الشعبي في العراق قاسم مصلح “العمل على تعزيز الأمن عند الحدود مع سوريا بسبب الانفلات الأمني الحاصل فيها”، وقال: “إنّ المجاميع المسلحة في سوريا غير منضبطة، ونعمل على تعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود تحسباً لإعادة سيناريو عام 2014”. فيما كان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال استقباله وزير الخارجية الأميركي أكد أن “العراق ينتظر الأفعال لا الأقوال من القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا”، رافضا “أي اعتداء على الأراضي السورية من أي جهة كانت”.
إلا أن التحدي لن يكون فقط قادما من سوريا، وإنما أيضا من داخل العراق حيث لا أحد من العراقيين ينكر وجود خلايا نائمة تنتظر الظهور، وأحيانا تسميم الأجواء ببعض العمليات الخاطئة؛ كحال العملية التي أحبطها جهاز الأمن الوطني في العراق الخميس الماضي بالقضاء على إرهابي كان يرتدي حزاماً ناسفاً في كركوك قبل تفجير نفسه، والسبت 14 ديسمبر اشتبكت قوات من الحشد الشعبي العراقي مع عصابات “داعش” في أطراف (حديثة) غرب محافظة الأنبار. ومثل هذه التحركات تعزز من أهمية استمرار حالة اليقظة وعدم الركون إلى ما يتم تحقيقه من انجازات، فالعراق واحدة من الدول المهمة المستهدفة من قبل العدو الأمريكي الصهيوني، بالنظر إلى ثروته وجغرافيته بعد ضمان ثروة المنطقة الخليجية.
يؤكد عضو تحالف الفتح العراقي علي الزبيدي أن “هناك حاجة ماسة لقيام الحكومة باتخاذ إجراءات أمنية لمواجهة الخلايا النائمة والقضاء عليها بشكل نهائي عبر عمليات استباقية في مختلف المناطق”، ويرى الزبيدي: بأن “هناك عدداً كبيراً من الأفراد والأطراف لديها نَفَس إرهابي، وتنتظر اللحظة المناسبة للظهور والكشف عن نواياها، ما يحتم على الشعب الوعي وإدراك خطورة هذه الخلايا وعدم الانجرار وراء مخططاتها”.
العراق حلقة مهمة للعدو
يرى الكاتب العراقي عادل الجبوري بأنه من الطبيعي جداً -في ظل أجواء التآمر والاستهداف المتواصل، والأجندات التخريبية التدميرية- أن يتوجس العراق من التوغل الصهيوني في سوريا من خلال استغلال حالة الفوضى والاضطراب بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ويتوجس أكثر من الحملات الصهيونية المتواصلة لتدمير المنظومات والقدرات العسكرية والتسليحية السورية بشكل غير مسبوق. وفق الجبوري الذي قال أيضا: إذا كان الكيان الصهيوني قد نجح قبل أكثر من أربعين عاماً في تحييد مصر وإخراجها من معادلات الصراع العربي معه، فقد بقي يعمل بنفس الهدف والتوجه على كل من سوريا والعراق، وهو يشعر الآن أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحييد سوريا بأسلوب آخر.
وعبر البوابة السورية يرى أنه يمكن أن يصل إلى العراق بأقصر الطرق. وهذا ما يدركه ويعرفه جيداً أصحاب القرار السياسي في بغداد، وتدركه وتعرفه مختلف النخب السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية العراقية.
إذاً ثمة إدراك ووعي بأن ما يحدث في سوريا ليس وليد صدفة، كما أنه لا يستهدف البلد السوري فقط، وإنما مخطط قديم جرى تحديثه وفق مقتضيات المتغيرات التي تشهدها المنطقة والتحديات الدولية التي تكاد تسحب البساط من تحت المجرم الأمريكي، وتمنعه من الاستمرار في هواية إذلال الشعوب وقهرها وسلبها كل مقدراتها.
تصدير “الإرهاب”
تأتي حالة الاستنفار في القوات العراقية من قناعة بأن ما يجري في سوريا والمنطقة لا يخرج عن كونه جزءاً من مخطط كبير لاستهداف الدول العربية تقوده أمريكا والكيان الصهيوني وتنفذه أدواتهما في المنطقة، وأما سوريا فإنها إحدى المحطات المهمة التي سيكون لها الدور البارز في السير على المخطط، ناهيك عن كون مخطط تمزيق سوريا يعد محطة اختبار لمدى فاعلية حقنة التخدير التي حَقَنت بها أمريكا دولَ المنطقة بالترهيب والترغيب، فإن مختلف الفصائل الطائفية العرقية ستُبقي الوضع في هذا البلد في حالة التهاب وهو ما يصب في مصلحة الكيان، هذا إلى جانب النشاط المتوقع لبعض الجماعات، أو تصنيفها كشماعات من أجل تصدير الأعمال العدوانية إلى دول الجوار، ما سينعكس بدوره على المنطقة عموما.
الجمعة الماضي 6 ديسمبر، أكد القيادي في تحالف الفتح العراقي صادق عبدالله أن “ما يحدث في سوريا مخطط دولي لتمزيق الدولة وتفتيت مؤسساتها وزج الملايين في فتن عرقية تؤدي إلى مأساة كبيرة”. وكشف القيادي العراقي بأن “آلافاً من عتاة الإرهاب من سبع جنسيات تم إطلاق سراحهم من السجون السورية بعد اقتحامها من قبل تنظيمات الزرقاوي والبغدادي”. لافتا إلى أن “ما يحدث يمثل خطراً مباشراً على أمن دول المنطقة لاسيما العراق”.
لذلك لا يستبعد صادق عبدالله أحداثاً قاتمة قادمة إما “إرهابية” أو تحت عنوان “الإرهاب”، ويشير إلى أن “الإرهاب ما هو إلا ورقة تتلاعب بها العواصم الغربية من أجل تحقيق مصالحها في “الشرق الأوسط”، وقال: لا نستبعد أي أحداث قادمة في ظل ضخ المال والسلاح لتعزيز قدرات التنظيمات التكفيرية في سوريا.
تخادم أمريكا و”داعش”
من جملة المعطيات التي تؤكد ما سبق التخادم الذي ظهر قبل دخول الجماعات إلى سوريا وبعده بين أمريكا والكيان من جهة وهذه الفصائل من جهة ثانية، فأمريكا التي تحتل جزءاً من سوريا بذريعة مكافحة “الإرهاب” والجماعات المتطرفة لم تعد تتحدث عن “إرهاب” تلك الجماعات، بل على العكس من ذلك كانت أول من فتح -وبشكل مباشر وسريع- قنوات اتصال وتواصل مع هذه الجماعات، وبالأخص المكون الذي يمثل العمود الرئيسي للمجموعات المسلحة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، على الرغم من تصنيفها “منظمة إرهابية” على لوائح الولايات المتحدة والأمم المتحدة بسبب تنفيذها هجمات انتحارية وقتل مدنيين وتبني رؤية طائفية عنيفة.
وبدأت أمريكا تتحدث عن ما أسمته بـ”آفاق مستقبلية للبلد” في ظل هذه الجماعات، مع اشتغال آخر يكشف ولائية ذوي النزعات التكفيرية لأمريكا، والتخادم فيما بينهم، كما أن ما يكشف رضا واشنطن عن أدائهم في المرحلة وفق المخطط الأمريكي وإعدادهم للمرحلة الثانية هو إعلان وزارة الخارجية الأمريكية الصريح بمراجعة تصنيفها لـ “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) كمنظمة إرهابية ” وربطت ذلك بـ”عندما تتخذ الهيئة إجراءات منتظرة منها”، ولا شك بأن المقصود بهذه الإجراءات هي تلك التي تساهم في أمن وسلامة الكيان، وسيتبين ذلك بصورة أكيدة في قادم الأيام أو الأسابيع، على أن الكشف عن النوايا في ما يعني، هو أيضا أمر في محل تقييم، لذلك جاء الرضا الأمريكي على التصريحات الأولية لأحمد الشرع لجهة عدم فتح صراع مع العدو، إذ قال بايدن الأسبوع الماضي إنه يتابع “تصريحات القادة السوريين الجدد، وهي تبدو جيدة حتى الساعة ونراقب أفعالهم أيضاً”. ويوم أمس صرح (الجولاني) لصحيفة “التايمز” البريطانية، أنه “لن يسمح باستخدام البلاد نقطة انطلاق لهجمات ضد إسرائيل، أو أي دولة أخرى”. كما أبدى التزامه باتفاقية عام 1974 والاستعداد لإعادة المراقبين الدوليين، لأنه جماعته لا تريد أي صراع، سواء مع “إسرائيل” أو أي طرف آخر.
يقول مراقبون: اعتادت أمريكا مثل هذه البجاحة في التعامل مع الرأي العام العالمي، فهي تطلق التصنيفات وتروج لها متى تشاء وتتوقف عنها متى تشاء. لذلك لا غرابة في القول إن هذا النشاط سيتجدد استعدادا لخطوة أخرى في بلد آخر، العراق تحديدا. والتنظيم الإرهابي “داعش” الذي صار حمامة سلام، ها هو يرتب أوراقه بكل أريحية في ظل رعاية أمريكية مفضوحة.
ويدرك العراقيون بأن تنظيم “داعش” هو أداة أمريكا لقلب الأوضاع في الأقطار وفتح الطريق للبلطجي الأمريكي من أجل إحكام سيطرته على هذه الأقطار. يقول عادل الجبوري: “ربما يحاول تنظيم “داعش” تكرار أو استنساخ مشهد التغيير السوري في العراق”. وما يعزز مثل تلك الاحتمالات والهواجس -حسب الجبوري- المعلومات التي تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية جمعت ودربت أحد عشر ألف عنصرا داعشيا في سوريا خلال الشهور القلائل الماضية لمهاجمة العراق، ناهيك عن تفعيل الخلايا النائمة في الداخل لنفس الغرض.
وكان عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي الثلاثاء 10ديسمبر: “إنّ الإرهابيين يتحضرون بقوة للهجوم على العراق”، وذكر بأن “هناك 11 ألف إرهابي داعشي تم تدريبهم في معسكر أمريكي شمال سوريا”، مشيراً إلى احتمال أن يقوموا بهجوم على الموصل أو تكريت خلال الأشهر المقبلة.
موقع أنصار الله – وديع العبسي