سورية تدفع ثمن مواقفها العروبية الأصيلة
محمد الجوهري
في عالم يحكمه اليهود ويمارسون فيه الإجرام والعنصرية الدموية بمختلف أشكالها خاصةً ضد العرب، فإن أي بلد يعارض هذه الهمجية سيكون مصيره نفس مصير سورية اليوم، والتي بدورها تدفع ثمن مواقفها القومية نيابةً عن الأمة العربية بكلها.
تاريخيًا لم تكن سورية ساحة صراع محلية، بل كانت وما زالت محورًا رئيسيًا في صراع القوى الكبرى، حيث استُخدمت كأداة لتجريب السياسات والمخططات الأمريكية، فكل أزمة مرت بها البلاد من النزاعات الداخلية إلى التدخلات العسكرية، تحمل بصمة واضحة للولايات المتحدة، التي لم تتوانَ عن استخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.
ولنتذكر أن الحرب على سورية ليست وليدة يومها، ولا حتى سنة 2011، بل هي امتداد لسلسلة من المؤامرات التدميرية التي بدأت منذ عقود، عبر تدعيم النشاط التكفيري لجماعة الإخوان، وكانت البداية من فتنة حماة 1982، ولم تكن -حينها- الصورة واضحة للجميع، لذلك ظهرت وكأنها أزمة داخلية، إلا أن الحقيقة تجلت بمرور الزمن، وها هي التنظيمات التكفيرية تعلن ولاءها لـ”إسرائيل” في العلن، فيما تبدي الأخيرة تعاطفها الشامل مع تلك الفصائل، وتؤكد أنها على اتصال وتنسيق متكامل، لدرجة الاتفاق على تطبيع العلاقات الدبلوماسية في حال نجحت في إسقاط دمشق، لا سمح الله.
ولذا، فإن الرد عليها يجب أن يكون دوليًا أيضًا؛ وعلى كل محور المقاومة والجهاد مساندة سورية في مقارعة الجماعات الإرهابية، والأهم هو وجوب فتح جبهة سورية ضد العدو الإسرائيلي، وعندئذٍ سيرتدع الكيان ويضطر إلى خفض التصعيد في الأراضي السورية، على الأقل، إذا لم يشمل الأمر سائر دول المحور.
كما أن للغرب الحق في استخدام الجماعات التكفيرية ضد أي بلد يعارض سياساته، فإن من حق المعارضين الرد بالمثل، بما في ذلك إرسال مثل هذه العناصر إلى الغرب لاستخدامها في ضرب المصالح الغربية في عقر دارها، وهذا حق تضمنه جميع الشرائع والمواثيق الدولية، وتمارسه القوى العظمى فيما بينها، كما كان الحال خلال فترة الحرب الباردة، حيث استخدمت واشنطن كل أوراقها ضد موسكو، بما في ذلك تدويل الصراعات المحلية كما حدث في فيتنام وأفغانستان.
أما عن توظيف ورقة الإرهاب ضد خصوم واشنطن، فهو الإرهاب بعينه، فكيف يحق لها أن تمارس كل أشكال الإجرام وبلا أي خطوط حمراء، ثم تعتبر الرد على إجرامها بأنه إرهاب!
فالولايات المتحدة دائماً في موقف المعتدي، وعملياتها تمتد بطول الكرة الأرضية وعرضها، ولا بد للعالم الحر أن يرد على واشنطن بالمثل، فكما تدين تدان، وكما تعدت حدود الآخرين فإن حدودها لن تسلم هي الأخرى، ولا سبيل لسلامة أراضيها ومصالحها إلا بكف أذاها أولاً عن العالم الخارجي.
إنَّ الولايات المتحدة دائمًا في موقع المعتدي، وتمتد عملياتها العسكرية والسياسية عبر قارات العالم، مما يفرض على المجتمع الدولي مسؤولية الرد بالمثل، فكما أن القاعدة المعروفة تقول “كما تدين تدان”، فإن تجاوز الولايات المتحدة لحدود الآخرين لا يعني أن حدودها ستكون محصنة من الردود، لذا، فإن السلامة والأمن لمصالحها وأراضيها لن يتحققا إلا من خلال كفّ أذاها عن العالم الخارجي.
وعلى الدول الحرة أن تتوحد وتواجه التحديات التي تفرضها السياسات الأمريكية، فالمقاومة ليست خيارًا بل واجبًا، وبذلك يمكن للعالم أن يسعى نحو تحقيق توازن يضمن احترام حقوق الشعوب وحريتها.