نعم لقد انتصرنا
عماد الحطبة
طلب إليّ أحد الأصدقاء الغاضبين من اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان عدم الحديث عن النصر. في رأيه، لا يمكن عدّ ما حدث نصراً، إذ حقق العدو هدفه بإيقاف واحدة من أهم جبهات الإسناد، في الوقت الذي دفع الشعب اللبناني ومقاومته ثمناً باهظاً من دون تحقيق النتائج المطلوبة. وانتقل إلى التعميم مؤكداً أن محور المقاومة أخطأ في حساباته، فأي حرب مع عدو مثل “اسرائيل” يجب أن تعتمد على حسابات دقيقة، بحيث لا تذهب دماء الضحايا هدراً.
هذا المنطق يتردد، وبدأ يتصاعد من خصوم محور المقاومة، أو ممّن اضطروا إلى إظهار تأييدهم لهذا المحور تحت وطأة الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، ونذكر الأصوات نفسها عندما تعالت مشككة في موقف المقاومة اللبنانية على وقع الخطاب الأول لشهيد الأمة السيد حسن نصر الله، بعد بدء عملية طوفان الأقصى. لن يرضى هؤلاء عن المقاومة مهما فعلت ومهما قدمت من تضحيات لأن وجودهم يعتمد على نفي فكرة المقاومة، والقضاء عليها، لتُفتح أمامهم أبواب التبعية للمستعمر الذي يحفظ كياناتهم، ومنظماتهم. المقاومة، إذاً، ليست معنية بهؤلاء ولا بالرد على طروحاتهم المسمومة.
تبقى المسؤولية أمام جمهور المقاومة، في كل مكان في العالم، أن نجيب عن سؤال: هل انتصرنا فعلاً؟ نسأل أنفسنا لماذا تخاض الحروب؟ هل نخوضها لنقتل الآخرين أم أننا نسعى لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية، بأقل قدر ممكن من الخسائر، وخصوصاً في الحياة؟ الإجابة واضحة للجميع، وعبّرت عنها المقاومة قولاً وفعلاً: نحن مقاومون وأصحاب قضية وطنية ولسنا قتلة، أما عدونا فمستعمر قاتل وأهدافه محدودة في القتل ونهب الثروات وإذلال الشعوب. في ظل هذا التباين، لا بد من أن يتباين تعريفا النصر والهزيمة بيننا وبين عدونا.
قبل عملية طوفان الأقصى، كان العدو الأكبر (الولايات المتحدة) يدفع المنطقة بشكل متسارع نحو حلف يساعده على تطبيق خطته النهائية بتصفية حركات المقاومة (Non state organizations)، تمهيداً لإلحاق جميع دول المنطقة بالحلف الإبراهيمي، الذي يقوم على تصفية القضية الفلسطينية وخلق منطقة اقتصادية مشتركة بالمال والقوة البشرية العربية والإدارة “الإسرائيلية”، تعمل هذه المنطقة على تحويل جميع فوائض القيمة إلى المركز الرأسمالي شبه المفلس، وتقف كعقبة في وجه التمدد الاقتصادي الصيني.
أمام التخاذل والتواطؤ من معظم الأنظمة الرسمية العربية والإسلامية، لم يكن أمام المقاومة إلا المبادرة إلى الاشتباك مع العدو في محاولة لإفشال مخططاته. لم يكن قرار الاشتباك اعتباطياً أو وليد ساعته، فجرى إعداده على مدى أكثر من سنتين، بدءاً مع معركة سيف القدس عام 2021، ومعركة وحدة الساحات، لتُتوَّج في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023. لم تعلن المقاومة، في أي مرحلة من مراحل الإعداد، أو خلال المعركة، أن هدفها من المعركة دحر الاحتلال وتحرير فلسطين، بل إن سيد المقاومة وشهيدها أعلن صراحة أن النصر سيكون بالنقاط، وليس بالضربة القاضية.
السؤال الآن: هل حققت المقاومة هدفها في إفشال التحالف الإبراهيمي والناتو العربي؟ نستطيع القول، بكل ثقة، إن هذا الهدف تحقق، وإن هذه المشاريع الاستعمارية تأجّلت أعواماً طويلة. السؤال الذي يتبعه مباشرة: هل نجح المخطط الاستعماري في القضاء على منظمات المقاومة؟ الجواب بالتأكيد، لا. أن تصمد في وجه أكبر الجيوش وأعقد أجهزة استخبارات في العالم، وتتفوق عليها أحياناً، وتدفع سياسيي هذه الدول إلى الهرولة إلى عاصمة المقاومة طلباً لوقف إطلاق نار بشروطك، فكيف لا تتحدث عن نصر؟ بل هو نصر، ونصر عظيم.
يتحدث البعض عن دخول الجيش اللبناني جنوبَ الليطاني لحماية الحدود اللبنانية، كأنه هزيمة للمقاومة، متناسين عمدا أن هذا الحضور للجيش اللبناني كان مطلباً دائماً للمقاومة، بل إن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، هي معادلة صاغتها المقاومة في وجه التيارات الانعزالية، داخلياً وخارجياً. هذا الحديث الهادف إلى خلق فتنة بين الجيش وجمهور المقاومة في الجنوب من جهة، وبث حالة من الإحباط لدى جمهور المقاومة في الخارج؛ هذا المخطط فشل على الأرض منذ اللحظة الأولى لإعلان وقف إطلاق النار، عندما تدفق جمهور المقاومة على قراه وبلداته رافعاً أعلام المقاومة، وصور قادتها، في رسالة نهائية إلى كل من راهنوا على هزيمة المقاومة، مفادها أن هذه المقاومة باقية ما بقي أهل الجنوب، وجمهورها في كل مكان.
لن تخجل المقاومة من القول إنها بعد حرب استمرت 14 شهراً، ومجزرة صهيونية ضد جمهورها على مدى أكثر من 60 يوماً، واستشهاد معظم قادة الصف الأول، تحتاج إلى فرصة لالتقاط أنفاسها، وإعادة تنظيم صفوفها، وتذخير ترسانتها. اتفاق وقف اطلاق النار كان قراراً قبلته الدولة اللبنانية والتزمته المقاومة. لكن المقاومة تبقى حرة في حركتها، وفي خطابها، الذي أكدته في بيانها الأخير، عبر القول إنها ملتزمة موقعَها وموقفَها، تجاه فلسطين، وتجاه الأمن القومي العربي. وإذا استدعت الظروف العودة إلى ساحة القتال، فلا نشك في أن رجال الله في لبنان سيكونون في الصف الأول، وسيقدمون قرابين النصر من المقاتلين والقادة في طريق التحرير، وطريق القدس.
* المقال يعبر عن راي الكاتب ـ موقع الميادين نت