اللوبي الصهيوني.. وإنتاج كيان العار اللقيط
إبراهيم محمد الهمداني
في البداية، كان العار منفياً حتى من أخلاقيات وأعراف المجرمين. كان قطاع الطرق يأنفون من السطو على العجائز الضعفاء، ويترفعون عن الانتقام من النساء والأطفال. أما اللقطاء – مجهولو النسب – فكانوا منبوذين من محيطهم الاجتماعي، حيث يتحاشاهم الجميع ويرفضون كافة أشكال التواصل معهم. كانت الشعوب ترفض ولاية الابن غير الشرعي للملك وترى أن فرض ولايته إهانة لها وانتقاصاً من قيمتها ومكانتها، لذلك كانت تسارع إلى خلعه، غير مكترثة بالعواقب والتداعيات، ومستعدة لدفع ثمن موقفها من دمائها وأرواح أبنائها. ذلك لأن سيادة الأدعياء على صرحاء النسب أمر تنكره فطرة الشعوب السليمة وترفضه قيم ومبادئ وأخلاقيات معظم المجتمعات البشرية، إيماناً بمبدأ أن الدعي لا يلتزم – غالباً – بقيم الفضيلة والأخلاق، ولا يعترف بمرتكزات العادات والتقاليد وأسس الأعراف الناظمة للمجتمع. وهذا يجعل انتهاكه لتلك القيم – من موقعه السيادي – خطراً وجودياً يهدد الحياة الإنسانية بمختلف جوانبها.
حتى في أسوأ فترات ضعف وانحطاط المجتمعات والأنظمة الحاكمة، كانت هناك ثوابت قيمية وأخلاقية لا يجوز انتهاكها مهما كانت المبررات. ومن يتجرأ على ذلك يعرض نفسه لغضب وانتقام المجتمع، ولن ينجو من العقوبات الرادعة، التي كانت تشمل النفي والطرد بالنسبة للأفراد، والمقاطعة والإدراج في قوائم العار بالنسبة للجماعات. بل إن العقوبات الجسدية والمالية – مهما عظمت – كانت أخف وطأة من عقوبات النفي والعار، لأن أثرها المؤلم يمتد عبر الأجيال.
ورغم انحطاط مبادئ القوى الاستعمارية وغاياتها، إلا أنها حرصت – عبر تاريخها – على إحاطة نفسها بهالة زائفة من المثالية، والتظاهر بتبني قيم الفضيلة. كانت تسعى لتلميع صورتها وتبرير نزعتها الإجرامية بمقولات مثل تطبيق القانون والحفاظ على الأمن المجتمعي. ومع ذلك، لم يكن هناك ما يثير غضب الشعوب واستفزازها أكثر من تنصيب الأدعياء والمنبوذين قادة عليها، لأن ذلك يمثل خطراً وجودياً يدمر قيمة الفضيلة ويكرس الانحطاط الأخلاقي.
ورغم عدم تكافؤ القوى في الصراع، فقد تمكن ضمير المجتمع الحي من صياغة صورة الرفض والمقاومة، والحفاظ على هويته العليا وإنسانيته ومشروعه الحضاري. غالباً ما كانت قوى الاستعمار تسقط في مستنقع جرائمها وطمعها. لذلك، لجأ اللوبي الصهيوني إلى إنتاج نماذج استعمارية مختلفة، علها تحقق الهيمنة الدائمة، إلا أن هذه النماذج كانت تسقط بمجرد أن تتحلل من القيم وتتحول إلى أدوات توحش مطلقة.
وفي ظل سقوط النماذج الاستعمارية التقليدية، رأى اللوبي الصهيوني ضرورة إنتاج نموذج استعماري جديد، مقطوع الأواصر والصلات، متحلل تماماً من القيم والمبادئ، وفي حاضنة مجتمعية ساقطة مثله. وكان ذلك النموذج هو الولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يمكن تسميته “أمريكا الصهيونية”. هذا الكيان الإجرامي تأسس على الإبادة الجماعية وحروب الأرض المحروقة، وتجسد فيه المشروع الإجرامي الصهيوني بكل وحشيته وتطرفه، ولا يزال حتى يومنا هذا يمارس أبشع صور الإرهاب والاستعمار بحق الشعوب المستضعفة.