Herelllllan
herelllllan2

كيف حقّقت “المقاومة” نصرها العسكري والسياسي؟

يمانيون../
يُجمع الخبراء العسكريون أن حرب لبنان الأخيرة لم تكن كسابقاتها من الحروب، وكل ما يندرج تحت مسمى هذه الحرب من تفاصيل كان مختلفًا تمامًا عمّا سبق، والأدق؛ أنه كان أكثر تعقيدًا. هذه المسلّمات تقودنا إلى نتيجة حتمية واحدة، وهي أن النصر المحقّق في هذا الإطار لم يكن نصرًا عاديًا أو كنصر حرب تموز 2006، بل كان نصرًا عظيمًا.

هذا الأمر يبدو واضحًا إذا ما تم قياسه بمعايير العلوم العسكرية والقتالية والدفاعية قبل أي معايير أخرى، وذلك من خلال قراءة وقائع المعركة انطلاقًا من المنظور العسكري، بالإضافة إلى ما جاء في اتفاقية وقف إطلاق النار من بنود ثبّتت أحقّية وحجم هذا النصر.

يشير منسق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات الطوارئ الدولية ورئيس المحكمة العسكرية السابق الخبير العسكري العميد منير شحادة في هذا السياق إلى أن حشد 5 فرق عسكرية على حدود لبنان مدجّجة بمئات دبابات الميركافا، ومحمية بمئات الطائرات الحديثة، ومزودة بآلاف الأطنان من الذخيرة، وبعد تمكن “إسرائيل” من اغتيال معظم قادة الصف الأول بمن فيهم القائد الأعلى لهذه المقاومة، وبعد عملية الـpagersالإرهابية التي أدت إلى إخراج 3200 عنصر من المقاومة من مهامهم. بعد كل هذه الضربات التي تعتبر قاتلة بالنسبة لأي جيش في العالم، نرى في الجنوب صمودًا وقوةً واستبسالًا من المقاومين في الدفاع عن أرضهم، حيث انتقلت المقاومة من مرحلة استيعاب الصدمة إلى الدفاع إلى الهجوم، ووصلت إلى حد استهداف منزل رئيس وزراء العدو وقصف وزارة حربه؛ وكل هذا يعدّ نصرًا.

في هذا الصدد، أكد الخبير العسكري العميد علي أبي رعد أيضًا، أن “الإسرائيلي” ظن بعد كل ما قام به من عمليات استهداف تراكمية، أنه سيحصد في نهاية الأمر إنجازات تُكتب له، معتقدًا أن بمقدوره أن يفعل في لبنان ما فعل مع الجيوش العربية كافة، ولكن “حساب الميزان لم يطابق حساب البيدر.”

العميد شحادة يستشهد هنا بمؤشر آخر، عندما تتوجه فرقتان عسكريتان (91 و 98) مدعومتان بفرقة ثالثة (210) لتهاجم بلدة جنوبية عمقها 4 كلم بطول 8 كلم، وتحاول ذلك على مدة شهرين، لكنها في النهاية لم تستطع أن تحتل هذه البلدة. هذه الفرق الخمس حاولت لشهرين اختراق الحدود، ولم تتمكن أن تخترق سوى جزء من المحور الغربي منها وبقوة محدودة، وصلت إلى منطقة شمع، ثم تعرضت إلى كمين في منطقة البيّاضة أدى إلى تدمير عدد من الدبابات وتراجع هذه الفرق؛ وكل ذلك يصنّف نصرًا.

عندما يتّحد العالم بأكمله إعلاميًا ويهشّم صورة المقاومة ويسعى إلى خلق الفتنة وإيجاد شرخٍ ما بين المقاومة وبيئتها على امتداد سنة وشهرين تقريبًا، ولم يفلح في إحداث أي شرخ بعد أن أظهرت البيئة- رغم هذا الدمار والمأساة- أنها متمسكة أكثر من أي وقت مضى بمقاومتها؛ فهذا يعدّ نصرًا.

من ناحية أخرى، يؤكد العميد شحادة أن الحديث عن فشل المقاومة في ردع “إسرائيل” كلام خطأ، وأن قوة الردع لا تقاس بحجم الدمار وعدد الشهداء، وصحّة هذا القول تتضح إذا قرأنا الأمور بطريقة معاكسة. تمتلك “إسرائيل” 12 فرقة عسكرية بحدود الـ 400 ألف جندي، ومع كل هذه الترسانة من الأسلحة والدبابات والصواريخ فإنها لم تمنع المقاومة من التسبب بتهجير مليون نازح “إسرائيلي”، ومن تدمير معظم مستعمرات الشمال ومن قصف قلب تل أبيب وحيفا ومعظم المصانع العسكرية، ومن إغلاق كل المصالح التجارية “الإسرائيلية” وإصابة هذا الكيان بالشلل الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، فهل يمكن حينها أن نقول إنه ليس لدى الجيش “الإسرائيلي” قوة ردع؟

وبالحديث عن عوامل أخرى للنصر، يذْكر العميد أبي رعد أن الإرادة الحقيقية للقتال لدى العنصر البشري في حزب الله تعدّ إحدى أهم هذه العوامل، وهذا ما كرره سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في أحد خطاباته، يضاف لذلك أن الهيكلية القيادية والعسكرية للمقاومة لم تتأثر بشكل أفقدها التوازن، بل على العكس استعادت زمام الأمور مباشرة بعد الأسبوع الأول للحرب.

ومن جملة العوامل لا بد –وفقًا للعميد عينه- من ذكر أهمية الإستراتيجية الدفاعية والقتالية التي اعتمدها حزب الله، مستفيدًا من الخبرات التي راكمها على مدار أعوام، والتي استطاع من خلالها أن يطور قدراته البشرية والمادية وحتى أسلحته، ويشير إلى أن ثمة فرقاً شاسعاً جدًا ما بين مقدرات المقاومة في العام 2006 ومقدراتها الحالية، وهذا الأمر ينطبق أيضًا على صعيد العدو وإمكانياته وما يمتلكه من أسلحة تعد من أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا والصناعة العسكرية.

أما على صعيد اتفاق وقف إطلاق النار، ولمعرفة ما إذا تمخض عن هذا الاتفاق نصر أم لا، فيجب أن نعرف بدايةً من هو الذي سارع أولًا لإبرامه. كانت “إسرائيل”- والكلام هنا للعميد شحادة- هي أول من سعى لذلك، والدليل أنه منذ أكثر من أسبوعين بدأت تخرج من الإعلام “الاسرائيلي” عدة تصريحات عن مسؤولين تحدثوا عن وجود تقدم في عملية وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، وفي العلم العسكري من يسعى لوقف إطلاق النار أولًا هو المهزوم، وبالتالي فإن النصر هنا هو حتمًا للمقاومة.

إلى جانب ذلك، يرى العميد أبي رعد أن الضغط الأميركي على “إسرائيل” وإصرارها على وقف إطلاق النار قبل انتهاء الولاية الرئاسية الأمريكية الحالية، هو دليل على حجم المأزق الذي يعيشه الكيان المحتل وكذلك عجزه عن تحقيق أي إنجاز بسبب الملاحم البطولية التي خطّها رجال المقاومة في جنوب لبنان، بل إن مجرد توقيع الاتفاق هو اعتراف ضمني بوجود وبقوة المقاومة.

وفي الإطار عينه، يؤكد أننا اليوم أمام الاتفاق 1701 مضافًا إليه بند اللجنة المشرفة على تنفيذ الاتفاق، والتي ضمت لبنان و”إسرائيل” وممثل الأمم المتحدة وحديثًا أميركا وفرنسا (بعد ضغط من قبل لبنان)، وهذا يعني أن “نتنياهو” لم يحقق أيًّا من أهدافه التي سبق أن أعلن عنها في بداية الحرب، أبرزها القضاء على المقاومة وإبعادها إلى ما بعد نهر الليطاني.

العوامل المجتمعة المذكورة أعلاه تقودنا إلى نتيجة واضحة، منطقية وحتمية، وهي أن النصر قد تحقق فعلًا في المفهوم العسكري والإستراتيجي، وما حملته بنود اتفاق وقف إطلاق النار يعدّ أيضًا نصرًا جديدًا في الميزان التفاوضي السياسي.

العهد الاخباري- سارة عليان

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com