هدف “اسرائيل” من خلط الاوراق في سوريا
يمانيون../
من البديهي أن تشكل سوريا من الناحية الجوسياسية حجر الزاوية الرئيسي في محور المقاومة لعدة اسباب، منها موفقها الثابت والمبدئي من “اسرائيل” والحقوق العربية وعلى رأسها حق الشعب العربي الفلسطيني في تحقيق ثوابته الاساسية، ووقوعها بين العراق ولبنان كحلقة وصل في مرور المساعدات العسكرية القادمة من رأس المحور ايران وحزب الله، واحتضانها التاريخي للمقاومة الفلسطينية، لذلك كانت وما زالت هدفا للمؤامرات من قبل “إسرائيل” والولايات المتحدة والغرب بالتعاون مع بعض النظام العربي بشكل عام، لغرض تغيير موقفها بما يتناغم مع الرؤيا الاسرائيلية والامريكية والغربية للشرق الاوسط، لكنها بقيت ثابتة ولم تتزحزح عن مواقفها المبدئية.
واستطاعت سوریا إستيعاب تلك المؤامرات والاعتداءات، والتصدى لها وافشالها، والتي كان آخرها وأقساها شدة “عشرية النار” التي دخلت على سوريا بلثام “الربيع العربي”، منذ العام 2011 وشكلت عدوانا واسعا من حوالي مئة دولة عبر تدفق الجماعات المسلحة التكفيرية من حدود تركيا والعراق ــ قبل الخلاص من داعش ــ واخواتها والاردن، وقد قام الغرب بإقامة غرفتي قيادة لادارة الصراع داخل سوريا عبر غرفة الاردن المسماه “موك”، والثانية غرفة تركيا سمـــاه “موم”، وأمام العدوان والحرب الكونية عليها كنظام ودولة أسرعت كلٌّ من ايران التي لا زالت تحفظ الوفاء لسوريا التي وقفت الى جانبها ابان الحرب العراقية الايرانية، وروسيا الحليف الاستراتيجي التاريخي لها منذ زمن الاتحاد السوفياتي، والذي يبحث عن مكان له على المياه الدافئة في الشرق الاوسط لمنع الولايات المتحدة وحلف الاطلسي من التفرد في المنطقة، وقد تمكنت الدولة السورية وجيشها الذي وصفه بشار الجعفري مندوب سوريا السابق في هيئة الامم المتحدة ذات يوم بـ”الجيش العرمرم”، والقوى الرديفة من مستشارين ايرانيين وروس وحزب الله وفاطميون وزينبيون وقوى عراقية مقاومة جاءت لسوريا للدفاع عنها من منطلق منع كسر هذا الظهير الممانع، وكذلك منع تدمير العتبات المقدسة في سوريا كمرقد السيدة زينب عليها السلام قرب دمشق، وقد تمكنت هذه القوى مجتمعة من دحر قوى التفكير والمعارضة في كل المناطق حتى بلغوا محافظة ادلب، ليتوقف القتال هناك بعد توقيع اتفاقية خفض التصعيد الذي كان تتويجا للقاءات استانا والذي رعته روسيا وتركيا وايران، ووقع في الرابع من ايار من العام 2017، حيث تضمن تركيا التزام قوى المعارضة، وتضمن روسيا وايران التزام الدولة السورية وجيشها والقوى الرديفة.
وقد طبق الاتفاق، وساد الهدوء الاراضي السورية المشمولة بالاتفاق، الا من الغارات الاسرائيلية ضد ما كانت ولا زالت تسميه التواجد الايراني وحزب الله على الاراضي السورية لم تتوقف، حيث اعلن قادتها وساستها مرارا وتكرارا انهم لن يسمحوا بتواجد ايران وحزب الله والقوى المحتالفة مع ايران على الاراضي السورية، وان هذا التواجد يشكل خطر وجودي عليها، فشنوا خلال السنوات الفائتة مئات الغارات على مواقع في سوريا تحت ذريعة هذا التواجد.
إن “إسرائيل” التي تعيش حالة الحساسية والرعب الكبير من هذا التواجد، تدرك أن الحضور الايراني يشكل خطرا وجوديا عليها، ويعزز العلاقة بين ايران وحلفائها خاصة في سوريا الواقعة تماما على حدودها الشمالية والتي تجاور لبنان الذي يقض مضجعها بوجود المقاومة الاسلامية “حزب الله” الذي انهزمت امامه في عام 2000 والعام 2006، ولاحقا الهزيمة الجديدة نهاية شهر تشرين ثان الماضي بعد اشتباك دام نحو عام عبر جبهة اسناد غزة ومعركة “اولي البائس” المفتوحة التي دامت ستين يوما، سعت “إسرائيل” خلالها لاجتثاث حزب الله وتغير معادلة لبنان السياسية، والعبور لشرق اوسط جديد تحلم به، لكنها فشلت، ومن مظاهر فشلها الذريع في هذا الباب انها ارسلت وخلال الاسابيع الاولى للحرب، وزير ما يسمى الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي “رون ديرمر” الى العاصمة الروسية موسكو من اجل البحث في ترتيبات نتائج المواجهة مع روسيا، بدفع موسكو لتقوم عبر شرطتها العسكرية في قاعدة حميميم العسكرية بمراقبة نقاط العبور السورية اللبنانية كافة من الجانب السوري لمنع دخول السلاح للمقاومة الاسلامية في لبنان، وحث الجانب السوري في المشاركة في هذا الجهد، لكن الجانب الروسي والسوري رفضا هذا الطلب رفضا حاسما، مما اثار حفيظة “إسرائيل” التي كانت تحت وقع ضربات المقاومة اللبنانية والتي تبحث عن سحق حزب الله، وتجفيف كل مواردة العسكرية والمالية لتحقيق اجتثاثه نهائيا.
هذا الموقف الروسي والسوري، دفع نتنياهو لتوجيه تحذير وتهديد للرئيس السوري بشار الاسد بشكل مباشر في كلمة اعلان وقف اطلاق النار في لبنان، والذي جاءت ترجمته مباشرة بعد ساعات بتحرك قوى ما يسمى المعارضة وعلى رأسهم جبهة تحرير الشام “جبهة النصرة” بشن هجوم واسع على ريف ادلب وحلب ومدينة حلب وريف حماه، ذلك الهجوم الذي فاجأ الجميع بنتائجه الميدانية لغاية الان، ولم ينتهي بالطبع لان الجيش السوري والقوى الرديفة لم تقل كلمتها بعد، وهي تحضر لهجوم معاكس قد يتجاوز كل الاتفاقيات السابقة التي خرقتها ما تسمى بقوى “المعارضة”، لكن “إسرائيل” ومن خلفها اقصد هنا بالذات الولايات المتحدة تريدان تحقيق خلط الاوراق في سوريا من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لهما وهو خنق “حزب الله” بقطع طرق الامداد عنه من خلال سوريا وهذا الامر ممكن تحقيقه من قبل هذه القوى التي تتقاطع مع “إسرائيل” وداعمتها الولايات المتحدة والقوى الغربية وحتى بعض الانظمة العربية في هذا الهدف، لكن الدولة السورية وجيشها الكبير والقوى الرديفة والتي تسيطر على اكثر من 62% من الوطن السوري الشاسع سيطرة تامة لن تسمح بتحقيق هذا الهدف، خاصة وانها خاضت “عشرية النار” بطول نفس وثقة واقتدار، وان الدولة السورية هي الان افضل حالا من سني “عشرية النار” الاولى، من كلِّ النواحي، بالمقابل لم تعد ما تسمى بقوى “المعارضة” بنفس الحجم والقوة، بعدما تشتت سبلها، وتشرذمت اهدافها، وصحى بعضها من غفلته، وتنكرت كثير من القوى الداعمة لها، واعترفت دول وحكومات عربية وغربية كانت تقدم الدعم المال والتسليح للمعارضة بانتصار الدولة السورية، فتقدمت منها واقامت معها علاقات دبلوماسية واقتصادية.
لذلك لن يحقق الاسرائيلي هدفه وهدف من خلفه مما جرى ويجري في شمال سوريا الان، وسيكون هذا الفصل من التآمر الجديد على سوريا فصلا جديدا من فصول فشل نتنياهو وحكومته المتطرفة، والذي سيتراكم مع مجموع فصول الفشل حتى يدوي به الى مستقبل مظلم سحيق.
بقلم: عصري فياض
قناة العالم