“أهمية الوعي” بطبيعة الصراع
يمانيون../
الصراع بين الحق والباطل هو جزء لا يتجزأ من سنن الله في خلقه منذ أن أوجد البشر على هذه الأرض، فقد بدأت أولى فصول هذا الصراع عندما تحدى إبليس أمر الله برفضه السجود لآدم، ليكون الصراع بين الخير والشر مبدأً مستمراً في حياة الإنسان،{قَالَ ٱهۡبِطَا مِنۡهَا جَمِيعَۢاۖ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ} (طه:١٢٣) ثم تكرر في قصة أبني آدم هابيل وقابيل و كانت أول عملية قتل ظلما وعدوانا في التاريخ البشري
هذا الصراع ليس مجرد صراع مادي بين قوى متصارعة على الأرض، بل هو في جوهره اختبار لإرادة البشر في اتباع الحق أو الانجراف نحو الباطل. الحق دائماً يكون معه الفطرة السليمة والعدل والهدى الإلهي، بينما الباطل يرتكز على الظلم، الهوى، والخروج عن طريق الله.
ومع توالي العصور والدهور، لم يتوقف هذا الصراع، بل تجلى في أشكال متعددة، بدءاً من الصراعات بين الأنبياء مع أقوامهم، وصولاً إلى المعارك الفكرية والعسكرية التي تشهدها البشرية حتى يومنا هذا. ويستمر هذا الصراع بين الحق والباطل حتى قيام الساعة، ولكن الله سبحانه قد وعد بنصر الحق وإنجاز وهزيمة الباطل مهما بلغ طغيانه. وقدم الله الكثير من الضمانات – إن صح التعبير – مع من يقفون مع الحق ويدافعون عنه في كل عصر، فقد وعدهم الله أن يقف معهم ويعينهم في هذا الصراع ، وفق السنن الإلهية، هناك الكثير من وعود الله لمن يسيرون على الطريق التي رسمها في مواجهة الباطل والتصدي للمفسدين في الأرض منها:
الثبات: قال الله تعالى:”يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ” (إبراهيم: 27).
النصر والعاقبة: قال الله تعالى:{ …وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (الروم:٤٧) {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف: 128)،
الأجر في الآخرة: قال الله تعالى:
{۞ فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (النساء:٧٤)
في هذا التقرير سنحاول تقديم بعض الحقائق عن أهمية الوعي بطبيعة الصراع وضرورة الثبات في مواجهة التحديات على ضوء محاضرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه [معنى التسبيح] التي ألقاها في 9 فبراير 2002م، حيث قدم رؤيته للصراع بين الحق والباطل وكيفية التعامل مع الأحداث الكبرى التي تواجه الأمة. وسنحاول ربط ذلك باستشهاد القادة.
التسبيح كقاعدة إيمانية لمواجهة الشدائد
يبدأ الشهيد القائد في محاضرته بالحديث عن معنى التسبيح وأهميته في حياة المؤمنين، مشيرًا إلى أن التسبيح يمثّل قاعدة روحية مهمة ويربط التسبيح بضرورة تنزيه الله عن كل ما لا يليق بعظمته، وهو مقياس لاختبار الإيمان والاستقامة في مواجهة الصعوبات. يقول الشهيد القائد: “التسبيح… يمثِّل قاعدة مهمة، ومقياساً مهماً جداً؛ لذلك كان من المهم أن يتكرر في الصلاة التي تتكرر هي في اليوم خمس مرات”.
التسبيح ليس مجرد ترديد للأذكار، بل هو فعل يعبر عن عمق الإيمان والثقة في حكمة الله وعدله، فالمؤمن حينما يمر بالمحن والشدائد يجب أن يستمر في تسبيح الله، ما يعزز من صموده أمام التحديات، والشدائد التي يواجهها وهو في ميدان الصراع بين الحق والباطل. يتجلى التسبيح كوسيلة روحية ترفع من مستوى التوازن النفسي للمؤمن، وتجعله قادرًا على رؤية الحكمة من وراء الأحداث الصعبة.
يشرح السيد حسين: كيف يمكن للتسبيح أن يكون سلاحًا روحيًا فعّالًا في مواجهة الشدائد، في التغلب على المحن الكبرى، يذكرنا الله بالتسبيح، كما حدث مع النبي يونس عليه السلام عندما نادى في الظلمات: “فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ”.
هذا يظهر أن التسبيح ليس مجرد فعل عادي، بل يمثل قاعدة أساسية في إيماننا، نكرره في صلاتنا وأوقاتنا المختلفة لترسيخ مفهوم تنزيه الله وتقديسه. نظرتنا تقوم على إدراك محدود مقارنة بحكمة الله وأفعاله، والتي قد لا نفهم الغاية منها دائمًا. لذا، عندما نستشعر باستمرار تنزيه الله في ذاته وأفعاله وتشريعاته، نضمن سلامة إيماننا، وحسن ظننا بالله، واستمرار إيماننا بنزاهته وقدسيته.
الشدائد مقدمات فتح
يعزز التسبيح، الإيمان بأن الله لا يظلم أحدًا، وأن كل الشدائد التي يمر بها الإنسان هي مقدمة لفتح جديد أو نصر، ويشير الشهيد القائد إلى أن التسبيح يتجلى في كل الأوقات وفي مواجهة الأحداث الكبرى، إذ يجب أن يكون التسبيح حاضرًا في السراء والضراء، يقول رضوان الله عليه :”التنـزيه لله سبحانه وتعالى… لا بد أن تكون قاعدة لديك ثابتة”.
و يقول أيضا: (يجب علينا أن نسبح الله سبحانه وتعالى في كل أحوالنا، في كل الأحوال التي تمر بنا، عندما يحصل لك مرض شديد، عندما يحصل لك شدة من المصائب, أو من الفقر, أو من أي نكبة تحصل عليك، أو أي مشكلة تقع فيها يضيق بها صدرك. بعض الناس يسيء الظن بالله، وهذا حصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: من الآية10) عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في [سورة الأحزاب]: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً}(الأحزاب:11) كما قال: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: من الآية10) بدأت الظنون السيئة.
عندما يدخل الناس في أعمال، ونكون قد قرأنا قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}(الحج: من الآية40) فيمر الناس بشدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى, وتنـزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك: [أنه ربما نحن لم نوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا، أو بأن ينصرنا و يؤيدنا] أو ابحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم, ربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح، تعتبر مفيدة جداً في آثارها.
وقد حصل مثل هذا في أيام الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في الحديبية، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية، ثم دخل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مصالحة معهم، وكانت تبدو في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة، لكن حصل في تلك المصالحة هدنة، هدنة لعدة سنوات كأنها لعشر سنوات تقريباً.))
ضعيف الإيمان هو من يهتز عند الشدائد
ويشير السيد حسين رضوان الله عليه إلى أن الإنسان ضعيف الإيمان قد يهتز عند الشدائد، تهتز ثقته بالله وبموقفه، فيبدأ بالتساؤل: “لماذا لم ننتصر؟ لماذا لم يأتِ النصر؟”، مما قد يؤدي إلى إساءة الظن بالله وكأنه تخلى عنهم. على العكس، فإن المؤمن يزداد إيماناً وقوة عند مواجهة الصعوبات، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173). فكل أحداث الحياة بالنسبة له آيات ودروس تزيده إيماناً، كما تزيده آيات القرآن يقيناً، وهنا يتضح الفارق الكبير بين من يهتز إيمانه في الأزمات وبين من تزداد بصيرته وثقته بالله في نفس الظروف.
استشهاد القادة في سبيل الله ليست خسارة
أحد الجوانب الهامة التي تناولها الشهيد القائد هو أهمية التحرك في سبيل الله والاستعداد لتقديم التضحية على كل المستويات حتى على مستوى القادة رغم أن فقدان القادة يمثل خسارة كبيرة على المستوى البشري، إلا أن هذه التضحيات تعد من أهم عوامل الصمود والنصر، ويضرب مثلا باستشهاد حمزة بن عبد المطلب يوم أحد، يقول الشهيد القائد: “ألم يتألم رسول الله… عندما رأى حمزة صريعاً؟ وصرع كثير من المجاهدين، ولكن هل توقف بعدها؟ لم يتوقف أبدًا”.
يقول رضوان الله عليه:((حادثة كربلاء ألم تكن حادثة مؤلمة جداً؟ كانت كلمات الإمام الحسين فيها تدل على قوة إيمانه، كمال وعيه، كمال يقينه، بصيرته, كان همه من وراء كل ذلك أن يكون لله فيه رضى، ما دام وفيه رضى لك فلا يهمني ما حصل. وهذه هي نفسية المؤمن، نفسية المؤمن هو أن ينطلق في أعماله يريد من ورائها كلها رضى الله.))
ويؤكد السيد حسين في محاضرته أن النصر في الصراع بين الحق والباطل لا يجب أن يُفهم بشكل مادي أو شخصي، فالتضحية بالنفس والمال في سبيل الله هي قمة النصر، حتى وإن كانت النتائج المادية تبدو سلبية في البداية (المؤمن لا ينظر إلى نفسه، النصر الشخصي، المقصد الشخصي، قضيته الخاصة، خِطته المعينة، موقفه الخاص. المسيرة هي المسيرة الطويلة: العمل على إعلاء كلمة الله، النصر لدين الله، في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت، وهكذا.. حتى تنتصر، ولا بد أن يتحقق النصر).
هذا المعنى يتطابق مع ما يحدث في المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، حيث يتفانى القادة والمجاهدون في سبيل القضية رغم علمهم بالتضحيات الجسيمة.
أهمية الوعي بطبيعة الصراع بين الحق والباطل
يشير الشهيد القائد إلى أن المجاهدين في ساحات الجهاد يحتاجون إلى فهم عميق لطبيعة الصراع، وبالذات مع اليهود و النصارى حيث يقول: ((وأنت منتصر أيضاَ عندما تسقط شهيداً في سبيل الله، أنت منتصر أيضاً، أنت عملت ما عليك أن تعمله فبذلت نفسك ومالك في سبيل الله)).
هنا، يتضح أن كل فرد من أفراد الأمة لديه دور في هذا الصراع، وأن الجهود الجماعية تساهم في تحقيق الأهداف السامية، فالصراع يتطلب توافر عناصر الإيمان والوعي والاستعداد للتضحية، بحيث تكون القيم الإسلامية راسخة في نفوس المجاهدين.
يستمر الشهيد القائد في التأكيد على أن الإيمان القوي والصبر في مواجهة الشدائد هما من العوامل الحاسمة لتحقيق النصر، ويستشهد بقصة غزوة أحد عندما واجه المسلمون تحديات صعبة: ((أن يرى المسلمون، أو يرى المؤمنون بعضهم صرعى في ميادين الجهاد، كما حصل في يوم أحد، ألم يتألم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما رأى حمزة صريعاً؟ وصرع كثير من المجاهدين، ولكن هل توقف بعدها؟ لم يتوقف أبدأً، وإن كانت تلك خسارة أن يفقد أشخاصا مهمّين كحمزة لكنه نصر للمسيرة، نصر لحركة الرسالة بكلها.. ولا بد في هذه المسيرة أن يسقط شهداء، وإن كانوا على أرفع مستوى، مثل هذا النوع كحمزة سيد الشهداء،)).
يشير إلى أن الشدائد ليست دليلاً على فشل الإيمان بل هي اختبارات تقوي الإيمان وتجعل المجاهدين أكثر صلابة. ويقول: ((في حالات الشدائد وهي الحالات التي يضطرب فيها ضعفاء الإيمان، يضطرب فيها من يفقدون نسبة كبيرة من استشعار تنـزيه الله سبحانه وتعالى، الذي يعني تنـزيهه عن أن يخلف وعده وهو القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.))
هذا القول يعكس أهمية الإيمان بنصر الله، حتى في أوقات الضيق، فالظروف الصعبة يمكن أن تكون بمثابة دافع لتقوية العزيمة والإصرار على الاستمرار في المسيرة.
ثمن النصر تقديم التضحيات في سبيل الله
يوضح الشهيد القائد أن النصر لا يتحقق إلا عندما يكون لدى المجاهدين استعداد لتقديم أنفسهم ومالهم من أجل القضايا العادلة يقول: ((لو تتوفر عوامل النصر لدى فئة، تكون على المستوى المطلوب، ويوفرون أيضاً من الأسباب المادية ما يمكن أن يوفروه، لا شك أن هؤلاء سيحققون نصراً كبيراً. ولا يعني النصر: هو أن لا يتعبوا، أن لا يستشهد منهم البعض أو الكثير، ولا يعني النصر هو أن لا يحصل لهم من جانب العدو مضايقات كثيرة، ولا يعني النصر: هو أن لا يحصل منهم سجناء.. إنهم مجاهدون، والمجاهد هو مستعد لماذا؟ أن يتحمل كل الشدائد في سبيل الانتصار للقضية التي من أجلها انطلق مجاهداً، وهو دين الله.
عمار بن ياسر في أيام صفين كان يقول: والله لو بلغوا بنا سعفات هجر – أو عبارة تشبه هذه، قرى يشير إليها في البحرين – لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل. يقول: لو هزمنا معاوية وجيشه حتى يصلوا بنا البحرين لما ارتبنا أبداً في أنهم على باطل وأننا على حق.. إنسان واعي، إنسان فاهم، يعرف طبيعة الصراع، يعرف ميادين الجهاد التي تتطلب من هذا النوع، يحصل فيها حالات كر وفر، يحصل حالات تداول في الأيام فيما بين الناس)).
هذا يؤكد أن الطريق إلى النصر مليء بالتحديات والتضحيات، وأن الصمود في وجه هذه التحديات هو جزء من الإيمان.
التحرك في سبيل الله يتطلب إلغاء النظرة الشخصية
يُشير الشهيد القائد إلى أن استشهاد القادة هو جزء لا يتجزأ من الجهاد في سبيل الله والتصدي للطواغيت، ويحذر من أن هذه التضحيات يجب ألا تكون سببًا للارتباك أو التراجع، بل، ينبغي أن تكون دافعًا لتعزيز الإيمان والالتزام بالمبدأ، و الاستمرار على النهج. يقول:
((انظر لماذا تتحرك؟ هل أنت تتحرك في سبيل الله؟ ألم تكن هذه العبارة هي التي تكررت في القرآن الكريم بعد كلمة: {يجاهدون}، جاهدوا، جاهِدوا؟ في سبيل الله، في سبيل الله، في الله هذه هي الغاية، هو الهدف الذي من أجله أتحرك، أنا أتحرك في سبيل الله، وأن التحرك في هذا الميدان هو يتطلب مني أن أصل إلى استعداد بأن أبذل نفسي ومالي أليس معنى ذلك إلغاء النظرة الشخصية والمكسب الشخصي؟ إذاً فليس هناك مجال للتفكير في النصر الشخصي, كل شخص ينطلق على أساس أنه يريد أن يتحقق له النصر الشخصي. لا. ربما قد يكون مكتوب لك أن تكون من الشهداء، هذا هو النصر الشخصي)).
هذا يعكس أهمية التركيز على الأهداف العليا للمسيرة الجهادية وعدم الانشغال بالنتائج المادية
ليبقى تنزيه الله قاعدة ثابته مهما كانت الأحداث
يشير الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي إلى أن التسبيح لله وتنزيهه من كل نقص قاعدة أساسية في الإيمان، ويمثل منهجا إلهيا يُنير الطريق ويبعد الإنسان المؤمن عن الوقوع في الضلال، فالتسبيح لله يعني إدراك نزاهته وقدسيته بشكل واعٍ، وعدم الاكتفاء بترديد الكلمات دون فهم عميق، إذا لم يكن الإنسان مدركًا لما يقول ويفعل، فقد يُصاب بالشك والريبة في أمور دينه، مما قد يقوده إلى ضلال بعيد عن الفطرة الصحيحة، ويأتي التسبيح كحاجز يمنع العقل من تقبل الأفكار التي تنتقص من قدرة الله وعظمته.
يُعتبر التسبيح لله وسيلة تُمكن المؤمن من إدراك نزاهة الله في كل الظروف. النبي يونس عليه السلام، وهو في بطن الحوت، لم يتخلى عن تسبيح الله في تلك اللحظة العصيبة، بل قال: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. وهذا المثال يعكس أنه لا يجوز للإنسان أن يتخلى عن تنزيه الله مهما بلغت شدته أو ظروفه، بل يجب أن يكون التسبيح جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية.
كما أن التسبيح – كما ذكر سالفا- ليس مجرد فعل يخص الطقوس الدينية، بل هو موقف إيماني يعزز الثبات أمام الفتن والشبهات، في الأوقات التي يُحاصَر فيها المسلمون بالتضليل والكذب، يظل التسبيح لله السلاح الذي يُبقيهم على النهج الصحيح. السيد حسين يُشير إلى ذلك بوضوح، موضحًا كيف يمكن للأعداء أن يُحاولوا إضفاء الشرعية على الضلالات الدينية عبر نسبتها إلى الرسول أو السلف الصالح، ولكن من يتمسك بالتسبيح لله لن يقع في هذا الفخ.
أحد الجوانب الهامة للتسبيح التي أشار إليها السيد حسين هو دور التسبيح في تهذيب النفس واستقرارها. فحين يُدرك الإنسان أن الله قدير وعادل، وأن أي بلاء أو مصيبة قد تنزل عليه هي لحكمة إلهية، أو نتاج تقصير من قبل الإنسان نفسه فإن ذلك يُبعده عن سوء الظن بالله، لأن ذلك قد يحدث حتى في ظل قيادة رسول الله كما في غزوة أحد، {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} حيث حصل فيها شدائد، وحصل فيها ما جعل البعض يرتبك، ما جعل البعض ينظر أنه لماذا أصابنا هذا الشيء {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}(آل عمران: من الآية165) وهم قد هم يريدوا يتجهوا إلى الله!، هو السبب, يمكن نَسيْ, يمكن..! يعني في واقع الحال أنت قد تكون تتعامل مع الله على هذا النحو، ربما نسي، ربما لم يف، ربما.. وإن لم تنطق أنت بهذه، سوء الظن”.
الإيمان بقدرة الله ونزاهته هو ما يعيد الناس إلى التوازن النفسي ويجعلهم يتقبلون الأحداث بروح مؤمنة.
القرآن الكريم يؤكد أهمية التسبيح، إذ نجد العديد من الآيات التي تبدأ بالتسبيح لله، مثل قوله تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة: 1). هذه الآيات تفتح للمؤمن باباً للتفكر في عظمة الخالق وكيف أن كل ما في الكون يُسبِّح لله. ويشير الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي إلى أن هذا التسبيح يجب أن يكون حاضراً في قلب وعقل المؤمن، فلا يسمح لنفسه بالتشكيك في حكمة الله أو نزاهته.
أخيرا ما يجب أن نفهمه هو أن التسبيح لله هو أكثر من مجرد ترديد كلمات؛ إنه حالة روحية تُمكن المؤمن من فهم الحكمة الإلهية في كل ما يحدث حوله ومحاضرة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ألقت الضوء على هذا المفهوم بعمق، وتدعو المسلمين وخصوصا المجاهدين في سبيل الله إلى التأمل فيه واعتماده كمنهج يومي يُحافظ على إيمانهم ويحميهم من الانحراف، ومن الشك والزلزلة التي تؤدي سوء الظن بالله.
صادق البهكلي