خذلان
يحيى يحيى السريحي
إن هبوط منسوب الحرية في المجتمعات العربية والإسلامية أثر بشكل مباشر على الإنتاج الفكري، كماً ونوعاً، وتعطيل الفكر العربي والإسلامي جعل المتلقي عرضة للاستهلاك الفكري والمعلوماتي في مختلف المجالات بالطريقة البروباغندية. فهذه الظاهرة من التراخي مع العدو الصهيوني التي نعيشها اليوم ليست حالة طارئة أو وليدة الصدفة، بل هي مدبرة منذ عقود.
إن العقل والمنطق يقولان إنه طالما كان مصدر المعلومات خارجيًا، وطالما كانت النتائج مرتبطة بالمقدمات، فإن النتيجة هي ما نراه اليوم ونسمعه من حالة التبلد واللامبالاة المتفشية في الشارع العربي، وموقف الغالبية المتخاذل مما يحدث في غزة ولبنان منذ أكثر من عام. فقد ظهر على غالبية الشعوب العربية والإسلامية الأعياء الشديد، وكأنها أصيبت بشلل الأطفال المفضي للعجز، وهو مرض مزمن وخطير نال من هذه الأمة وأصابها في وطنيتها وقوميتها وتدينها.
واقع الأمة يؤكد أن الخذلان قد استوطنها، وتمكّن منها الخوف. الخوف من الحكام المتماهين مع العدو الصهيوني والأمريكان، والخوف على لقمة العيش وفقدان المنصب والوظيفة. الأمر نفسه ينطبق على النخبة التي كانت سابقاً الدينامو المحرك للحركة الشعبوية، وتحرير القرار السياسي من ديكتاتورية الحاكم المتسلط في أي دولة ومجتمع عربي وإسلامي. فقد كانوا صفوة المجتمعات، ومحل ثقة الشعوب، لكن الحاصل اليوم هو أن خوف هؤلاء النخبة قد نالهم من الخوف ما نال العوام، إن لم يكن خوفهم أكبر، خوف على مكانتهم الاجتماعية والرسمية، وفقدان المال الوفي، والعيش الرغيد، على عكس من سبقهم.
لقد ماتت الأمة بموت ضمائر العلماء والمثقفين، الذين جفت أقلامهم، وخفتت أصواتهم، وصار غالبية الناس بلا إحساس مما يجري لشعب غزة ولبنان المكلوم، وكأن لسان حال هؤلاء يقول إن قلوبهم قلوب واجفة. فما عادت تلك الأحداث المؤلمة التي تحدث كل يوم على شعب غزة ولبنان تؤلمهم، ولا صرخات واستغاثات الأطفال والنساء توقظهم، لأنهم ببساطة ميتون فقط يتنفسون، وأحياء فقط ليأكلوا ويشربوا ويتناكحوا.
أما بالنسبة للقادة العرب والمسلمين، فيكفيهم عقد تلك القمة العربية الإسلامية التي انعقدت واختتمت أعمالها في السعودية يوم الثلاثاء 12 نوفمبر. صحيح أن ظاهر القمة من أجل غزة ولبنان، غير أن باطنها هو محاولة لترميم الوجوه المتساقطة لأولئك الشخصيات وليس غير ذلك. أما رابعة الأثافي فهي ما حصل في اليوم التالي لانتهاء القمة، حيث افتتحت المملكة السعودية موسم الرياض بعري فاضح وانحطاط واضح، دون أدنى حياء أو مراعاة لما يحدث في غزة ولبنان من جرائم إبادة وحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.