بعد هروب حاملة الطائرات لينكولن.. لمن البحر العربي اليوم؟
عبدالله الفرح
جاءت حاملة الطائرات آيزنهاور ترافقها قطع حربية أمريكية وغربية متعددة مصحوبة بهالة إعلامية طالما استخدمتها واشنطن ضد خصومها، والمؤلم أن حلفاءها في المنطقة روّجوا وهلّلوا للوجود العسكري الأمريكي أكثر من البيت الأبيض ومتحدثه والبنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية.
جاءت واشنطن ومعها فخر أسلحتها الاستراتيجية ومقدمة بحريتها النارية محاولة عسكرة البحر الأحمر، ومتخذة من إسناد اليمن لفلسطين ذريعة وأسلوباً للتغرير بمجتمعها ومجتمع المحيط العربي ولتنفيذ هدفها المتمثل بالدفاع عن الصهيونية العالمية.
جاءت واشنطن وهي تنوي ارتكاب خطأ استراتيجي لا يقل عن الخطأ الذي ارتكبه نتنياهو ومتطرفو الكيان، وحشدت ليس الرأي العام فحسب بل أدواتها في المنطقة والعالم، وكان أن تعثرت سريعاً في أول مهماتها العدوانية.
لقد انتهج اليمن مدرسة عسكرية خاصة في التعامل والتعاطي مع الأساطيل الأمريكية ومع الوضع العسكري الداخلي بكل تشعباته، هذه المدرسة هي التي دفعت بواشنطن إلى تخصيص مراكز أبحاث خاصة ووحدات في أجهزة استخباراتها تسلط الضوء على اليمن، وتفعّل كل مقدراتها للنيل من البلد الجغرافي الحساس والمهم اليمن العنيد المفعم بالخبرة العسكرية الشجاعة.
لقد بدأ اليمن مدرسته العسكرية بالعنف العسكري، إن صح التعبير، ومنذ الوهلة الأولى لم يتدرج في طريقته الدفاعية وهو يعلم أن هذه الحرب قد تطول وقد تكون حرب استنزاف طويلة الأمد، لكنه لم يغرق في هذه الحسابات بل أخرج ما لديه من قدرات وصفع بها واشنطن، وبعد كل صفعة على خد العدو كان الجيش اليمني يرسل رسائل النار إلى الأدوات في المنطقة والداخل والكيان المجرم، أن أي إشغال أو حرب ضد اليمن لا يمكن أن تحرفه عن استهداف العمق الإسرائيلي ولو كان بحجم أمريكا وأساطيلها.
نعم، أثبت اليمن لعدوّه قبل صديقه أن لديه مدرسته العسكرية الخاصة التي ينطلق منها، فبدلاً من حرب استنزاف طويلة والغرق في الحسابات، كانت الضربات الكبرى في بداية المعركة البحرية، وكان الاستهداف لأمريكا في البحر الأحمر والعربي وخليج عدن وباب المندب مستمراً ومتنامياً وبدقة صدمت العدو ودفعته إلى الهروب والعودة إلى مرابض حاملاته.
إن أسلوب الزخم العسكري اليمني أثبت فاعليته في حرب الطوفان، فهربت “آيزنهاور” وعين الصين وروسيا ترقبانها، فضلاً عن عين اليمن التي لم تغفُ دقيقة واحدة في رصدها واستهدافها وإشغالها، وهذا ما جعل طاقم حاملة الطائرات “آيزنهاور” يقول إن الزخم العسكري اليمني نوعي ومخيف ومتقدم.
ولأن اليمن يرى أن كل الخطوط الحمر قد تم نسفها من قبل العدو في فلسطين، ودمر كل جسر يمكن البناء عليه، ولم يتبق على جسد بايدن أي شيء لستره، بل خلع كل الأقنعة وكل الأزياء التي كانت أمريكا طيلة تاريخها تحاول إظهارها أنها بلد الحريات والإنصاف وبلد الإنسان بكل ألوانه وأشكاله، كان لا بد من الرد بالمثل فكانت مدرسة اليمن العسكرية هي الدقيقة والقوية والفعالة في مواجهة الغطرسة الأمريكية في المنطقة، بل يمكن البناء على أن مدرسة اليمن العسكرية هزمت ما يسمى بتحالف الازدهار، وهزمت أيضاً معه الكيان وأسقطت بعض المشاريع التي كان العدو يخطط للقيام بها اليوم أو يخطط لتنفيذها مستقبلاً.
لقد أسقطت هذه المدرسة والزخم العسكري النوعي والدقيق مشروع واشنطن العسكري، ودفعت بواشنطن الى إعادة التجربة من خلال إرسال حاملة طائرات جديدة حملت اسم “إبراهام لينكولن”، والتي أتت بعد هروب رفيقتها “آيزنهاور” ولكنها تمركزت هذه المرة في البحر العربي، بعيداً إلى حد ما عن حدود اليمن البحرية.
مع ذلك، اعتقد العدو أن تمركز حاملة طائراته في البحر العربي سينقذها من زخم صواريخ اليمن وطائراته المسيرة، وقام الأسطول الأمريكي بتنفيذ عدة عمليات في العمق اليمني، دفع إلى التعامل معه عسكرياً فكانت الضربات المتتالية.
والمذهل في المعركة البحرية الطاحنة، أن العدو درس أسلوب اليمن العسكري، وكشف نوع الأسلحة المستخدمة ضد أساطيله ودرس التوقيت والدقة والمدى والأسلوب والقرار، ونقل كل المعطيات بعد هروبه ومغادرته إلى الأسطول الجديد “إبراهام” ومع كل ذلك، كان الفشل الصادم هو ما حدث.
فبعد العدوان المستمر على اليمن من قبل الطائرات الأمريكية والبريطانية، قرر اليمن إعادة التعامل بمدرسته العسكرية الخاصة، زخم عسكري مصحوب بنوعية الضربات ودقتها، فجهز صواريخه وطائراته وأسلحته التي لم تستطع الأقمار الصناعية ولا الاستخبارات الأمريكية اكتشافها وتحييدها ورصد تموضع الأسطول الأمريكي في البحرين الأحمر والعربي، واكتشف مخططاً لاستهداف اليمن بشكل واسع وغير مسبوق فقام بعملية نوعية أقل ما توصف بأنها ملحمة عسكرية عاشها العدو وأدرك خطورة هذا البلد وشعبه وقائده.
لقد أطلقت حاملة الطائرات الأمريكية “أبراهام” أسراباً من الطائرات الحربية للقيام بهجوم واسع يستهدف عدة محافظات يمنية فقام الجيش اليمني بعملية استباقية متصدياً للطائرات الأمريكية، واستقبلت “أبراهام” ما يقرب من 29 صاروخاً باليستياً وبحرياً وطائرة مسيرة، في عملية مرهقة ومعقدة وغير مسبوقة ضد القوات الموجودة فوق هذا الأسطول، توزعت مصادر النيران لهذه العملية وفقاً للتخطيط الزمني السريع الذي اتخذه الجيش اليمني وبنى عليه وانطلق من خلاله، لتستمر المناورة العسكرية مع هذا الأسطول ما يقرب من ثماني ساعات متتالية، وفقاً للمتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، وهذا ما دفع بحاملة الطائرات إلى التراجع والهروب.
هذه العملية شكلت صدمة لقيادة الأسطول العسكري، ودفعت به إلى إعادة حساباته العسكرية ومعها إعادة حاملة الطائرات “أبراهام” إلى مربضها، وفقاً لما نشره المعهد البحري الأمريكي الذي أكد أن “يو إس إس أبراهام لينكولن” غادرت الشرق الأوسط بعد دخولها منطقة الأسطول السابع الأمريكي تاركة الشرق الأوسط من دون حاملة طائرات للمرة الثانية فقط خلال أكثر من عام، وقد تكشف الأيام المقبلة تفاصيل هزيمة هذه الأساطيل وقوة اليمن العسكرية والشعبية.
وخلاصة لما سبق، يرى خبراء عسكريون أن مدرسة اليمن العسكرية بدأت معركتها بتقديم بعض الأوراق العسكرية الاستراتيجية واستخدامها في الوقت المبكر، ما قد يمثل حلاً وردعاً حقيقياً للعدو وقد تفشل مخططاته، مع دراسة احتمال كل خيارات الحرب والاستعداد لها، وفقاً للتجارب ومعطيات الميدان والتكنولوجيا الحديثة للعدو وللجيش أيضاً.
كما أن استخدام الزخم العسكري في بدايات المعركة، خصوصاً مع عدو لم يعتد على الخسارة، هو أحد الحلول العسكرية وإحدى الخطوات المهمة لمعنويات الجيش والشعب ولمعنويات العدو وأدواته ولقياس نبض الحرب.
لقد نجحت مدرسة اليمن العسكرية في هزيمة الأساطيل الأمريكية، وقد يرى البعض أن الحديث عن انتصار كهذا سابق لأوانه، إلا أن من يعرف الجيش اليمني ويدرس جيداً مسار هذه المعركة يصل إلى نتيجة أن اليمن انتصر فعلاً، وما يزال يملك الكثير والكثير من الخيارات والأساليب العسكرية، خصوصاً أن لغة السلاح هي اللغة التي تعم المنطقة بأسرها ويجب التعامل معها بالمثل، وصنعاء ترى أن تقديرها للخيار العسكري في التعامل مع أمريكا والكيان هو التقدير والطريقة الدقيقة وهو أسلوب ومنهج مصدره مدرسة قرآنية لا بشرية عسكرية خالصة، وهذا أيضاً ما يدركه تماماً البيت الأبيض وعجز عن التعامل معه وإيقافه ويراه اليمن أن أدق منهج يمكن السير عليه دائماً هو منهج ومدرسة: عين على القرآن وعين على الأحداث”.