تقرير / يمانيون / حسين الجنيد
تسود مدينة عدن منذ شهر يوليو من العام المنصرم، حالةٌ من الفوضى الأمنية، لم تستطع حكومة هادي القابعة في الرياض، السيطرة عليها بأدواتها المتواجدة على الأرض بزعم أنها من يمثل الكيان المؤسسي للدولة التي يدّعون استعادتها، أو حتى على إحداث تغييرٍ يلمسه المواطن في عدن؛ ليكون الأمل الذي يقودهم للإعتقاد باحتمالية استتبابه وعودة حياتهم اليومية لايقاعها الطبيعي في قادم الأيام.
ولمشاهدة الصورة عن كثب في هذه المدينة التي باتت ثكنةً عسكريةً تعجّ بالآليات والمدرعات والأطقم العسكرية المتنوعة الإنتماء في ظل انعدام الحالة الأمنية، تتزايد مظاهر الفوضى والانفلات الأمني في أحيائها، وتتنامى حالات النهب والاغتيالات، وتزدهر أسواق بيع السلاح، وتنتشر المليشيات المسلحة في شوارعها تحت مسميات ومهام متعددة، منها من هو على صلةٍ بتنظيم القاعدة، والذي تدعي دول العدوان والاحتلال تطهير عدن منها، في حين أن الحقيقة لا تعدو أن هذه هذا التنظيم أعاد انتشاره في الشوارع تحت مسميات جديدة تتبع السلطات التي تدير الأوضاع في عدن بحلة المؤسسات الأمنية الحكومية، ومنها من هو تابع للحراك الجنوبي الانفصالي، ومنها من يدعي أنه الحزام الأمني للمدينة والذي قام بتأسيسه شلال شايع مدير أمن المحافظة المعين من قبل هادي، ومنها من هو مجهول الإنتماء والولاء.
يقول الناطق الرسمي باسم ما يُعرف بـ “مجلس قيادة المقاومة في عدن”، علي الأحمدي، “إن الوضع الأمني ليس في حالته الطبيعية بالمدينة التي خرجت من حرب مدمرة كانت مسرحا لها، قابل ذلك انهيار شبه تام للمؤسسات الأمنية والعسكرية الرسمية، وبطء عودة الدولة بسبب توسع نطاق المعارك في جبهات عدة بالبلاد”.
وعلى الرغم من المحاولات المستميتة من قبل وسائل وقنوات الإعلام التابعة لهادي ومرتزقة العدوان من تصوير الوضع بعد “تحريرهم” المزعوم لهذه المدينة بالجيد، يتضح للمتابع مدى الكذب والدجل والزيف الذي تمارسه هذه القنوات، بتناقضه المطلق مع ما يقوله الأحمدي، والذي تؤكده المشاهد والأخبار عن الوضع في هذه المدينة التي باتت خارج نطاق السيطرة المطلقة ويسودها شريعة الغاب والفوضى العارمة.
ويتابع الأحمدي، في حديثه الخاص لصحيفة “عربي21” المصرية، “أن الحل لهذه المعضلة يكمن في التسريع بعملية استيعاب عناصر المقاومة، والتعجيل ببناء مؤسستي الأمن والجيش، حتى تصبح عدن نموذجا ومثالا للمناطق المحررة” حسب تعبيره.
موضحاً أن “الاجتياح الإجرامي لمدينة عدن من قبل، من أسماهم، (ميلشيات الحوثي وحلفائها)، لم تبق فيها دولة ولا أجهزة أمنية”. وهنا تثار العديد من الأسئلة على لسان متابعين ومراقبين للشأن اليمني على المستوى الداخلي المحلي، والمستوى الخارجي الإقليمي، ما الذي يؤخر من تدعي أنها دول صديقة وحليفة للشعب اليمني والجنوبي تحديداً، وتحمّلت مشقة ومخاطر الحرب من أجل تخليصهم من الإنقلابيين حدّ قولها، عن القيام بما ينادي به الأحمدي لاستعادة الأمن في هذه المدينة وغيرها من المدن التي تعيش نفس الوضع الأمني المنهار؟
تحركات دول الاحتلال مشاريع ومآرب
يقول ماركس في نظريته الشهيرة حين أسس الفكر الشيوعي، “إن مبدأ الحياة قائمٌ على الصراع، ومن أراد الاستحواذ على السلطة فعليه بإدارة أدوات هذا الصراع”.
وبالمقابل مع ما تشهده مدينة عدن وباقي المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سطوة الاحتلال المتعدد الجنسيات والذي تشكل رأس حربته الولايات المتحدة الأمريكية، من غيابٍ للاستقرار، وفوضى أمنية؛ نتيجة صراع العديد من الفصائل والجماعات والتنظيمات، نجد أن هذه الدول إلى جانب موقفها المتفرج، عمدت إلى تكريس ومنهجة هذا الصراع، من خلال اتاحتها المجال لكل تلك الأطراف بمزاولة نشاطاتها وتنفيذ أجنداتها، فتتقاطع مع بعضها لتخلق المزيد من الصراعات فيما بينها، وهذا ما تحدث عنه ماركس في نظريته، وما كان يعنيه من التحكم وإدارة أدوات الصراع؛ لتصل دول الاحتلال للسيطرة المطلقة، والتي تمكنها من البقاء على الأرض لفترات زمنية طويلة دون أن يعترضها التساؤل المجتمعي عن سبب استمرارية البقاء والغاية منه.
فيما يحذر مراقبون من مبتغى سيطرة الإمارات عسكرياً، وبناء مراكز نفوذ إعلامية وسياسية في الجنوب وخاصةً عدن، وهو ما تبين مؤخراً من خلال السيطرة الإماراتية على الأرض في عدن بإشرافها على ثلاثة ألوية عسكرية يمنية إشرافاً كاملاً، بالإضافة إلى وجود مئات الجنود الإماراتيين يشرفون على الوضع العسكري والأمني وجميع المراكز الحيوية، كالمطار والميناء بالإضافة للشرطة والأمن والاستخبارات وغيرها من المواقع.
وربما ما لا يعرفه الكثيرون أن هادي، بحسب تسريبات نشرها موقع “حياة عدن” المعارض له، أعطى الإماراتيين ضوءً أخضراً؛ للعمل في حضرموت والمهرة وشبوة ومناطق جنوبية أخرى.
ففي حضرموت عملت الإمارات على إنشاء ألوية عسكرية جديدة معظمها من أبناء القبائل وتقوم بتدريبها وصرف الرواتب للعسكريين المنظمين إليها. وفي محافظة المهرة يعمل الإماراتيون على نفس المنوال بالتنسيق مع هادي ورئيس هيئة الأركان، علي المقدشي، المعين من قبل هادي، وكذلك الأمر في محافظة شبوة.
ونقل الموقع عن مسئولٍ مطلعٍ في حكومة هادي، أن الأمريكيين نسقوا مع أبو ظبي وخاصة في منطقة حضرموت لمواجهة القاعدة، بحسب تعبيره، وأن اللواء عبدالرحمن الخليلي، قائد المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت، استدعِي إلى أبو ظبي قبل شهرين؛ للتنسيق بخصوص محاربة القاعدة هناك بعلم سعودي يمني، والتقى مسئولين أمريكيين في أبو ظبي.
من جهةٍ أخرى، نشرت مواقع تابعة لبعض فصائل الحراك، أن دبلوماسي غربي رفضت الكشف عن اسمه، قام بابلاغ مصدر في حكومة هادي، أن الإماراتيين ينسقون أمنياً واستخباراتياً مع الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن مكافحة الإرهاب، وقدموا خطة لمحاربة القاعدة وغيرها في المناطق اليمنية، وبالذات في عدن وشبوه وحضرموت.
وأضاف المصدر الذي رفض ذكر اسمه، أن الدبلوماسي الغربي أبلغه بأن لدى الإمارات خطة عمل واضحة في اليمن ومدروسة، وحذر المصدر من أن عدم مشاركة الدول الأخرى في العمل الميداني في اليمن قد يغلب وجهة نظرها.
ولعل هذا الموضوع يأتي في سياق الفتور الذي يشوب العلاقة الأمريكية السعودية في الآونة الأخيرة، والتوجه الأمريكي لدعم الإمارات وتوكيلها بتنفيذ مشروعها ومخططها في اليمن، بدلاً عن السعودية التي تسعى جاهدةً لافشال المساعي الإماراتية؛ لتثبت للراعية الأمريكية أنها الأداة الأقدر على التنفيذ.
ومن خلال كل هذه المعطيات يدرك المتابع ويصل إلى نتيجةٍ مفادها أن سوداوية المشهد اليمني في الجنوب والفوضى العارمة التي تجتاح محافظاته المحتلة؛ سببها الأساسي هي دول الاحتلال ولأسباب ودوافع لا تخرج عن دائرة مطامع هذه الدول.