Herelllllan
herelllllan2

التغيير الجذري بين التطلعات والفلسفة

عبدالرحمن مراد

تبدو الحاجة اليوم أكثر من ضرورية في تكثيف الحديث عن التغيير الجذري، طالما وقد تم تسمية الحكومة الحالية التي تدير البلاد بحكومة التغيير والبناء، ووفق كُـلّ المسلمات الذهنية والمنطقية الحديثة لا بُـدَّ من تفعيل دور العقل الفلسفي لبناء الدولة الحديثة إذَا رغبنا في التغيير والبناء، ولا بُـدَّ لنا من استنفار العقول؛ مِن أجلِ الوصول إلى النموذج الأمثل الذي يتسق مع الهُوية الثقافية والمستوى الاجتماعي والمستوى الحضاري المعاصر لبناء النموذج الأمثل.

فاليمن تمر بحركة تبدل وتغير منذ عام 2011م وحتى اليوم الذي تشهد فيه عدوانًا سعوديًّا غاشمًا أحدث فيها تمايزًا وتفكيكًا للبنى التقليدية، سواءً الاجتماعية منها أَو السياسية، ومثل ذلك يطرح سؤالًا جوهريًّا ظل عائمًا في المسارات والمآلات بعد أن قال قادة حركة 2011م بسقوط الأيديولوجيا، والقول بسقوط الأيديولوجيا كان سببًا مباشرًا في حركة المجتمع الأخيرة التي جاءت على أنقاظ القائلين بسقوط الإيديولوجيا، في 2011م.

لم تكن ثورة (21 سبتمبر 2014م) إلا تعبيرًا حقيقيًّا عن واقع يتطلع إلى الانتقال، وبعد أن دلّت التجربة لأحزاب اللقاء المشترك على الفشل وامتداد الماضي في صميم تجربتهم التي تنازعتها مفاهيم الغنيمة وَالاقتصاد الريعي وغياب المشروع الوطني الحضاري والثقافي والاقتصادي وعلى الثبات.

والمتأمل في اللحظة السياسية التي تمر بها اليمن يدرك أن جدلية الحالة الانتقالية التشريعية أصبحت تفرض ضروراتها الموضوعية على الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي؛ فالتلازم بين الأبعاد المختلفة تلازم ضرورة واحتياج وتكامل، ولكل بعد تأثيراته المباشرة وغير المباشرة، وإدراك العلائق وتأثيراتها وتلازماتها يعمل على إحداث التوازن النفسي والاجتماعي للأفراد ويساهم بقدر في الحالة الانتقالية التشريعية ويكفل لها قدرًا من التناغم مع تطلعات الأفراد والجماعات، ويحقّق القدر المناسب من الشعور بالقيمة والفاعلية، ولذلك فالشارع اليمني حين انتفض في ثورة 21 سبتمبر 2014 م لم يقم بسلوك اعتباطي، ولكنه سلوك فرضته حالة الانتقال السريعة المتوافقة مع إيقاع المرحلة بعد أن مرّ بالمرحلة العسكرية (1962م – 2011 م) والمرحلة اللاهوتية العائمة (2011م – 2014 م) وهو الآن يحث الخطى إلى الحالة الوضعية والصناعية، حالة الانعتاق من رقّ الحاجة والتفاعل مع اقتصاد السوق وبحيث تتوافر في تفاعلاته طاقة تعمل على إنتاج نظام اقتصادي / اجتماعي متوازن يكفل وجود الجميع، ويعترف بالكل ولا يحاول إقصاء أحد في ظل دولة وطنية مركبة.. دولة الشراكة.

يجمع الكثير في المشهد السياسي الوطني أن غياب الدولة الوطنية هو المظهر الأول للأزمات المتتالية التي يمر بها اليمن ويتحدثون بالقول إن شكل النظام كان عاملًا مهمًّا في تعميق الأزمات، وأنه قد ألغى الشراكة السياسية والوطنية؛ بسَببِ غياب حاملها الحقيقي وهي الدولة، وبسبب ضرب مشروع الوحدة الوطنية في حرب صيف 94م وقد كان مشروع الوحدة القادر على تحقيق الشراكة؛ لأَنَّه كان قادرًا على فرض شروطه الاجتماعية والثقافية والسياسية.

وقال المفكرون والسياسيون إن الشراكة الوطنية تم استبدالها بنظام من الولاءات يقوم فيه مركز السلطة بتأسيس قاعدة لمعايير سياسية وَاجتماعية ومناطقية، يتم وفقًا لها بناء الحزام الآمن للنظام ويحصل منتسبو هذا الحزام على نصيب الأسد من ثروة البلاد ومن المناصب والوظائف الأَسَاسية، ويرون في تلك العلاقة نوعًا من الشراكة في السلطة والمصالح وهي قاعدة متضادة لنظام الشراكة الوطني.

وترى أحزاب اللقاء المشترك –وفق رؤيتهم المنشورة- أن إعادة الاعتبار إلى الخيارات الوطنية النبيلة التي توافق عليها اليمنيون وارتضوها خيارات وطنية لا رجعة عنها، وفي المقدمة منها مبدأ الشراكة الوطنية، والتعددية الحزبية والسياسية والقبول بالآخر وسيادة القانون والمواطنة المتساوية والشراكة الشعبيّة الواسعة في السلطة والثروة وصناعة القرار.

والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن تفكير التيارات السياسية اليمنية ظل غائبًا عن بناء مجتمع حديث يعمل بكفاءة في عالم اليوم، وبناء مجتمع حديث يتطلب مؤسّسات حديثة وسلطات حديثة، ومفاهيم حديثة تتجاوز سياقها التاريخي والثقافي كما أنّ جلّ المفاهيم السياسية التي يتشدقون بها ضبابية وغير واضحة الأبعاد والمعالم فهم يتكلمون عن الدولة وَلا نكاد نلمح لهم تعريفًا للدولة، ويتكلمون عن الشراكة الوطنية وَلا نكاد ندرك العمق الاجتماعي والسياسي لمفهوم الشراكة الوطنية، ويمكن أن يقال إن الشراكة الوطنية، والتعددية الحزبية السياسية، والقبول بالآخر، وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية مصطلحات جوفاء غير ذات مضمون عند القوى والتيارات السياسية الوطنية اليمنية، وهي تستخدم للاستهلاك السياسي والكيد السياسي ولكنها خالية من المضامين الاجتماعية والثقافية والسياسية، بالرغم من أن الشروط الموضوعية الواقعية للتطورات الاجتماعية والثقافية التي توالت تراكماتها الضاغطة منذ 2011م قد فرضت سؤالًا هامًا ومحوريًّا حول جدلية الاندماج الاجتماعي والاندماج السياسي للجماعات والأحزاب والطوائف، ويبدو أن العقل الاجتماعي، والعقل الفلسفي لم يستوعب تفاصيل الحركة الاجتماعية التي تعيد إنتاج نفسها من خلال الاشتغال على التفكيك في البنى التقليدية، وكان من المفترض بالأحزاب –باعتبَار الحزب مثقفًا عضويًّا يحمل مشروعًا للنهوض– أن تكثّـف البحث عن الوسائل المثلى الداعمة لثقافة التسامح وقبول الآخر والاعتراف بوجوده، والتعايش معه، واحترام معتقداته وثقافته؛ لكون البحث عن العلاقات الشكلية بين مكونات المجتمع المختلفة والدولة وفق المفهوم الحداثي لا التقليدي -وهو المفهوم الذي أفرزته وتفرزه حركة المجتمع– يقود إلى الحديث عن دمج كُـلّ الفرق والجماعات والأحزاب في إطار المفهوم الجامع الشامل “للمواطنة المتساوية” وهو مفهوم يحتاج إلى جدل وحوار فكري وفلسفي للوصول إلى تحديد معناه.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com