مجلس الأمن.. عصا أمريكية لخدمة الصهيونية
“حل النزاعات, وصون السلام والأمن الدوليين, وفرض احترام القانون الدولي ولو عبر إجراءات عسكرية”, هي المسؤوليات الأساسية لمجلس الأمن وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، لكن في ظل الهيمنة والنفوذ الأمريكي المطلق تحول هذا المجلس إلى الذراع الأقوى لواشنطن, والأداة الأكثر تأثيراً على دول العالم الثالث بما يضمن حفظ مصالح الولايات المتحدة وحماية أمن كيان العدو الإسرائيلي.
لا يعاني مجلس الأمن دائماً من عراقيل تمنع إصدار قرارات ملزمة عبر الضغوط الأمريكية والمصالح المشتركة لدول الغرب الكافر, أو استخدام حق النقض “الفيتو” كما هو الحال من القضية الفلسطينية وجرائم حرب الإبادة المتواصلة في غزة، فهو يتخذ خطوات وإجراءات ملزمة في قضايا عديدة كفرض الحصار على اليمن، وتجديد العقوبات الاقتصادية على بعض الأفراد والكيانات فيه بعد عقد من تشريع العدوان الظالم, وإفساح المجال للتحالف الأمريكي البريطاني بشن الاعتداءات على المدن اليمنية متى ما شاؤوا وأينما أرادوا.
بالإجماع – وهذه من عجائب مجلس الأمن – إذا ما التقت وتقاطعت فيه مصالح وأجندة قوى المال والنفوذ، صوّت مجلس الأمن الدولي لصالح تمديد القرار (2140 ) الذي يفرض عقوبات على أفراد وكيانات يمنية، داعياً إلى ضرورة الامتثال لبنوده لاسيما حظر الأسلحة.
ويتضمن القرار تدابير مالية وحظر سفر لقيادات يمنية لمدة عام، ويمدِّد ولاية فريق الخبراء المعني باليمن حتى منتصف ديسمبر 2025.
مشروع القرار صاغته المملكة المتحدة حاملة قلم اليمن بالمجلس الدولي، وباتهام مندوبتها الدائمة “بابرا وودورد” لمن أسمتهم “الحوثيين” بمواصلة عرقلة طريق السلام في اليمن, فإن فصول وحلقات التآمر الأمريكي لوقف العمليات المساندة لغزة تتكشف تباعًا، وتمتد إلى المجلس الدولي، وذلك لتمويه مخطط ومساعي توريط وإعادة إنتاج الأدوات المحلية لخوض حروب داخلية لخدمة الصهيونية العالمية في السيطرة والتمدد, بعد فشل التحالفات الأمريكية والأوروبية في حماية ملاحة كيان العدو, ووقف العمليات المساندة لغزة.
السفير روبرت وود, نائب المندوبة الدائمة الأمريكية في مجلس الأمن، لم يكن راضيًا بتمديد العقوبات على اليمن, رغم وصفه لها بأنها “أداة ردع مهمة لتهديدات السلام والاستقرار والأمن” إذ كان يتطلع لما هو أكبر حتى من غض الطرف عن اعتداءات بلاده على الشعب اليمني، بدون أي مبرر أو مسوغ قانوني, إذ عبر عن أسفه لعدم قدرة المجلس على اعتماد ما أسماه تدابير لتقليص القدرات اليمنية على مواصلة الأعمال “المزعزعة” للأمن في المنطقة في إشارة إلى العمليات البحرية المساندة لغزة وهو ما يؤكد مساعي البيت الأبيض لتوريط المجتمع الدولي في مهامه العدائية.
الثابت بمجلس الأمن أن حق النقض سلاح تستخدمه الولايات المتحدة لشرعنة اعتداءاتها, وتوفير الغطاء لكيان العدو الإسرائيلي الذي يمارس منذ ما يزيد عن عام أبشع جرائم حرب الإبادة والتدمير في غزة ولبنان، ما يجعل اتخاذ قرار أو موقف ولو إنساني يدعو لهدنة تسمح بإدخال المساعدات لغزة من طرف المجلس مستحيلًا.
دعوات الولايات المتحدة بضرورة تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية في غزة لا تتماشى مع دعمها التام والمطلق لجيش العدو الإسرائيلي، إذ كيف يمكن فهم أو تفسير هذه الدعوات في مقابل إرسال مليارات الدولارات وأفتك أنواع الأسلحة والقنابل، لقتل الشعب الفلسطيني وتدمير مقدراته.
شرعنة العدوان على اليمن
ضد الشعب اليمني طوّعت أمريكا مجلس الأمن لوضع اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لشرعنة العدوان عليه وممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية لإفشال ثورته التحررية، وفي فلسطين إلى جانب ما تقدمه الولايات المتحدة من دعم لكيان العدو تمارس الضغوط السياسية لعرقلة قرارات المحكمة الدولية ومذكراتِ اعتقال قادة الكيان لارتكابهم جرائم حرب الإبادة بغزة، هذا عدا عن مباركة وتأييد الانتهاكات الصهيونية ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بهدف تهجير الشعب الفلسطيني وزيادة معاناته وتصفية قضيته العادلة.
كذلك في لبنان تبدو الأمم المتحدة وهيئاتها عاجزة ومكسورة الجناحين, ليس لهول ما تشاهده من جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية ضد الشعب اللبناني وممتلكاته لضلوعها في ذلك، بل لأنها تشاهد بأم عينيها قتل اليهود لجنود وضباط “اليونيفيل” وهي قوة أممية وجدت من أجل توفير الحماية للكيان, ومراقبة كل ما يمر ويصل إلى الخط الأزرق في شمال فلسطين وجنوب لبنان.
الحقيقة أنه لا نهاية للصراع المتمدد في “الشرق الأوسط ” دون حل القضية، الفلسطينية، ولا طاقة لمجلس الأمن على الدول والحركات المناهضة للسياسة الأمريكية والمخططات الصهيونية، فاليمن يمضى قدمًا إلى الأمام متحررًا من كل القيود والاعتبارات السياسية, وهو في طريقه لكسر العزلة الدولية, وفرض إرادته كقوة مستقلة لا تخضع للإملاءات الأمريكية ولا للابتزازات الاقتصادية والأمنية.