على درب الشهداء ماضون
أم الحسنين الزايدي
من بذل أغلى ما يملك في سبيل الله وتحرير هذه الأرض لينعم أبناء شعبنا بالأمن والأمان والحرية والعدالة والاستقلال سيبقى على درب من سبقوه من أحبته، الشهادة عظيمة جِـدًّا فـنرى أنه عندما يستشهد شخص يقتفي أثره آلاف الأشخاص، عندما يستشهد فرد من أسرة نرى الأسرة بأكملها تعاهده على المضي على دربه فـنرى الشهيد يتبعه عدة شهداء ويلتحق بالجبهات من تبقى.
الشهادة كالشجرة الكبيرة والشهداء كـأوراقها فـعندما يستشهد شهيد تخضر الشجرة وتصبح أجمل لنستظل بها من فتن الدنيا ومصائبها؛ عندما يغوينا الشيطان لاقتراف ذنب نرى وجوه الشهداء تنهانا عن كُـلّ شيء؛ نستذكر كلماتهم عندما وعدونا بانتظارنا في الجنة فـنحاول الابتعاد عن كُـلّ ما سـيبعدنا عن رؤيتهم في دار المقر فـالفراق ليس فراقنا في هذه الدنيا الزائلة، بل إننا نخشى أن تبعدنا غفلتنا وتفرقنا عن أغلى أحبابنا هنالك في دار الخلود؛ عندها ندعو الله دائماً بعظيم شهادتهم ودمائهم الطاهرة أن لا يفرقنا عنهم في مستقر رحمته.
الشهادة كالبذرة تغرس في نفوس الأحرار تنمو فيهم لتثمر جهاداً واستبسالاً فلا يقبلون ظلماً ولا يرضون بالفساد؛ تراهم إلى الله أقرب وإلى الدنيا أبعد، سيماهم في وجوههم المشرقة وابتساماتهم التي تشفي القلوب من أوجاعها، عندما كانوا بيننا كانوا ينشرون السعادة بوجودهم وعندما غابوا عنا غابت تلك السعادة لتسكن محلها غصة لن تزول إلَّا بلقائهم، لكن ما يهدئ أوجاع قلوبنا على فراقهم أنهم شهداء؛ ذكرهم ليس كـذكر باقي البشر بل عندما نستذكرهم نزداد شرفاً ورفعة وعزة وكرامة بما قدموه.
في الشهادة لا تمييز بين أفرادها فـكلهم شهداء في منزلة واحدة؛ ليس كـهذه الدنيا شهادات تميز شخص عن آخر فـترفع شخصاً قائداً وتضع آخر جندياً، ولربما ذلك الجندي الأدنى رتبه عند الله أعظم من قائده بقربه من الله وأمانته وصدقه وإخلاصه ووفائه؛ لذلك عندما منح الله الشهادة وعرضها على عباده لم يذكر بـأن هنالك تمييزاً أَو أفضلية بين شخص وآخر من عباده إلَّا بالتقوى، تلك التقوى التي ما خلت من شهيد من شهدائنا، اتقوا الله حق تقاته وجاهدوا في الله حق جهاده حتى استخلصهم فـأخذ منهم الصفوة ورفعهم إليه شهداء ليبقوا على مر العصور مصدر فخر وكرامة ودروس تبقى للأجيال.
الشهادة شرف عظيم ليس للشهيد فقط بل لأسرته المعطاءة تلك الأسرة التي قدمت للإسلام قرباناً وضحت؛ مِن أجلِ الوطن بأغلى ما تملك، تلك الأسر التي لو كشف على قلوب أهلها لوجدوها تبكي دماً على فراق أحبتها، لكنها لا تظهر إلا القوة والثبات وذلك من عظيم الشرف الذي منحه الله لأسر الشهداء بأن اصطفى منهم روحاً أَو أرواحاً فأعطى القلوب صبراً والوجوه بشاشة والمعنويات قوة؛ كذلك أنهم يبقون على خط شهدائهم مهما كانت التضحيات فلا وهن ولا تراجع عما مضوا إليه، بل إنهم يسعون للشهادة واللقاء بالأحبة كما يسعى غيرهم ممن يريد الدنيا إلى الحياة والبقاء فيها، ولو كان ذلك البقاء خنوعاً وذلة وجبناً؛ لذلك نحن جميعاً بداية بنا نحن أسر الشهداء وكل المجاهدين والأحرار في هذا العالم من يأبون الذل ويواجهون الطغاة ويتصدون للظلم من واجبنا وأقل ما نقوم به أن نسخر أقلامنا في نشر ثقافة الشهادة لأن فيها القوة والعزة والكرامة والإنسانية لأن في ثقافة الشهادة خطين لا ثالث لهما إما العيش بعزة أَو الموت بشرف الشهادة وهذا ما يريده الله سبحانه لنا فقد خلقنا أعزاء ويريدنا أن نبقى كذلك.
فـنحن ليس فقط في أسبوع الشهيد نستذكر الشهداء بل إن كُـلّ أيامنا لا تخلو منهم ونقرأ بشغف عنهم، وكل شهيد ولو كان من أطراف الأرض عندما نرى له صورة أَو نسمع له وصية كأنه شخص نعرفه فـهم مكرمون وأكرمهم الله بأن جعل حبهم في قلوب عباده؛ كذلك لأنهم مضوا لنفس الهدف نرى أغلب وصاياهم متشابهة فيوصونا بالبقاء على دربهم وإحياء نهجهم ومواجهة جبابرة الأرض؛ فلهم منا العهد والوفاء بأن نبقى على دربهم وخطهم، لن نميل حتى نلتحق بهم شهداء وسنبقى دائماً على درب الشهداء ماضون.